تدخّل العرب لحل الأزمة اللبنانية فالتقطوا العدوى وانقسموا! عادل مالك حتى مع استمرار الأوضاع المأزومة في لبنان تبقى الابتكارات السياسية متوافرة، مع أن معظمها يبقى في الشكل ولا يلامس المضمون، ومن ذلك المصطلحات التالية التي تختصر رموزها الأبجدية الحلول المقترحة والمتداولة لإخراج الوطن مما هو فيه وعليه مثلاً: - «أ.أ»: حل أميركي - إيراني. - «س.س»: حل سعودي - سوري. - «ل.ل»: حل لبناني - لبناني. ومنذ انطلاق المبادرة العربية المؤلفة من ثلاثة بنود ويدعو أولها إلى انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية «فورا»، والثاني إلى تأليف حكومة وحدة وطنية أما ثالث بنود المبادرة فينص على إقرار قانون جديد للانتخابات العامة. ودخل «الحل العربي» كغيره في متاهات وفي دروب وفي تعقيدات، وغرق مضمونه في العديد من التفسيرات والاجتهادات. وتعليقاً على ما جرى في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة يوم 27 كانون الثاني (يناير) الماضي وما تميز به من حوارات صاخبة ارتأى بعض الوزراء التعتيم على «صخبها» وما كشفته المناقشات والمداولات ما بين اتهام فريق عربي بالانحياز إلى تجمع 14 آذار ورد فريق آخر بالانحياز إلى تجمع 8 آذار كان التعليق على ذلك كما يلي: لقد دخل العرب على خط حل الأزمة اللبنانية، وبدل تأثير وزراء الخارجية في مسار الخروج من المأزق اللبناني وتعريب الحل، فإذا باللوثة اللبنانية تنتقل إلى العرب وتقسّم في ما بينهم بين أعراب الموالاة وأعراب المعارضة، أو بين «أعراب 14 آذار» و «أعراب 8 آذار»، لذا سقط الحل وهو ما زال حتى كتابة هذه السطور يدور في الحلقة المفرغة ويحتاج بدوره إلى حل لتقويمه. وعندما توصل وزراء الخارجية العرب إلى قرار لحل الأزمة اللبنانية تساءلنا: هل هو حل عربي لأزمة لبنان؟ أم هو «حل لبناني للعرب»؟ والشق الأول من السؤال يبدو واضحاً من حيث تقديم الطرح العربي لانتشال لبنان من أزمته الخطيرة والمعقدة، وأما الشق الآخر من السؤال حول «الحل اللبناني» للعرب فعنينا به ما إذا كان التفاهم على لبنان سوف ينعكس بالإيجاب على صعيد العلاقات العربية - العربية ولملمة التضامن العربي أو ما أمكن منه. وبذلك يتمكن لبنان من «توحيد العرب». والآن وبعد فشل اللبننة، وعدم نجاح التعريب يجري كلام عن التدويل وسط بلبلة كبيرة في صفوف اللبنانيين وغيرهم: ما معنى التدويل؟ وكيف سيكون التعبير عنه؟ مقابل آراء تؤكد أن لبنان دخل فعلاً التدويل منذ صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 وما أعقب ذلك من مجموعة القرارات الدولية المعلومة. والسؤال يتركز اليوم على «تدويل» انتخاب رئيس للجمهورية. والواضح حتى الآن سقوط كل الحلول وفق المعادلة التالية: الوفاق اللبناني - اللبناني ممنوع، والوفاق العربي - العربي صعب ومستحيل، والوفاق الإقليمي - الدولي غير ناضج بعد. وبانتظار أن يرسو المزاد على حل افضل يلاحظ أن ما سعت إليه المبادرة العربية بالإضافة إلى تزكية انتخاب العماد ميشال سليمان كرئيس وفاقي للجمهورية فهي تعمل بشكل من الأشكال على إعادة الاعتبار لمنصب رئيس الجمهورية والذي تم اقتطاع الكثير من صلاحياته في اتفاق الطائف في حقبة التسعينات عندما وضعت الحروب الأهلية أوزارها وساد الاعتقاد في حينه أنها ستكون آخر الحروب - ولكن؟ ولأن هذا الاتفاق لم يُنفذ كما يجب أو أن «سلطة الوصاية» فرضت صيغة معينة لتطبيق انتقائي لبعض مواده، ومع تفاهم الأطراف العربية على منح رئيس الجمهورية الأكثرية المرجحة في تركيبة مجلس الوزراء فهذه محاولة استرداد لمجد ضائع لرئيس الجمهورية الماروني. والسؤال هنا: هل يعمل العرب على تعديل اتفاق الطائف ولو تسريباً أو تسللاً؟ ولعل هذا التساؤل يكتمل إذا ما أضيف إليه إصرار المعارضة على تضمين التعديلات الدستورية الأفضليات والمميزات التي ستمنح للرئيس العتيد، وبذلك يتكرس هذا العرف ولا يكتفى بالأخذ به شفهياً من دون صياغة دستورية تؤكد له هذا الحق. وفي كل حال، وفي سياق المواقف الثنائية والمزدوجة التي يمارسها أكثر من طرف، يلاحظ بوضوح جنوح فريق إلى طرح المطالبة بتعديل الطائف سواءً بالتصريح أو التلميح، وعندما يعترض «الفريق الآخر» على ذلك يأتي الرد بالتمسك باتفاق الطائف حتى إشعار آخر إلى أن يتفق جميع اللبنانيين على تعديله. وفي استعراض لآخر المستجدات على الساحة اللبنانية لا يمكن تجاهل أحداث الأحد الفائت في منطقتي مار مخايل والشياح والتي أسفرت عن سقوط ثماني ضحايا وعشرات الجرحى في اختبار عنيف كاد أن يعصف بالوضع الأمني في لبنان ويأخذه إلى متاهات أخرى قد لا يتحملها الوطن في هذه الظروف الهشة والدقيقة. لكن مسارعة مجموعة من القيادات إلى تطويق ما حدث ساعدت على وضع حد لمشروع فتنة كان يمكن له أن يتنقل متجولاً في أرجاء العاصمة بيروت وسائر المناطق. وسجلت هنا أول إشارة ايجابية و»توددية» من جانب الرئيس فؤاد السنيورة الذي «ثمّن» مواقف زعماء «حزب الله» وحركة «أمل» ورد الرئيس نبيه بري «على التحية بأفضل منها»، فيما الجميع بانتظار صدور التحقيق بعد أن وعد قائد الجيش العماد ميشال سليمان المعنيين كافة بعدم التغطية على أحد. وعلى نشر مضمون هذا التقرير وما سيُكشف فيه «سوف تتقرر أمور كثيرة» كما تقول المعارضة اللبنانية التي اعتبر البعض منها أن إطلاق النار الذي جرى في تظاهرات الشياح ومار مخايل كان يستهدف في جملة ما يستهدف رئاسة العماد ميشال سليمان. وانهمك لبنان معظم أيام الأسبوع المنصرم بالعاصفة الثلجية التي غطت جباله ولامست حتى ساحله الأمر الذي شغل الناس بالحديث عن العاصفة وعن الأضرار التي خلفتها. وفي هذا التوقيت بالذات صدر تقرير «فينوغراد» حول إخفاقات إسرائيل في حرب تموز (يوليو) 2006. وفي حين أن التقرير تجنب توجيه تهم التقصير بشكل مباشر إلى رئيس الوزراء ايهود اولمرت لكنه كان شديد الوضوح في تحميل إسرائيل وجيشها كل أنواع الفشل، ومما ورد في تقرير «فينوغراد» المؤلف من 500 صفحة علنية وعلى تقرير سري يتضمن 60 وثيقة مؤلفة من 60 ألف صفحة: «أن الحرب على لبنان كانت بمثابة فرصة كبيرة لإسرائيل حتى تتخلص من «حزب الله»، ومع أن إسرائيل هي التي بادرت إلى هذه الحرب فإنها فشلت في تحقيق أهدافها كما فشلت في وقف إطلاق الصواريخ على الجبهة الداخلية وفشلت أيضاً في توفير الحماية لسكان الشمال الإسرائيلي مما اضطرهم إلى الهجرة إلى الجنوب». ومن وحي تقرير «فينوغراد» أصبحت الصورة واضحة: إسرائيل تقر وتعترف أنها فشلت وأخفقت في هذه الحرب وستعمل على أخذ العبر مما حدث... وفي الجانب اللبناني لا يزال الاختلاف قائماً على تسمية ما أسفرت عنه هذه الحرب. وهناك فريق ينكر على «حزب الله» أنه الحق هزيمة واضحة باسرائيل، فيما يطلق البعض على انجازات الحزب: «عدم الهزيمة» للاختباء خلف تعبير «الانتصار». وبعيداً عن التوصيفات والتسميات يجب التوقف عند إصرار ايهود اولمرت على البقاء في منصبه كرئيس للوزراء. وحول ذلك تتوافر معلومات تبعث على القلق وهي تتلخص بالتالي: رغم أن تقرير «فينوغراد» تجنب توجيه المسؤولية بشكل مباشر إلى اولمرت وحصرها بالجانب العسكري والسياسي فإن اولمرت باقٍ في مركزه ضمن معادلة الأحزاب الإسرائيلية التي لا