اختيار مشروع جامعة عين شمس ضمن مبادرة "تحالف وتنمية" لتعزيز الأمن الغذائي وتوطين الصناعة    لجنة المسئولية الطبية وسلامة المريض تعقد ثاني اجتماعاتها وتتخذ عدة قرارات    «الطفولة والأمومة» يضيء مبناه باللون البرتقالي ضمن حملة «16يوما» لمناهضة العنف ضد المرأة والفتاة    لتعزيز التعاون الكنسي.. البابا تواضروس يجتمع بأساقفة الإيبارشيات ورؤساء الأديرة    التنمية المحلية تحيل مسئولين بالإسماعيلية للنيابة المختصة للتحقيق    الذهب يرتفع والجنيه يتجاوز 45 ألف جنيه    إصدار شهادة بسعر المشغولات الذهبية عبر البريد المصري    لمدة 12 ساعة.. انقطاع المياه غرب الإسكندرية بسبب تجديد خط رئيسى    الاتحاد الأوروبي يفرض غرامة 120 مليون يورو على منصة إكس    طريقة استخراج شهادة المخالفات المرورية إلكترونيًا    بري يرفض المفاوضات بين لبنان وإسرائيل    بعد مقتل أبو شباب غسان الدهيني أبرز المطلوبين على قوائم اغتيالات حماس في غزة ( صورة )    لاعب الإمارات: مصر تنتج لاعبين وأساطير على مستوى عال وهذا ليس غريبا    الصين وفرنسا تؤكدان على «حل الدولتين» وتدينان الانتهاكات في فلسطين    رئيس الاتحاد الإيراني محروم من تأشيرة المونديال    سام ألاردايس: انتقاد كاراجر ل صلاح «مثير للشفقة»    حقيقة ممارسة البلطجة وقطع الكهرباء عن أحد المنازل بسوهاج| فيديو    اتهامات جديدة لوالد المتهم في جريمة تلميذ الإسماعيلية    مصطفى كامل: لا أجيد النفاق وأكل السحت    سورة الكهف نور الجمعة ودرع الإيمان وحصن القلوب من الفتن    «هيئة الدواء» توافق على إتاحة علاج مناعي حديث لمريضات أورام بطانة الرحم    بعد انقطاع خدمات Cloudflare.. تعطل فى موقع Downdetector لتتبع الأعطال التقنية    «الداخلية» تواصل حملاتها لضبط الأسواق والتصدى لمحاولات التلاعب بأسعار الخبز الحر والمدعم    حريق مصعد عقار بطنطا وإصابة 6 أشخاص    «البريد» يكشف تفاصيل إصدار شهادة بسعر المشغولات الذهبية    منافس مصر.. الإمارات أغلى منتخبات بطولة كأس العرب 2025    وزارة العمل تقدم وظائف جديدة فى الضبعة بمرتبات تصل ل40 ألف جنيه مع إقامة كاملة بالوجبات    خشوع وسكينه....أبرز اذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    العمل الأهلي الفلسطيني: تصاعد تعذيب الأسرى في سجون الاحتلال بعد 7 أكتوبر    طليق بوسي تريند البشعة: لم أشارك في أي جلسات لإثبات براءتها    وسام أبو علي: نسعى للفوز على سوريا وسأبقى مع فلسطين حتى النهاية    صلاح مصدق يعود للمغرب بعد فسخ عقده مع الزمالك    الفيلم اللبناني Suspension بمهرجان القاهرة للفيلم القصير بعرضه العالمي الأول    محافظ كفر الشيخ: افتتاح مسجد عباد الرحمن ببيلا | صور    الأهلي يلتقي «جمعية الأصدقاء الإيفواري» في افتتاح بطولة إفريقيا لكرة السلة سيدات    لقاءات ثنائية مكثفة لكبار قادة القوات المسلحة على هامش معرض إيديكس    منال عوض تؤكد: وزراء البحر المتوسط يجددون التزامهم بحماية البيئة البحرية والساحلي    تحرير 32 محضر مخالفات تموينية بكفر الشيخ    العثور على جثة طفلة مجهولة الهوية بالترعة الإبراهيمية فى سمالوط بالمنيا    محافظ الجيزة: توريد 20 ماكينة غسيل كلوي ل5 مستشفيات بالمحافظة    