ستون عاماً على النكبة: نهاية عصر السيادة بموجب حق الفتح صقر ابو فخر في 29/11/1947 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 181 الذي تنص بنوده على تقسيم فلسطين الى دولتين: عربية ويهودية، وعلى إخضاع مدينة القدس للادارة الدولية. وعلى الفور أعلنت بريطانيا، الدولة المنتدبة على فلسطين بموجب صك الانتداب الصادر في 24/7/,1922 أنها ستسحب قواتها من فلسطين في موعد أقصاه مساء 14/5/.1948 وما ان غادر آخر جندي بريطاني ميناء حيفا في ذلك التاريخ حتى بادر دافيد بن غوريون الى دعوة «الجمعية التأسيسية اليهودية» في فلسطين الى الاجتماع في قاعة متحف تل أبيب. وفي تلك القاعة، حيث صورة تيودور هيرتسل تطل على الجميع، قرأ بن غوريون «وثيقة الاستقلال» وأعلن قيام دولة اسرائيل، ثم عزفت الفرقة الموسيقية نشيد «هاتكفا» أي «الأمل». وفي اليوم التالي دخلت الجيوش العربية الى فلسطين، لكنها لم تلبث أن خرجت منها بهزيمة قاسية. ومنذ ذلك الحين اتخذت قضية فلسطين اتجاها جديدا تماما، وصار ما قبل الرابع عشر من أيار 1948 تاريخا، وما بعده تاريخا آخر. وفي الشهور التسعة التي أعقبت قيام دولة اسرائيل أرغم نحو 860 ألف فلسطيني على اللجوء الى غزة والضفة الغربية وسورية ولبنان والأردن، واتجه قسم قليل منهم الى العراق ومصر. التنكر للقانون الدولي يكاد يُجمع خبراء القانون الدولي على أن الجمعية العامة للأمم المتحدة تجاوزت صلاحياتها في إصدار القرار ,181 ومع هذا عجزت عن تنفيذه تماما. فالأممالمتحدة التي ورثت الانتداب عن عصبة الأمم لم تكن مخولة، على الاطلاق، التصرف بالبلاد الواقعة تحت انتدابها او تقرير مستقبلها الا بالتشاور مع سكانها. وهذا ما لم يحدث البتة كما هو معروف. ان تاريخ فلسطين والبلدان العربية المجاورة، منذ سنة 1917 فصاعداً، حافل بالتنكر للقانون ولمبادئ العدالة وحقوق الانسان. هذا ما وقع، بالفعل، بعد هزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولى حينما أصدرت بريطانيا إعلان بلفور سنة ,1917 وفرضت الهجرة اليهودية الى فلسطين رغما عن إرادة سكانها. وهذا ما أسفر عنه انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية حينما أمرت الولاياتالمتحدة الأميركية حليفتها بريطانيا بإحالة قضية فلسطين الى الأممالمتحدة التي أصدرت قرار التقسيم رقم ,181 ثم القرار .194 السيادة بالفتح العسكري ليس بين دول العالم دولة تحدت سلطة الأممالمتحدة وامتنعت عن تنفيذ قراراتها الا اسرائيل. وقد تذرعت اسرائيل دائماً بالسيادة وحقوق السيادة لتحول دون تنفيذ قرارات الأممالمتحدة، وهي سيادة مزعومة ادعتها اسرائيل على أراض لم تمنحها إياها قرارات الأممالمتحدة بل استولت عليها في سنتي 1948 و.1949 قبل سنة 1948 لم يكن لدولة اسرائيل أي وجود مادي او قانوني. وفي تلك السنة قام عدد من اليهود ممن لا يحملون جنسية البلاد بحمل السلاح واستولوا على مساحة كبيرة من فلسطين وأعلنوا قيام دولة اسرائيل بدعم من الولاياتالمتحدة الأميركية وبتواطؤ من بريطانيا، ثم استولوا على أراض جديدة وطردوا سكانها العرب. هل يصبح لاسرائيل، بموجب هذه الحال، حق السيادة بمثل هذا الاستيلاء؟ ان عدم السماح بالاستيلاء على أراض بالفتح العسكري قد أصبح قاعدة من قواعد القانون الدولي، وحق الفتح نفسه ما عاد له أي وجود. والفتح العسكري ليس سندا لاكتساب السيادة على أرض ما، والحرب لا تمنح هذا الحق تحت أي ذريعة. المعروف ان اسرائيل كانت قدمت طلبا في 29/11/1948 الى الأممالمتحدة لقبولها عضوا فيها. وعُرض الطلب على مجلس الأمن في 17/12/1948 فرفض الطلب لأن اسرائيل كانت تحتل القسم الغربي من القدس وبعض الأراضي المخصصة للدولة الفلسطينية. وفي 24/2/1949 قدمت طلبا جديدا ناقشه مجلس الأمن في 4/3/1949 ووافق عليه