تهدئة غزة بعيون إسرائيلية ياسر الزعاترة لا خلاف على أن أية تهدئة أو هدنة بين قوى المقاومة وسلطة الاحتلال ليست مناسبة للفرح ، ولذلك نأمل أن لا يصار إلى نقلها إلى الضفة الغربية ، بل إلى العمل على تصعيد المقاومة بكل أشكالها هناك ، لكننا نتحدث هنا عن وضع بالغ الخصوصية في قطاع محاصر خرج الإسرائيليون من داخله وظلوا على أسواره ، كما أننا نتحدث ، وهذا هو الأهم عن جولة من جولات الصراع لا أكثر ولا أقل ، إذ لم تعترف القوة المستهدفة (حماس) بدولة الاحتلال ، كما رفضت نبذ المقاومة كسبيل للتحرير. لتقدير وضع التهدئة من زاوية النظر الإسرائيلية نتوقف هنا عند جملة من المواقف والتصريحات التي تعكس عمق المأزق الذي يشعر به الإسرائيليون حيال الخطوة التي اتخذوها ، والتي جاءت بسبب الأزمة السياسية التي تعصف بهم ، فضلاً عن غياب الثقة في مؤسستهم العسكرية بعد هزيمة تموز ، وفي ظل العجز عن وقف المقاومة وكسر صمود الفلسطينيين ووقف الصواريخ التي نغصت حياة مئات الآلاف من المستوطنين فيما يعرف بغلاف غزة. في هذا السياق اعتبر النائب الأول لرئيس الحكومة الإسرائيلية حاييم رامون الاتفاق "انتصاراً للإسلام المتطرف" ، واعترافاً بحركة حماس ، بينما رأته النائبة الليكودية (ليمور ليفنات) "خنوعاً إسرائيلياً للإرهاب وإنجازاً عظيماً لحركة حماس يمنحها شرعية ومكانة دوليتين". على صعيد المحللين والكتاب السياسيين الإسرائيليين ذهب عمير ربابورت في صحيفة معاريف أنه مقابل "الإنجاز الأكبر" لإسرائيل بعد شمول الضفة الغربية بالاتفاق ، فإن شروط التهدئة الأخرى تشكل إنجازاً لحركة حماس ، لأنها تمنحها الوقت لتعزيز قوتها العسكرية ، ولأنها عبر استنزاف إسرائيل نجحت في رفع الحصار الاقتصادي عن القطاع. وفيما يشبه التأييد ينقل يوئيل ماركوس في "هآرتس" عن أحد مؤسسي كيبوتس ناحل عوز قوله "صحيح حتى اليوم في النقب الغربي حماس انتصرت على إسرائيل" معتبراً أن كلامه يعبر عن إحساس الكثيرين في الجنوب. المحلل سيفر بلوتسكر كتب في "يديعوت أحرونوت" مقالاً بعنوان "اتفاق مع الشيطان" قال فيه:"في طريقها إلى اتفاق التهدئة ، حطمت الحكومة التفوق الإستراتيجي الأهم الذي احتفظت به بيدها منذ صعود حماس إلى الحكم: تفوق الرفض. رفض الحديث مع حماس ، رفض الاعتراف بشرعية حكمها ، رفض التوصل معها إلى حلول وسط ، أما الآن فكأنها توصي العالم بالاعتراف بها". ويخلص إلى أن إسرائيل هي التي انثنت وليست حماس ، مضيفاً عبارة بالغة الدلالة تقول "يبقى الأمل ألا تكرر حكومة إسرائيل الخطأ في الشمال وتجري مفاوضات "غير مباشرة" مع حزب الله على ترسيم الحدود بيننا وبين لبنان". المستشرق الإسرائيلي المعروف (غي بخور) كتب في "يديعوت أحرونوت" مقالاً بعنوان "الخسوف" ، معتبراً أن الاتفاق هو خسوف إسرائيلي "يخلط بين الاعتبارات التكتيكية العابرة ، وبين الاعتبارات الإستراتيجية ثقيلة الوزن" ، مذكراً بالصراع مع حزب الله بالقول "حصل ذلك لنا في العام 83 مع القرار بإقامة حزام أمني في جنوب لبنان ، فبدلاً من المسارعة إلى الانسحاب علقنا هناك 18 سنة ، وبمجرد وجودنا هناك خلقنا وعظّمنا ظاهرة حزب الله ، فهل علقنا بقرار جديد من هذا القبيل؟ بالطبع محتمل". المحلل العسكري في نفس الصحيفة إليكس فيشمان وصف الاتفاق قبل يوم من سريان مفعوله بأنه "اتفاق الضعفاء" ، حيث قال:"ابتداء من يوم الخميس في الساعة السادسة صباحاً تعطي إسرائيل حماس اعترافا بأنها لاعب شرعي في السياسة الفلسطينية والإقليمية. في بالمقابل تحصل على تهدئة لفترة زمنية ما لسكان غلاف غزة. هذا باختصار جوهر الصفقة التي عقدناها مع المصريين". لم يتوقف الأمر عند المحللين والسياسيين ، فقد نقلت الإذاعة الإسرائيلية عن ضابط كبير في الجيش قوله إن حماس لم تتنازل عن شيء ، وإنما "حصلت من إسرائيل على متسع من الوقت لإعادة تنظيم صفوفها وقوتها وتعزيز البنى التحتية الإرهابية" ، مضيفاً القول إنه "كلما صمدت التهدئة أكثر كلما كانت حماس أقوى وأخطر". اياً يكن مصير التهدئة ، فإن ما يعنينا هو أن الطرف الإسرائيلي قد تراجع ، ما يؤكد أن مسار الصمود والمقاومة هو وحده الذي يفرض التراجع على العدو. عن صحيفة الدستور الاردنية 22/6/2008