التحديات الاقتصادية أمام الرئيس الروسي الجديد أوليج ميتياييف ورث الرئيس الروسي الجديد ديمتري مدفيديف تركة رئاسية مثقلة بالكثير من المشكلات الاقتصادية كاعتماد روسيا على المواد الخام والاحتكارات والروتين الحكومي والفساد وهي عوامل تضغط باتجاه رفع الأسعار كما تعيق النمو الاقتصادي. ومن ناحية أخرى فلدى مدفيديف أداة قوية لمعالجة تلك المشكلات وأعني بها أسعار النفط التي تجاوزت 120 دولارا للبرميل. إلا أن الرئيس الروسي الجديد سيكون عليه أيضا التعامل مع تحديات اقتصادية أخرى كبيرة. التضخم: يبدو ان روسيا تحرز تقدما بشكل جيد على الرغم من وجود هذه المشكلة المزمنة. وعلى أية حال فقد تسارعت وتيرة زيادة الأسعار العام الماضي ووصلت الى نحو 12% مقارنة ب 9% عام 2006. وتأمل الحكومة الروسية والبنك المركزي أن يتوقف التضخم عام 2008 عند 10% على الرغم من أنه وصل الى 6.3% خلال الأشهر الأربعة الاولى. ويتوقع الخبراء وصول التضخم في نهاية العام ما بين 12 و18% وهو ما سيعيق الاستثمار. وكان فلاديمير بوتين قد أشار الى أن انخفاض مخصصات إصلاح قطاع الاسكان والمرافق بسبب التضخم، بيد أن المشكلة أخطر من ذلك بكثير. فعندما تستمر الأسعار في الارتفاع يكون تخطيط الاستثمارات وتنفيذها أمرا شاقا. وقد فشلت الحكومة المنتهية في وضع برنامج شامل لمكافحة التضخم إلا ان تلك الحكومة وافقت في 6 مايو2008 وهو آخر يوم لها على جدول زمني لتحقيق نمو سريع في التعريفات الجمركية الخاصة بالاحتكارات الطبيعية حتى عام 2011 وهو الامر الذي سيؤدي الى مزيد من التضخم. الاعتماد على السلع الأساسية: ارتفعت أسعار النفط متجاوزة 120 دولارا للبرميل ومن غير المحتمل أن تنخفض بشكل حاد على الرغم من انخفاض النمو الاقتصادي في الولاياتالمتحدة وأوروبا إلا أن ذلك لن يقلل من الطلب على الطاقة. وإذا حدث السيناريو الأسوأ وهو استمرار الركود الاقتصادي الأميركي لمدة عامين وانتشاره الى أوروبا ما قد يؤدي الى انخفاض أسعار النفط. وعلى اية حال فالمستشارون الاقتصاديون في الحكومة الروسية يشيرون الى أن الاقتصاد الكلي في روسيا سوف يشهد استقرارا على المدى الطويل. إلا أنه إذا حدث انخفاض كبير في أسعار النفط على الرغم من ان ذلك أمر مستبعد للغاية فسوف يؤدي الى خسارة قطاع البنية التحتية عقود حصلت عليها حيث سيتم تقليص برامج الاستثمار بسبب نقص عوائد الصادرات وفي هذه الحالة سيشهد الاقتصاد الروسي نوعا من الغليان يعقبه تجمد في معدلات النمو تقريبا. الازمة المصرفية: خلافا لافتراض انخفاض أسعار النفط فإن احتمال حدوث أزمة مصرفية يتزايد بسرعة وذلك لأن روسيا ترتبط بالاقتصاد العالمي ليس فقط من خلال أسعار السلع الأساسية بل أيضا من خلال تدفقات رأس المال. وخلال الاعوام الماضية حصلت البنوك الروسية على قدر هائل من القروض الرخيصة نسبيا من الغرب إلا أن الأزمة المصرفية الحالية وما سيتبعها من زيادة في معدلات الفائدة التجارية على القروض قد تؤدي الى تعقيدات ضخمة في قدرة البنوك الروسية على تسديد الديون ولم يعد يسمح لهذه البنوك الآن بالاقتراض أو انها تحصل على القروض بفوائد مرتفعة. ويقوم البنك المركزي بضخ الاموال لسداد الديون قصيرة الأجل غير أن الديون طويلة الاجل ستمثل مشكلة خطيرة هذا العام. والبنك المركزي يساعد البنوك بضخ الأموال في السوق إلا انه يزيد مشاكلهم برفع معدلات التسديد. وقد اقترحت الأوساط المالية الروسية استخدام الصندوق الوطني للرخاء ولو جزئيا لحل مشكلة تسديد القروض طويلة الأجل. مشكلة ديموجرافية: باتت روسيا تعاني من مشكلة ضخمة متمثلة في نقص القوى العاملة فالصناعات تفتقد وجود موظفين متخصصين كما ان عدد العاملين في الزراعة ينخفض بشكل كبير وذلك لانتقال الأفراد الى المدن. وفي الوقت نفسه فأسعار المنتجات الزراعية تشهد ارتفاعا سريعا وهو ما أدى الى تحفيز التضخم في العامين 2007 و 2008. ولم يعد بوسع روسيا ان توفر الأيدي العاملة الرخيصة والتي كانت تمثل ميزة لها تتفوق بها عن غيرها من البلدان الصناعية وذلك لأن دخول الأفراد في ازدياد مطرد. ومن ثم فأحد المهام الأساسية امام الحكومة هو تدريب العاملين واجتذاب العمال المهرة المهاجرين. التحديث: هناك علاج للمشكلة المزمنة التي يعاني منها الاقتصاد الروسي يمكن من خلالها مواجهة التحديات العالمية. فالدولة عليها أن تستثمر عوائد النفط في تقنيات جديدة والبنية التحتية للنقل لتخفيف اعتمادها على المواد الخام ولإنهاء حالة الخوف من حدوث انخفاض في أسعار النفط. فمن خلال وجود تقنية عالية المستوى وبنية تحتية جيدة يمكن لروسيا أن تحافظ على ارتفاع معدلات نمو إجمالي الناتج المحلي على الرغم من صغره نسبيا مقارنة مع البلدان الآسيوية. وبدون زيادة المنافسة سيكون من المستحيل تحقيق النجاح في تطوير قطاعات التقنية المتقدمة ومن ثم يجب على المسؤولين في الحكومة أن يتخلوا عن الإفراط في وظائفهم الاقتصادية والسلطات الممنوحة لهم. فالمنافسة هي الأداة الأساسية في مكافحة تضخم اقتصاد السوق. وقد هيأت روسيا الظروف الأولية لتحقيق هذه الأهداف فأنشأت المؤسسات الإنمائية وظلت تعمل لسنوات عديدة لتحقيق تصور التنمية الاجتماعية والاقتصادية حتى عام 2020 وهو ما يدفع باتجاه التقدم القائم على الابتكار. غير أن المؤسسات الإنمائية لم تعمل بعد بكامل طاقتها كما أن الحكومة المنتهية ولايتها لم تقدم الصيغة النهائية لتصور 2020. وتركز السياسة الاقتصادية لديمتري مدفيديف على المؤسسات والبنية التحتية والابتكار والاستثمار وهو ما يعطي الأمل في أن الرئيس الجديد سوف يتعامل مع التحديات التي تواجه روسيا بصورة أفضل من النظام السابق. نشر في صحيفة " ام سي تي " ونقل من صحيفة " الوطن العمانية " 14/5/2008