«وعد بوش» على أجندة النكبة نواف الزرو حينما كتب الصحافي الإسرائيلي «بوعز غاون» في صحيفة معاريف: «لقد فقد الرئيس بوش عقله - صوابه - توازنه من اجل الدفاع عن إسرائيل، ربما يكون قد وضع أصبعه على صميم السياسة الأمريكية في عهد بوش تجاه إسرائيل والمنطقة، فقد ذهب بوش كما يقول غاون الى حد الادعاء بان العمليات التي تجري ضد أميركا هي من اجل إخراج إسرائيل من الضفة الغربية، بل انه أكد أيضا ان الوجود - اي الاحتلال - الإسرائيلي في الضفة ليس مبررا للإرهاب .
فالحقيقة الساطعة ان السياسة الأميركية البوشية في المنطقة وفي فلسطين على وجه الحصر كأنها سياسة إسرائيلية ، بل هي سياسة «مشورنة» كما وصفت في عهد شارون. وفي شأن السياسة الأميركية المشورنة نتوقف اليوم امام «وعد بوش لشارون» الذي صادف في 24 ابريل 2004 ذكراه الرابعة، التي نتوقف أمامها ايضا ونحن أمام الذكرى الستين للنكبة الفلسطينية واغتصاب فلسطين!
ففي إطار قمة ثنائية أيضا جمعت بوش وشارون آنذاك أعلن الرئيس بوش عن «وعده لشارون» المتمثل بسلسلة تعهدات لإسرائيل، وكأن «وعد بوش لشارون» ليس فقط يكرس ويعمق النكبة والمعاناة والظلم والطغيان التاريخي الذي لحق بالشعب العربي الفلسطيني، وإنما ينتج نكبة فلسطينية أخرى، ويلحق بالفلسطينيين المزيد من المعاناة والألم والعذاب.فبوش يطالب في وعده لشارون الفلسطينيين والعرب ليس فقط بالتخلي عن حق العودة الى فلسطين المغتصبة، وانما بالتخلي ايضا وعملياً عن حلم وحق إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة حتى على مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة.
ولذلك وعلى سبيل المقارنة ما بين «وعد بلفور» و(وعد بوش) ليس عبثا ان كان سفير إسرائيل في الولاياتالمتحدة داني أيالون قد أعلن يوم 2006/11/1 في ذكرى وعد بلفور آنذاك بمنتهى الوضوح: إن رسالة بوش في الرابع عشر من إبريل 2004 إلى شارون، والتي اعترف فيها بالكتل الاستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية، وعدم عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى إسرائيل، تشبه في أهميتها التاريخية وعد بلفور، علاوة على أنه في رسالة بوش تم ترسيم الحدود التمهيدية لإسرائيل.
ونحن بدورنا لا نبالغ بالتثبيت بداية وبالعنوان الكبير ونحن أمام ذكرى أربع سنوات على «وعد بوش» وأمام الذكرى الستين للنكبة ان زخم الهجوم الأميركي -الإسرائيلي المسعور في هذه الأيام على شطب حق العودة لملايين اللاجئين الفلسطينيين من كل الأجندات التفاوضية والسياسية الإقليمية والدولية يبلغ ذروة هستيرية لم يسبق لها مثيل في تاريخ الصراع على الإطلاق، وذلك عبر محاولات شطب حق العودة لملايين اللاجئين الفلسطينيين... فحق العودة هو جوهر الصراع والنكبة والقضية والحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني في فلسطين.
ولا نبالغ ان قلنا كذلك ان وعد بوش قد وضع ذاكرة وثقافة حق العودة لنحو خمسة ملايين لاجيء فلسطيني في مواجهة خطاب التسوية ومشاريع التصفية. وبالتالي من بلفور الى النكبة الى مدريد.. إلى أوسلو.. إلى وادي عربة.. إلى كامب ديفيد -2- .. إلى خريطة الطريق.. ثم إلى .. فك الارتباط... فالوعد البوشي المشؤوم وصولا إلى الذكرى الستين للنكبة واغتصاب فلسطين التي سيحل فيها بوش أيضا عند إسرائيل لمشاركتها احتفالاتها بذكرى الاستقلال المزعوم، ما يضيف ربما تعزيزا أو وعدا جديدا على وعده لشارون.
