الموافقة الضمنية لعمرو موسى على تعليق في ثوب سؤال وجه إليه قبل مغادرته بيروت ، ان الازمة اللبنانية وصلت إلى باب مغلق ، وتعديله اللفظي : ولكن يمكن فتحه ،هي في اللغة الدبلوماسية نعي أخير للمبادرة العربية ، وبخاصة ان ذلك ترافق مع بدء بحث بعض الدول العربية امكانية نقل مؤتمر القمة العربي المنتظر (أواخر مارس القادم) ، من دمشق إلى مقر الجامعة في القاهرة . جولة الامين العام لجامعة الدول العربية ولقاءاته المتكررة بأقطاب الموالاة والمعارضة وبدلا (وبناء على ردود الفعل الأولية للجانبين على المبادرة) من تقريب وجهات النظر ، ساهمت في تعميق الشرخ بين الزعماء اللبنانيين ، بسبب من القراءات المتباينة من فريقي 8و14 مارس لبنودها ، وخصوصا إزاء توزيع مقاعد الحكومة ، الامر الذي أدى إلى التأجيل الرابع عشر لجلسة مجلس النواب في ظل افتقاد أية مؤشرات هذه المرة للتقارب . علي صعيد آخر، فان الانقسام السياسي المسيحي الماروني (المعني بتسلم سدة الرئاسة) يزداد اتساعا ، والذي تبدى في الهجوم اللاذع الذي شنه الوزير السابق زعيم تيار المردة ، سليمان فرنجية على البطريرك صفير متهما إياه بالتساوق مع الأجندة الفرنسية، وردود الفعل التي أحدثها التصريح . لا يغيب عن البال أيضا رؤية العماد ميشيل عون لمهام اكبر منصب ديني مسيحي في لبنان ، ووجوبية اقتصارها على المرجعية الدينية بعيدا عن أية تدخلات سياسية ، من المعروف عن الكاردنيال صفير ، ورغم رفضه لانتخاب رئيس على قاعدة (النصف + 1) ، اقترابه الشديد من المطالب الأخرى للموالاة ، سواء فيما يتعلق برعايته السابقة للقاء (قرنة شهوان) أو مطالبته الواضحة بنزع سلاح حزب الله (اسوة ببقية الأطراف اللبنانية وفقا لوجهة نظره بالطبع) . بمعنى آخر ، فان اختلاطا كبيرا للأوراق يجري حاليا في الساحة اللبنانية ، الامر الذي يؤدي فقط إلى المزيد من التعقيد والخطورة الحقيقية على وجود ومستقبل لبنان برمته ، وبخاصة وفقا لأنباء تنشرها الصحف اللبنانية ، لحملات تسليح مكثفة ، وانتشار معسكرات تدريب عسكري كثيرة ، لمختلف الاطراف اللبنانية ، بما يصعد من خطورة المشهد ، وبما يلقي ظلالا للحرب الاهلية اللبنانية السابقة ، والتداعيات التالية ، والتي سيكون اقلها خطرا هو تفتيت لبنان وتقسيمه إلى كيانات متعددة ، هذه المرة ! . لقد كان الرئيس بوش واضحا في خطابه في (الاباما) قبل ما يزيد على الشهر ، بدعوته إلى انتخاب رئيس على قاعدة (النصف + 1) ، وبتكريس اتهاماته لسوريا بالتدخل في لبنان ، الامر الذي ردده في تصريحاته في جولته العربية ، كما اكدت الادارة الاميركية وفي تصريحات العديد من مسؤوليها ، مباركة الولاياتالمتحدة لرئيس الحكومة اللبنانية الحالي ، وهو أحد نقاط الخلاف الرئيسية بين الموالاة والمعارضة روفق ذلك ، بتصريحات للرئيس الفرنسي ساركوزي في القاهرة ، وانقلاب فرنسا السياسي ، الحاد ، المتمثل في وقف الاتصالات السياسية مع دمشق بشأن الازمة اللبنانية بعد مسيرة ليست قصيرة من التنسيق بين الجانبين . بالفعل ، بعد تصريحات بوش وساركوزي ، فان زعماء لبنانيين بدأوا في ترديد نغمة انتخاب الرئيس على قاعدة (النصف + 1) ، وبعدما بدا احد زعماء الموالاة في تليين المواقف تجاه مطالب المعارضة ، عاد وانقلب على دعواته الطارئة ، واصبح اكثر تشددا من السابق ! جاء كل ذلك بعد اغتيال ، اللواء فرانسوا الحاج ، وهو الذي كان قد رشحه قائد الجيش العماد ميشيل سليمان ، ليخلفه في منصبه بعد انتخاب الآخير رئيساً للجمهورية، فمن المعروف عن اللواء الحاج وطنيته الصادقة ، وكرهه الشديد لاسرائيل . بالتالي ، يتضح بما لا يقبل مجالا للشك ، ان لبعض الاطراف اللبنانية اجندتها الخاصة المرتبطة اقليميا ودوليا مع مشاريع سياسية فحواها : تعطيل التوافق اللبناني ، واخراج لبنان من محيطه العربي ، وافشال الحل العربي له ، من اجل تدويل الأزمة اللبنانية ، بما يذكره بالمشهد العراقي في بعض تفاصيله . تدويل الازمة اللبنانية ليس في صالح لبنان الوطني ، الديموقراطي العربي ، بل هو محاولة واضحة لتفتيته وتقسيمه إلى كيانات ، لكن يخطئ اصحاب هذا النهج ، فحسابات الحقل هي غير حسابات البيدر ! * كاتب فلسطيني