تريد الانسحاب من الحكومة وذلك للإعداد لخوض حرب ثأرية ضد لبنان وإعادة الاعتبار للجيش الإسرائيلي بعد كل التهم التي وجهت إليه. وهو يعد الخطط مع رئيس الأركان الجديد غابي اشكنازي وانتظار توفر «الظروف الموضوعية لشن حرب على لبنان»، أو الاتجاه نحو إيران، وهو الذي يكرر في هذه الأيام أن الملف النووي الإيراني يشكل خطراً على الأمن القومي الإسرائيلي... مستعيداً ومستفيداً من تصريحات الرئيس محمود أحمدي نجاد والتي يطالب فيها بضرورة زوال إسرائيل عن الخريطة! وتؤكد معلومات أخرى من مصادر موثوقة أن هذا الأمر طرح بالتفصيل خلال الزيارة التي قام بها الرئيس جورج دبليو بوش إلى إسرائيل والمنطقة في مطلع الشهر الفائت. وفي المعلومات أيضاً أن أي تحرك إسرائيلي باتجاه إيران يجب أن يسبقه تنسيق كامل مع واشنطن. أما من حيث التوقيت المقترح لأي تصرف عسكري ضد إيران فهو مؤجل لبضعة شهور باعتبار أن الرئيس الأميركي عائد إلى المنطقة وإلى إسرائيل بالذات في شهر أيار (مايو) المقبل للمشاركة في احتفالات ذكرى مرور ستين عاماً على قيام إسرائيل. هذا من ناحية العرض العام من لبنان إلى إسرائيل لكن هناك المزيد من المواقف المترابطة وتتصف بأهمية خاصة ومميزة ومنها: * التقارب المصري - الإيراني. والذي شهد تطوراً بارزاً بزيارة وفود إيرانية رفيعة المستوى إلى القاهرة والاجتماعات التي عقدوها مع الرئيس حسني مبارك ومع مسؤولين آخرين. وقال مستشار مرشد الثورة السيد علي خامنئي بعد اجتماعه بمبارك أن اللقاء كان ودياً منوهاً الى أن بإمكان البلدين مصر وإيران التأثير المباشر على: لبنان والعراق وفلسطين. وهذا التحسن في العلاقات بين القاهرة وطهران والذي طال انتظاره يحتاجه كلا الطرفين في هذه الفترة المهمة التي تشهد أكبر عملية خلط أوراق في تاريخ المنطقة في الحقبة المعاصرة. * وفي مرحلة تلاقي الأضداد وفق الاملاءات المختلفة وتبادل المصالح، يحدث التباعد بين رفاق السلاح ونعني الخلاف المستحكم بين فلسطينيي «حماس» وفلسطينيي عباس، والحرب المعلنة حول السيطرة على المعابر وتحديداً أدوار الذين سيراقبون انتقال الفلسطينيين من غزة إلى رفح والعريش وعدم تكرار ما حدث في الأيام الماضية من إقدام عناصر «حماس» على إحداث اختراق في جدار معبر غزة - رفح وتدفق الفلسطينيين بالآلاف مما أربك قوات الأمن المصرية والتي تعرضت للقصف بالحجارة من الفلسطينيين عندما حاولت عناصرها تنظيم عودة أهالي غزة داخل المعبر. ويأبى الجانبان الفلسطينيان إلا نشر غسيل الخلافات في القاهرة حيث عبرّ خالد مشعل ووفد «حماس» عن المعارضة القاطعة لمشاركة سلطة محمود عباس في الإشراف على المعابر. وهناك المفارقات: محمود عباس يعقد اجتماعات دورية ومنتظمة مع ايهود اولمرت في إطار التفاوض حول المرحلة النهائية لقيام الدولة الفلسطينية، فيما القطيعة الكاملة هي السائدة بين رفاق السلاح وأبناء القضية الواحدة: «فتح» و «حماس». * وماذا عن القمة العربية المقررة في دمشق في شهر آذار (مارس المقبل)؟ الرئيس مبارك ربط بين عدم حل الأزمة اللبنانية وبين نجاح أو فشل القمة، فيما دمشق ترفض الربط بين القضيتين، وتعتبر أن القمة هي للعرب جميعاً وليست لسورية فقط. ويبدو أن تداعي بعض الأطراف إلى عقد قمة عربية طارئة في شرم الشيخ في منتصف شهر شباط (فبراير) الحالي يتضاءل لأنها ستُعتبر «قوطبة» واضحة على قمة دمشق الأمر الذي سيؤجج العلاقات العربية أكثر فأكثر إلا إذا تحولت القمة العربية بقدرة قادر إلى قمة المصارحة ثم المصالحة وغسل القلوب، هذا إذا قدر لنا أن... نحلم. عن صحيفة الحياة 3/2/2008