بيروت: صدر مؤخرا عن الدار العربية للعلوم ناشرون، باكورة أعمال الكاتب اللبناني إسماعيل حيدر تحت عنوان "إلى مطر قديم". عن العمل يقول طلعت إسماعيل بجريدة "البيان" الإماراتية "هنا تنطق الأحجار الصماء في الظاهر، بحديث عذب عن حصون وقلاع وأبراج تظل الشاهد على إمبراطوريات غابرة مرت على أديم تلك الأرض التي ما فتئت تنثر عطرها الفواح على قرى لا تزال تكافح ملوثات المدينة القاسية. في تلك الربوع تلمح بهلول القرية في شقه الأنثوي حيث "رضية" المسكينة المشردة تتلقى حصى الصغار العابثين. هو الحجر ذاته الذي يقف بالمرصاد في وجه جحافل المحتلين الذين اعتقدوا أن ارض الجنوب لقمة سائغة فكان للبشر رأي آخر، فألقمهم حجر الهزيمة المرة. هذا لا يمنع إسماعيل من الترحم في طير دبا أو "طير الذهب" على البيوت الطاعنة في القدم التي غزت المدينة باسمنتها الرمادي الطرقات لتغرس "مستوطناتها" بدلا من الزيتون والكرمة والتين. و "إلى مطر قديم" الذي حمل عنوان المجموعة القصصية ان شئت ان تصنفها وسط بنات جنسها من الأعمال الأدبية، نقف على "المفتون بالغيث السماوي .. والممسوس بالخضرة وألوانها". وهو يستمع إلى أصوات عجائز قريته، وهن يتذكرن الأيام الخوالي، وكيف كان المطر يتنزل "فلا يتنفس إلا لحظات صحو قليلة" فتغتسل البيوت والشوارع ويرحل الغبار عن الشجر والحجر والنفوس، بفعل سيمفونية الطبيعة الساحرة. ويمضي شلال الحنين المتدفق حبا وتعلقا بالناس الطيبين، حتى ينتقل إلى "مرثية لمقهى بحري" حيث يستحضر إسماعيل قلعة "أم الدراويش" الساهرة من دون ان يغلبها النعاس، لتشتم رائحة الأحجار التي وقفت في وجه البحر مشرعة اذرعها لرذاذه المالح، وطيور النورس التي تملأ الفضاء الرمادي الجميل، قبل ان ينعى خبر من سبعة اسطر قلعة أصبحت أثرا بعد عين بفعل العدوان الإسرائيلي عام 1992. ومن "أحوال الجسد المتبدل" مرورا بالأسماء وذاكرتها الملونة وحتى نوار الجنوب أنت أمام "حيدر" غارق حتى أذنيه في ذكريات الطفولة والصبا، التي تواصل استجلاب المطر القديم بالرسائل العائلية والدموع البيض، لتمضي الأيام تحت ناظري "ام مسكونة بالتقوى" وأب "رقيق كدمعة بيضاء"، قبل تقاطيع الفصل بالغربة الاختيارية والقهرية في آن معا، لتكتشف انك أمام المسكون دوما بحلم المطر القديم".