قافلة طبية بقرية أبو عدوي في دمياط تقدم خدمات مجانية لأكثر من ألف مواطن    جهاد حسام الدين تنضم إلى مسلسل عباس الريّس في أول تعاون مع عمرو سعد    وكيل تعليم القاهرة تشارك بفعاليات لقاء قيادات التعليم ضمن مشروع "مدارس مرحبة ومتطورة"    تفاصيل القصة الكاملة لأزمة ميادة الحناوى وحقيقة لجوئها ل AI    طريقة عمل السردين بأكثر من طريقة بمذاق لا يقاوم    بعد إطلاق فيلم "أصلك مستقبلك".. مكتبة الإسكندرية: كل أثر هو جذر من شجرتنا الطيبة    مصر ترحب باتفاقات السلام بين الكونجو الديمقراطية ورواندا الموقعة بواشنطن    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 5 ديسمبر 2025    استشاري حساسية: المضادات الحيوية لا تعالج الفيروسات وتضر المناعة    إعلام إسرائيلي: انتحار ضابط في لواء جفعاتي بسبب مشكلات نفسية    طارق الشناوي: الهجوم على منى زكي في إعلان فيلم الست تجاوز الحدود    كيف تُحسب الزكاة على الشهادات المُودَعة بالبنك؟    30 دقيقة تأخير على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الجمعة 5 ديسمبر 2025    ننشر آداب وسنن يفضل الالتزام بها يوم الجمعة    الأزهر للفتوي: اللجوء إلى «البَشِعَة» لإثبات الاتهام أو نفيه.. جريمة دينية    الحصر العددي لانتخابات النواب في إطسا.. مصطفى البنا يتصدر يليه حسام خليل    الدفاعات الأوكرانية تتصدى لهجوم روسي بالمسيرات على العاصمة كييف    ميلان يودع كأس إيطاليا على يد لاتسيو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البَصْرة.. عندما تُسقط جدار خوفها! / رشيد الخيون
نشر في محيط يوم 07 - 05 - 2008


البَصْرة.. عندما تُسقط جدار خوفها!
رشيد الخيون
أنباء البَصْرةَ الأخيرة تسر أهلها، والمأخوذين بمنزلتها التاريخية، وموقعها الجغرافي، نهايات البحار والأنهار، وما يعني هذا من تلاقٍ حضاري. وإذا صدقت النوايا، ستبقى، مثلما طوت القرون، عصيةً على الأَخربة، وسيعاد بعد أن كادت تنقض "غَزَلها" سعفها يفرش ظلاله.
ويطرب المغنون جرفي شطها، من دون تهديد بقطع الحناجر. ولا تصادر فِرقها الشعبية، ذات الإرث الفني، بالمناحات. ولا يخفي الأُصلاء من أهلها أسماءهم خشيةً بطش وترحيل. ويسير أهل العلم والأطباء في مناكبها، لا يؤخذون بتهمة إنزال صورة، أو التأخر عن موكب حسيني. وبالجملة، من عادة الخوف حجب الفنون والطاقات.
تجد تلك الحالة مواءمتها بين ما يحدث للبَصْرة حاضراً بحوادث ماضيات، أطولها وأشرسها حركة زُنجها (255-270)، التي سجل الطبري (ت 310ه) يومياتها في تاريخه، ومسكويه (ت 421ه) في تجاربه، ثم ابن الأثير (ت 630ه) في كامله، وكانوا متقاربين الخبر والرأي. وأشك أن يكون الثلاثة من مؤرخي المنتصرين، لاعتبارات لا مجال للتبسط بها.
إلا أن للمعاصرين انتقاءً آخر، على أنها واحدة من أصالات تراث الجماهير الثوري! هكذا كتب حولها المؤرخ البصري القدير فيصل السامر(ت 1982) في "ثورة الزنج" (1954)، والأديب اللبناني أحمد علبي في "ثورة الزنج وقائدها..." (1961)، والكتابان ينتميان إلى زمن سادت به ثورات اليسار، حتى عمت الأرض. وليس ليَّ اعتراض على ما ذهبا إليه، لكن، ماذا كسب ثوار الأمس ومجاهدو وانتحاريو اليوم، من رفع للسلاح، سوى الشهادة من أجل فخامة القادة؟!
