البداية من السقف الإقليمي، حيث حرص الملك عبد الله بن عبد العزيز على «شدّ عزيمة الايرانيين» على المشاركة في المؤتمر الدولي حول العراق، خلال محادثاته مع الرئيس أحمدي نجاد، بعد ان نجح الأمير بندر بن سلطان «في فتح بعض الأبواب الغربية المغلقة لكي يدخل بعض الهواء وشيئاً من الضوء؟!». وفي المعلومات أيضاً أن الملف النووي وكيفية مقاربته بعيداً عن لغة المواجهة والتحدي، والوضع في العراق، والعلاقة مع دول الجوار، وخصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي، ووقف التدخل الإيراني في القضايا العربية العربية، كانت من أبرز الملفات الرئيسيّة التي سبق ان أشبعت درساً قبل انعقاد القمة، وأن الاخيرة ما كانت لتعقد إلا بعد التوصل الى «تقارب في وجهات النظر حول كيفية التعاطي معها، ومواجهة تحدياتها». ماذا عن الملف اللبناني؟. المتوافر أن هذا الملف قد عولج من زاويتين: تفاهم على منع الاقتتال المذهبي، وهو لا يمكن ان يتحقق إلاّ عن طريق إيجاد الحل السياسي لتهدئة الشارع وإخراجه من دائرة التأزيم والانفعال، ثم أن تسري معادلة لا غالب ولا مغلوب ليس فقط على أفرقاء الداخل، بل وأيضا على أفرقاء الخارج المؤثرين وإن بنسب مختلفة على ما يجري في الداخل، ويُفهم من هذا أنه من الصعب أن يكون حل وتكون سوريا المغلوبة فيه، او إيران أو أي طرف عربي أو إقليمي له حضوره المعنوي او السياسي على الساحة اللبنانية. وتحت هذا السقف تركت طهران للرياض ترتيب المخرج بما تراه مناسباً ومتوازناً ولا يستهدف طرفاً، او يهمش آخر بشكل يشعره أنه في خانة المهمش او المستهدف؟!. وماذا بعد؟. عند السعوديين جملة من الأفكار والمقترحات المتوازنة التي جرى الخوض ببعضها، فيما احتفظت بالبعض الآخر كبدائل، او «أوراق احتياط»، وإن السفير السعودي الدكتور عبد العزيز الخوجة، قد قام بدور متقدم تخطى مهمة نقل الرسائل، او الوسيط، الى دور المشرف والمنسّق لحوار غير مباشر، او حوار بالواسطة بين مختلف الأفرقاء الرئيسييّن. وحفاظا على «خط العودة»، وتجاوباً مع دقة المرحلة وحساسياتها المفرطة، فإن هذا الدور هو «كناية عن مثلث متساوي الأضلع»، ظاهره الحركة الدبلوماسيّة في لبنان، وخصوصاً مع أركان طاولة الحوار سابقاً، اما المضمر فباتجاهين الدولي الإقليمي، والعربي العربي، من دون الدخول في جزئيات التفاصيل التي لا تصبح مهمة إلاّ إذا أفضت الى الهدف المطلوب، وتجنيب لبنان الحرب الاهلية والمذهبية عن طريق تفعيل الحوار، وبالتالي إنتاج الحل من خلاله. أما التأكيد على «تفعيل الحوار، والتأكيد على إنتاج الحل من خلاله» فيرمي الى بعدين على الأطراف اللبنانيين ان يستوعبوا اهدافهما ولو لمرة أخيرة، الاول ان لا مبادرة سعوديّة، ولا سعوديّة إيرانيّة، او مصرية او اية جنسية اخرى بل هناك مساع فقط، ومساع لمساعدة اللبنانيين على التلاقي والتحاور، وتدوير بعض الزوايا الحادة، ومساعدتهم على تخطي الكثير من العقبات والعراقيل التي تحول دون تفاهمهم على برنامج عمل وعلى أفكار