سارع "بوش" عشية الانسحاب الإسرائيلي من غزة وأعاد ما سبق وأن طالب به محمود عباس مراراً وتكراراً بتجريد الجماعات الإرهابية "والمعني هنا المقاومة" من أسلحتها كشرط لتنفيذ خطة فك الارتباط بشكل جيد وضماناً لأن تتاح الفرصة للفلسطينيين لاظهار قدرتهم علي القيادة والحكم الذاتي للقطاع. دعوة مغرضة دعوة بوش هنا ليست خالصة لوجه الله وإنما هي دعوة مغرضة القصد من ورائها إلهاء الفلسطينيين بمشكلات الداخل وتحريك أطر الصدام بين السلطة الفلسطينية وفصائل المقاومة بهدف القضاء علي البنية التحتية لها وصرف الأنظار عن تحقيق أي انسحاب إسرائيلي لاحق من الضفة الغربية، وهو ما خططت له إسرائيل واتفق عليه "شارون" مع "بوش" خلال لقائهما في الرابع عشر من ابريل من العام الماضي مع الضمانات التي منحها الثاني للأول وبموجبها تم إسقاط قضايا الحل النهائي التي أرجئت علي أساس أن تحل عبر التفاوض وأعني بها القضايا الرئيسية الخاصة بالحدود والمستوطنات والقدس واللاجئين. تصفية القضية الفلسطينية! ضمانات بوش اعتبرت بمثابة وعد "بلفور" جديد لحكومة الليكود وهي بالفعل جاءت لجز عنق القضية الفلسطينية وتصفيتها بعد تهميشها كلية، الغريب أن يخرج "بوش" مؤخراً وعشية الانسحاب الإسرائيلي من غزة ليشيد بخطوة شارون بوصفها إيجابية ولا يخفي فلقد جاء حديثه ذلك بمثابة دعم معنوي لشارون أمام المستوطنين وإظهار أن الخطوة تستحق التقدير. رسالة كاذبة غير أن الرسالة التي حاول "بوش" أن يبعث بها إلي السلطة الفلسطينية عبر تصريحاته للتليفزيون الإسرائيلي مؤخراً كانت ممهورة بالكذب والتدليس، فهو يتحدث عن أن الانسحاب من غزة هو جزء من خريطة الطريق وأنه ركيزة لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وهو يعلم عن يقين بأن هذا الانسحاب إذا تم لن يتبعه انسحاب من الضفة وبالتالي لن يكون جزءاً من خريطة الطريق ولن يكون بالتبعية سبيلاً إلي إنشاء الدولة الفلسطينية. أين هي الخريطة؟ يبدو أن بوش نسي أو تناسي أنه نسف خريطة الطريق من أساسها وهو المقترح الأمريكي الذي طرح علي الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي في ديسمبر سنة ،2003 نعم نسف الخريطة بواسطة ضماناته المكتوبة التي منحها لشارون وتم بمقتضاها إسقاط حق العودة للاجئين الفلسطينيين وإسقاط مطالبة إسرائيل بالانسحاب إلي حدود 4 يونيو سنة ،67 وأعطي لإسرائيل من خلالها الحق في فرض سيادتها علي الكتل الاستيطانية الكبري في الضفة وهو ما يعني عدم الانسحاب منها وعدم إعادتها للفلسطينيين، بل إنه ووفقاً للضمانات الأمريكية فان المنطقة التي منحها بوش للاستيطان الإسرائيلي تشمل القدس الكبري، هذا فضلاً عن أنه وفقاً للضمانات تلتزم أمريكا بسلامة الدولة اليهودية وبقائها واستمرارها.. وكأن بوش بذلك قد أكد شرعية الدولة اليهودية إعمالاً لتطبيق الفكرة الصهيونية القائلة بأن حقوق اليهود المطلقة في فلسطين تحجب حقوق الفلسطينيين وعوضاً عن ذلك فان الضمانات تتضمن الموافقة علي جدار الفصل العنصري باعتباره جداراً أمنياً!! رهان علي الاستسلام.. أما التطورات فأكدت علي أرض الواقع تنفيذ إسرائيل الحرفي لكل هذه الوعود، ولعل الرسالة التي يمكن فهمها أن أمريكا لاتزال تراهن علي فرض الاستسلام المطلق علي العرب والهدف تمكين إسرائيل من ابتلاع الأرض والهيمنة علي المنطقة، وعليه فان الفلسطينيين اليوم لو جردوا فصائل المقاومة من أسلحتها وأوقفوا عسكرة الانتفاضة رغم استمرار إسرائيل في احتلال الأرض سيكونون هم الخاسرين وسيكون الحصاد حينئذ أبلغ رد علي كل من دعا الفلسطينيين إلي إعطاء المفاوضات الفرصة ووقف العمليات ضد الاحتلال والمستوطنات. رهان خاسر.. مازال محمود عباس يراهن علي إمكانية عقد مفاوضات مع إسرائيل كخيار ممكن وهو لن يحدث، ولكن حتي لو حدث وقبلته إسرائيل فهي لن تقبل أن يكون هذا التفاوض وسيلة لحل أية من القضايا الرئيسية سالفة الذكر التي تحدثنا عنها آنفاً وأعني بها اللاجئين والحدود والمستوطنات والقدس، إذ إن هذه قد حسمت وانتهي أمرها واغلق ملفها منذ الرابع عشر من ابريل من العام الماضي مع ضمانات بوش لشارون وأهم ما تخلص إليه أن يظل قيام الدولة الفلسطينية رهناً بنجاح السلطة الفلسطينية في القضاء علي فصائل المقاومة وتفكيك بنيتها التحتية حفاظاً علي أمن واستقرار إسرائيل وهو ما يعني عملياً تخلي إدارة "بوش" عن وعدها بإقامة الدولة الفلسطينية في العام الحالي كما سبق ووعد "بوش" أو حتي سنة 2009 وهو التاريخ الذي حدده بوش في نوفمبر الماضي في أعقاب فوزه بولاية ثانية في البيت الأبيض..!!