ونقول هنا في هذا السياق: تتصل وتتواصل كل الاتفاقيات والوعود كمحطات على أجندة النكبة الفلسطينية المستمرة لتكون كلها معا ما يمكن ان نطلق عليه «هولوكوست فلسطيني مفتوح»! لم يكن «وعد بلفور» ليرى النور ويطبق على ارض الواقع في فلسطين لو تحملت الأمة والدول والأنظمة العربية حينئذ مسؤولياتها القومية والتاريخية؟.
ولم تكن فلسطين لتضيع وتغتصب وتهوّد لو تصدى العرب للمشروع الصهيوني كما يجب، ولم تكن فلسطين لتتحول الى «وطن قومي لليهود» لو ارتقى العرب الى مستوى «الوعد والحدث»؟! وما بين بلفور وبوش نقول: لم يكن وعد بوش ليرى النور لو لملم العرب أنفسهم وارتقوا الى مستوى الحدث والأخطار الداهمة الآتية عليهم .
ولم يكن بلدوزر الإرهاب الاستيطاني الصهيوني ليواصل عمله وتقطيعه وتهويده للجسم الفلسطيني لو عمل العرب على تعطيله في الوقت المناسب واتخذوا مواقف حقيقية وجادة. لقد غدت فلسطين العربية تترنح عمليا ما بين الوعد البلفوري الممتد الى الرؤية والحلم ثم إلى الخريطة ثم إلى فك الارتباط والجدران العنصرية، ثم إلى الوعد البوشي التاريخي الذي لا يقل كارثية بالنسبة للشعب الفلسطيني والحقوق العربية في فلسطين عن ذلك الوعد البلفوري المشئوم.
وما بين الوعد البلفوري والرؤية والحلم والخريطة والوعد البوشي تجري عملية اغتيال الوطن الفلسطيني والحقوق الفلسطينية المشروعة الراسخة، ومقومات الاستقلال الفلسطيني. وما بين الوعد والضمانات الأميركية لإسرائيل من جهة، وبين التطمينات الأميركية التضليلية المخادعة للعرب تجري من جهة ثانية عملية تحييد الدور والفعل العربي الحقيقي، لتواصل إسرائيل استفرادها بالفلسطينيين وانتزاعها للقضية الفلسطينية من عمقها وتواصلها العربي.
وفي هذه الازدواجية الأميركية يأتي تصريح الرئيس الفلسطيني ابومازن ب «انه فشل في تحقيق اي تقدم في محادثات سلام الشرق الأوسط مع الرئيس جورج بوش»، وانه يعود الى وطنه مع القليل، وإضافته: بصراحة، لم يتحقق اي شيء لغاية الآن، وان العقبة الكبرى تتمثل في مواصلة إسرائيل توسيع المستوطنات اليهودية في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، معربا عن الخيبة من عدم قيام الولاياتالمتحدة بالضغط على إسرائيل، ليضع لنا الاستخلاص المكثف هنا من كل قصة المفاوضات والمؤتمرات والخرائط البازارية.
ولعل أهمية تصريح/اعتراف الرئيس الفلسطيني تأتي لتزامنها مع الذكرى الرابعة ل «وعد بوش لشارون» الذي يفسر لنا خلفية فشل لقاء الرئيس مع بوش، ولأنه يتزامن أيضا مع الذكرى الستين للنكبة واغتصاب فلسطين. فذلك الوعد البوشي لشارون يشرح لنا لماذا لم يكن الرئيس الأميركي جادا حتى الآن في تحقيق رؤيته للدولتين. عن صحيفة البيان الاماراتية 5/5/2008