ومقترحات وسطية قابلة للبحث، وإنتاج التسوية او الحل إذا ما توافرت المناخات الحوارية المؤاتية. والبعد الثاني هو المساعدة على الحد من الضغوط الخارجية المعرقلة او التي تدفع بالبعض الى السباحة عكس التيار، ودائماً عملاً بالشعار الذي رفعه الامين العام عمرو موسى «الحلّ على قاعدة التوازن والتوازي، ولا غالب ولا مغلوب». وفي التفاصيل، أن هناك ورقة عمل، وهذه هي خلاصة افكار واقتراحات سبق لها أن طرحت على بساط البحث وراء الكواليس في بيروت على مدى الأسابيع والأشهر الطويلة من بداية الأزمة، كما أنها خلاصة الجهد الذي بذل طوال هذه الحقبة سواء من قبل الدبلوماسيّة السعودية او المصرية، او العربية ( الامين العام للجامعة عمرو موسى). أما المضمون فقد إطلع عليه رئيس تيار المستقبل، رئيس الغالبية النيابية سعد الحريري، ثم الرؤساء الثلاثة الذين شملتهم جولة السفير الخوجة خلال اليومين الماضيين قبل عودته على وجه السرعة الى المملكة، ولم يتم التمكن من الإطلاع على المضمون والمواضيع والأفكار والمقترحات خوفاً من حرق المراحل، وبالتالي حرق الحل، لكن المتوافر بالمقابل هو السيناريو المرسوم الذي هو كناية عن خيمة منصوبة على قوائم خمس متوازنة متكاملة متضامنة لتحقيق التوازن المطلوب والحل المتوازن. القائمة الاولى: أصبح لدى ألاقطاب، وفي موقع الجهوزية، أفكار ناضجة قابلة لإنتاج الحل عن طريق الحوار. الثانية: إن التفاهم الداخلي ممر إجباري، وعلى اللبنانيين ان يتحملوا مسؤولياتهم الوطنية، وأن يعوا بأن الحوار لا بدّ منه إذا كانت غايتهم وهدفهم ومرتجاهم الوصول الى حلّ، وأن لا حلّ معلباً سيأتيهم من الخارج، وأن أيّا من الخارج غير مستعد لتوفير الحل الذي ينشده او يرتاح اليه هذا الطرف او ذاك. الثالثة: إن الجهد السعودي العربي سوف يستمر لمعالجة العقبات وتذليل الصعوبات من طريق الحوار والتلاقي. الرابعة: الحرص على الاحتضان العربي لهذا الحل انطلاقا من القرار الذي وافق عليه مؤتمر وزراء الخارجية العرب في القاهرة قبل ايام، والذي ينطوي على بعدين مهمين: تحييد الساحة اللبنانية، من التجاذبات العربية العربية، ومن ثم إقناع بعض الجهات المؤثرة عدم استغلال هذه الساحة لتسديد فواتير خارجيّة إقليميّة ودولية من خلالها، او على حسابها، وأن تكون التسوية، او الحل، في حال تمّ تمريره حلاّ عربيّاً وليس نصراً ولا انتصاراً لهذ الدولة دون تلك؟!. الخامسة: السعي لدى الولاياتالمتحدة، والدول الكبرى المؤثرة على تحييد التسوية، إذا كان يتعذر عليها المساهمة في إنضاجها، وهذا الأمر ليس بالسهل على الإطلاق لأن حسابات هذه الدول مع كل من سوريا وإيران وربما دول اخرى في المنطقة تتجاوز ما بات يعرف بالوضع اللبناني الدقيق الى تلك الأكثر صعوبة التي ترسم من اجلها الاستراتيجات، وتستقدم حاملات الطائرات، وتنظم من اجلها المؤتمرات الإقليميّة والدولية. تبقى نافذة أخيرة: هل من طائف آخر للبنان تستضيفه السعوديّة؟ الجواب نعم إذا كان اللبنانيون على استعداد أن يستحقوه؟!.