وهكذا اُختلف حول حوادث البَصْرة الأخيرة: رواية مفزوعٍ من أزلام يرتدون السواد، يقطعون الطرقات، ويمارسون البيات، وهذا ليس له سوى التضامن مع ردعهم، وإن كان بمداهمات عبر طائرات ودبابات. وآخر يراها ثورة عاطلين، وما أخطر تداخل العطالة بالجهل، فتعصبوا عصابات، والجار الجنب لا يعف من العون بآلات الموت، فعدوا ثواراً محررين.
لكن، مع كل ما يُقال عن حملة الحكومة ضد تلك المجاميع، وما قيل بالأمس ضد رماح الزُنج المشرعة، فجدار الخوف قد سقط! فأخذ البَصْريون كلا يمارس حقه في الصلاة، بلا وصاية مذهبية، وبدأت ساحات المدينة تُكسى بألوان ومشاهد تبعث الحياة، ليست على مقاس حزب أو منظمة، بعد رفع مصلى الجماعات من وسط المدينة، كإشارة أنها الآمر الناهي في مصائر الدين والدنيا.
ولعل البَصْرة، إذا حُرص على هدِّ خوفها، ستكون المكان الذي منه ترد الدولة هيبتها، عندما أمرت المتنفذين من إخلاء أملاكها، وحصر السلاح بيدها. فلا قيمة لدولة منهوبة مرعوبة.
بعد فشل صاحب الزنج، علي بن محمد (قُتل 270ه)، بآصرة علوية، بالبحرين والأحساء! أتى البَصْرة قائلا لزُنجها: "أظلتني سحابة فبرقت ورعدت، وأتصل صوت الرعد منها بمسمعي، فخُوطبت فيه، فقيل أقصد البَصْرة" (تاريخ الأمم والملوك)!
وكتب على رايته، ما كتبه الخوارج من قبل، وتنادوا به: "إن الله أشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة". فاجتمع تحت ظلها الزنوج، وهم لا مال لهم، على أمل تعويضهم عما يكسحون من السباخ.
ولم تتبدل لغة الكرامات والمنامات، فذاك ظلته سحابة وهؤلاء أسس الأئمة جيوشهم. عمَّت تلك اللغة البَصْرة، أيام الحروب والحصارات (1980-2003)، لكنها كانت مكبوتة، وعادة تكون أمضى في العقول، ثم ركبت مركب الديمقراطية!
والأملُ، أن يتعلم الجمهور المستلب بالصحوات والمنامات كيف يمارسها، ويختار وكلاءه في الدولة بلا فتاوٍ وخناجر.
لم تسمع حكومة سامراء، وكانت العاصمة، شكوى البَصْريين من عبث الثوار، حيث دار الخلافة بين خليفة مقتول وآخر مسمول، فتأخرت حملة ولي العهد الموفق بالله (ت 278ه) أكثر من سنتين، نُكبت فيها البَصْرة.
ولشدته عُرف اليوم الذي اشتهر كنايةً "بعد خراب البَصْرة" بالبيداء من الإبادة! ووصل أوار المعارك إلى الأهواز، وعمق أهوار الجنوب، وواسط. وبعد حروب ومواجهات شرسة، كُسر جدار الخوف، فقيل: تجد المرأة "الزنجي مستتراً بتلك الأدغال فترجه وتحمله إلى عسكر سعيد (ابن حاجب القائد العباسي) ما به عنها امتناع" (تجارب الأمم).
عموماً، لا يُلام الزنج لثورتهم، وقد شوت الشمس جلودهم من كسح الأسباخ من دون شبع بطونهم، مثلما لا يُلام الجوعى، والعاطلون عن العمل، اليوم، للانخراط في هذه الجماعة أو تلك بمئة دولار أو مئتين.
إنها دورات خراب، إذا تُركت الأزمات متراكمات بلا حلول، وأُتخذت البَصْرة دار تسابق على الخيرات! تتداخل الأزمنة، في الأمس كان الزنج والموفق بالله العباسي، واليوم جيش المهدي ونوري المالكي، وتأتيك البقية!
وبين زمن وآخر نظل مأخوذين بالظنون والأحداس، وعلى حد "معتبرة" الرصافي (ت 1945): "كم نشربُ الظنَّ فلا نرتوي.. ونأكل الحَدْس فلا نشبع"!
عن صحيفة الشرق الاوسط
7/5/2008


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.