بأغلبية 9 دول ضد دولة واحدة (مصر) وامتناع دولة واحدة (بريطانيا)، وأوصى بقبول اسرائيل عضوا في الأممالمتحدة. وفي 11/5/1949 وافقت الجمعية العامة على التوصية وصارت اسرائيل عضوا فيها. لكن ما ان وضعت اسرائيل ورقة العضوية في جيبها حتى أرسلت وزارة الخارجية الاسرائيلية في 28/7/1949 مذكرة رسمية الى لجنة التوفيق الدولية تقول فيها: «ان عودة أي لاجئ عربي الى مكان اقامته الأصلية هي أمر مستحيل». وفي 25/12/1949 أعلن دافيد بن غوريون أمام الكنيست ان «اسرائيل تعتبر قرار التقسيم قرارا غير شرعي وكأنه غير موجود». خرق القوانين تعهدت اسرائيل في طلب الانتساب الى الأممالمتحدة الذي قدمته في 29/11/1948 تنفيذ جميع قرارات الأممالمتحدة وعدم التذرع بحق السيادة للحيلولة دون تنفيذ القرارات. لكن اسرائيل ما ان أصبحت عضوا في الأممالمتحدة بموجب قرار مجلس الأمن رقم 273 الصادر في 11/5/1949 حتى أطاحت هذا التعهد، وهذا نوع من الاحتيال السياسي والبلطجة الدولية. وقد تضمن القرار 181 تحديدا جغرافيا للدولة اليهودية، لكن اسرائيل أدارت ظهرها لهذا القرار واستولت على أراض جديدة، وعلّقت التفاوض على قضايا الحدود واللاجئين والقدس علما أنها وقّعت بروتوكول لوزان في 12/5/1949 الذي ينص على احترام حدود التقسيم وعلى تدويل منطقة القدس وعودة اللاجئين الذين لهم وحدهم حق التصرف بأموالهم وأملاكهم، و على حق التعويض على مَن لا يرغب في العودة. لقد وقّعت اسرائيل بروتوكول لوزان الذي صاغته لجنة التوفيق الدولية كي تضمن مقعداً لها في الأممالمتحدة. وعلى الفور راحت تزعم ان لها حقوقا تاريخية في الأراضي التي خصصتها لها الأممالمتحدة بموجب القرار ,181 لكنها ما برحت تنكر، في الوقت نفسه، حق الفلسطينيين في الأراضي المخصصة للدولة العربية بموجب القرار نفسه. وهذا القرار ينص في أحد بنوده على ما يلي: «تعتبر كل محاولة ترمي الى تغيير التسوية التي ينطوي عليها هذا القرار بالقوة تهديدا للسلام او إخلالا به او عملا عدوانيا وفقا للمادة 39 من ميثاق الأممالمتحدة». وكانت اسرائيل أول من خرق هذا القرار ثم القرارات اللاحقة. أول خرق للقرار 181 وقع حينما قامت اسرائيل بالاستيلاء على القسم الغربي من مدينة القدس سنة 1948 على الرغم من أن القرار ينص على وضع المدينة تحت الادارة الدولية. وثاني خرق كان الاصرار على عدم إعادة اللاجئين الى ديارهم بموجب الفقرة 11 من القرار 194 الصادر في 11/12/,1948 التي تنص على حق اللاجئين في العودة. وقد تذرعت اسرائيل دائما بأن الأممالمتحدة لا تستطيع ان تفرض عليها مَن هم الذين يسمح لهم بدخول اسرائيل. وأبعد من ذلك، فقد جرت محاولات عديدة لتعيين حارس من الأممالمتحدة لحماية أملاك اللاجئين وإدارتها وتحصيل إيراداتها، لكن هذه المحاولات فشلت جراء معارضة الولاياتالمتحدة واستقواء اسرائيل بالموقف الأميركي (انظر: هنري كتن في دراسته المهمة جدا: «فلسطين في ضوء الحق والعدل»، بيروت: مكتبة لبنان، 1970 ترجمة وديع فلسطين ومراجعة ظافر القاسمي). لم تكتفِ اسرائيل بخرق القرارين 181 و194 وبروتوكول لوزان، بل راحت، ابتداء من سنة ,1950 تستولي على المناطق المجردة من السلاح على الحدود مع سورية. وأدت الاعتداءات الاسرائيلية إلى اندلاع اشتباكات عنيفة مع الجيش السوري في أيار ,1951 وصدر في أثر ذلك القراران 92 و93 عن مجلس الأمن اللذان يحثان اسرائيل على وقف الاستيلاء على تلك الأراضي. توالت قرارات مجلس الأمن ضد اسرائيل، لكن لم ينجم عنها أي أثر مادي. ففي 22/1/1958 أصدر مجلس الأمن القرار 127 نتيجة لشكوى أردنية حول أشغال اسرائيلية في مقر الحكومة الأردنية في القدسالغربية. وفي 11/4/1961 صدر القرار 162 جراء شكوى ثانية عن انتهاكات اسرائيلية متمادية للأملاك العربية في القدس. وفي 9/4/1962 