التّعريب والتّدويل والجحيم زهير قصيباتي حين يعترف وزير الخارجية السوري وليد المعلم بأنه والأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى لا ينتميان الى «مدرسة ديبلوماسية» واحدة، يكون الوجه الآخر لشكواه أن الأمين العام ليس من مدرسة الوزير الذي ترأس بلاده الدورة الحالية للقمة العربية. وإذا كان هذا الخلاف يظهر للمرة الأولى علناً، على هامش اجتماع «أصدقاء لبنان»، فالسجال غير المباشر في الكويت بين المعلم والوزير برنار كوشنير، يعزز رياح التشاؤم بآفاق أي حل للأزمة اللبنانية، ما دامت مديدة بمقدار التباعد بين «مدرسة» المعلم والديبلوماسية الفرنسية. على طريق الأزمة المديدة ما قد يُسمى صراعاً بين التدويل والتعريب - وهو ليس كذلك - وخلاف مصري - سعودي مع تفسير دمشق لكيفية تطبيق المبادرة العربية، والتشبث السوري بإصرار فريق 8 آذار في لبنان على «السلة المتكاملة»... فلا يأتي انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً إلا بعد حسم عقدتي حكومة الوحدة الوطنية وقانون الانتخاب الجديد. وبقية تداعيات الأزمة معروفة، باعتبارها لزوم ما يلزم لشد حبل الشلل وتمديده على أعناق اللبنانيين ومؤسساتهم الدستورية. وإذا كانت دمشق اخطأت برفضها حضور اجتماع الكويت ل «أصدقاء لبنان»، لتتفادى الإحراج والضغوط العربية والدولية، وامتحان وعودها بتسهيل حل الأزمة، واستجابة ما يطلبه اللبنانيون حماية لاستقرار بلدهم، فرسالة الاجتماع مزدوجة: شقها الأول ان التعريب (مبادرة الجامعة العربية) يتقاطع مع التدويل ويواكبه، وإلا ما معنى التذكير بدعم تنفيذ قرارات مجلس الأمن، خصوصاً القرارين 1559 و1701، فيما التذكير باتفاق الطائف لا يحتاج الى اجتهادات حول التمسك بشرعيته ضامناً لتوازن المعادلة السياسية للنظام اللبناني. أما ما دفع الوزير كوشنير عرّاب الاجتماع، الى شرح رؤية «مدرسته» لحقيقة ان تدويل أزمة لبنان بات أمراً واقعاً (منذ صدور القرار 1559)، فلعله يشجع المعترضين والمعارضين على الاقتناع بأن ما يسمونه «أمركة الحل» لم يعد يوهم احداً بشعار الممانعة وجدواه، أو يكفي لشطب انضمام دول كبرى بينها روسيا وأخرى عربية مؤثرة الى قرارات مجلس الأمن. لكن هذا الرهان على اقتناع المعارضين يبقى واهناً كالاطمئنان الى حبل الأمن في لبنان والذي يقلق اصدقاءه وأشقاءه، فكيف إذا أطلت «القاعدة» مجدداً للعب على وتائره، كما فعلت عشية الحرب الضروس التي شنها تنظيم «فتح الإسلام» لبدء مشروع «إماراته» على وقع رياح «العرقنة». ليس مبالغة في التشاؤم، أو تثبيطاً لهمّة الأمين العام لجامعة الدول العربية، الإقرار بأن حظوظ مبادرة الجامعة ما زالت قريبة من خط اليأس، كحال اللبنانيين الذين يدركون تعذر إمكان فرض المبادرة في ظل الانقسام المرير بين فريقي 14 آذار و8 آذار، وبين المسيحيين الذين لم يجد النائب السابق لرئيس الحكومة النائب ميشال المر أفضل من تعبير «جسر للشيعة» ليصف فريقاً منهم (تكتل العماد ميشال عون)... وفي ظل رائحة المذهبية التي ما أن تتبدد، حتى تتجدد التحذيرات من «الفتنة» وأذنابها ورؤوسها، كلما تنقلت الاحتكاكات بين الزواريب. لكل ذلك، يبقى بين أولويات «اصدقاء لبنان» الذين التقوا على تخوم الحريق العراقي، ألا تتمدد ناره الى البلد - الرهينة على مسرح صراع النفوذ الإقليمي الذي يحاصر التعريب من دون ان يحبط التدويل. وإذا صحت الترجيحات بتمديد عمر الأزمة اللبنانية الى ربيع العام 2009، فحريّ بقيادات الموالاة والمعارضة تحصين هدنة سياسية، لا تسقطها الاتهامات والشتائم، لئلا يسقط لبنان في فخ «القاعدة»، ومشروع تمديد «إماراتها». حين يجتهد ايمن الظواهري في تشخيص حال «المجاهدين في لبنان بين نارين»، لا يدع مجالاً للشك في تحريضهم على الموالاة والمعارضة، وفي حقيقة أن المشروع الذي يعدهم به ليس سوى الجحيم: نار طائفية تكمل تهجير المسيحيين (على الطريقة «العراقية») لأن «لبنان ثغر من ثغور المسلمين» ونار مذهبية لإحراق الهيكل على رؤوس الجميع قبل «الوصول الى فلسطين». هي تمنيات «القاعدة» بجحيمٍ، لا بد على طريقه من إسقاط القرار 1701 عبر «طرد» قوات الأممالمتحدة. إنه مشروع حرق لبنان... شمال فلسطين. عن صحيفة الحياة 24/4/2008