صدر القرار 171 ليدين اسرائيل لانتهاكها المناطق المجردة من السلاح شرق بحيرة طبرية. وهكذا صدر أكثر من 200 قرار عن الجمعية العامة ومجلس الأمن والمنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة، وبقي ذلك كله مجرد نصوص في سجلات القرارات. وعلى سبيل المثال يمكن ان نذكر القرارات التالية: القدس: منذ بداية تأسيسه أصدر «مجلس الوصاية» (الذي أُسس في 29/11/1947 بموجب القرار 303)، القرارين 113 و114 في 19/12/.1949 ويُعرب القراران عن القلق من نقل اسرائيل بعض وزاراتها وإداراتها المركزية الى القدس، الأمر الذي يجعل تنفيذ النظام الخاص بالقدس أمرا صعبا. وفي 6/4/1950 أقر مجلس الوصاية نظام مدينة القدس، لكن لم يُنفذ أي بند من بنوده. وبعد حرب الخامس من حزيران 1967 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 2254 (4/7/1967) الذي طالب اسرائيل بالغاء جميع التدابير التي اتخذتها في المدينة والامتناع عن أي عمل من شأنه تغيير وضع القدس. وفي 16/12/1980 رفضت الجمعية العامة بموجب القرار 35/2007 القرار الاسرائيلي القاضي بضم القدس وجعلها عاصمة لاسرائيل، وتغيير طابعها المادي وتكوينها السكاني وهيكلها المؤسسي ونظامها. ووجه المؤتمر العام للأونيسكو في سنة 1968 نداء ملحا الى اسرائيل للحفاظ على المواقع والمباني في المدينة، والامتناع عن تغيير ملامحها. المياه: في 27/10/1953 دعا مجلس الأمن اسرائيل في القرار رقم 100 الى وقف تجفيف بحيرة الحولة خوفا من إحداث تغييرات بيئية في منطقة يملك معظم أراضيها اللاجئون الغائبون. لكن اسرائيل استمرت في تنفيذ ذلك المشروع وتمكنت من تجفيف البحيرة، وحوّلت المنطقة الى سهل زراعي ممتد، وقضت على ثروة من الطيور والنباتات المحلية لا تقدر بثمن ولا يمكن استعادتها (أنظر: «قرارات الأممالمتحدة بشأن فلسطين والصراع العربي الاسرائيلي» ستة أجزاء بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية). لم يجرؤ مجلس الأمن، مرة واحدة، على وضع قراراته الخاصة بفلسطين موضع التنفيذ، مع أن له الصلاحيات الكاملة في فرض العقوبات على الدول التي تمتنع عن تنفيذ قراراته. والعلة، هنا، كامنة في الموقف الأميركي الذي طالما استخدم حق النقض (الفيتو) لتعطيل قرارات مجلس الأمن. ثم ان الهيمنة الأميركية على الأممالمتحدة ومختلف هيئاتها من شأنها ان تحوّل جميع قرارات الجمعية العامة الى أمور غير قابلة للتنفيذ. فإذا كان دافيد بن غوريون رأى دائما «أن أفضل مفسّر للتوراة هو الجيش الاسرائيلي»، فإن الولاياتالمتحدة الأميركية، بوصفها قوة امبريالية مهيمنة، تعتبر نفسها أنها أفضل مفسّر لقرارات الأممالمتحدة. ان اسرائيل ملزمة الجلاء عن جميع الأراضي التي استولت عليها في سنة 1948 وفي سنة 1967 بموجب القرارات الكثيرة التي اشتهر منها 242 و338 و,425 وهي لا تملك أي نوع من السيادة على هذه الأراضي. لكن من عدم الواقعية الاعتقاد بإمكان إجبار اسرائيل على تنفيذ هذه القرارات بالدبلوماسية. لقد جلت اسرائيل في سنة 1956 عن سيناءوغزة ليس بقوة الأممالمتحدة كهيئة سياسية دولية، بل بقوة الاتحاد السوفياتي والولاياتالمتحدة اللتين تقاطعت مصالحهما آنذاك، وهذا درس للدول الصغيرة في السياسة والدبلوماسية معاً. وفي هذا الميدان، جرت محاولات كثيرة لطرد اسرائيل من الجمعية العامة للأمم المتحدة بعدما نالت منظمة التحرير الفلسطينية اعتراف 105 دول من دول العالم عقب خطاب ياسر عرفات في الأممالمتحدة سنة ,1974 لكن حتى هذه المحاولة لم تسفر عن أي نتيجة، مع ان العالم الثالث امتلك حينذاك ثقلا كبيرا في الجمعية العامة. ولعل تآكل القوة العربية بعد حرب ,1967 وغياب الرئيس جمال عبد الناصر في سنة 1970 كان لهما الأثر الكبير في هذا المصير. عن صحيفة السفير اللبنانية 12/5/2008