"حماس" في غزة: اشتدّي أزمة تنفجري! رجب أبو سرية .. ارتفعت عقيرة حركة حماس في غزة، خلال الايام القليلة الماضية، تجاه موضوع الحصار، بشكل واضح، وصل الى حدود أن اكتسب صوتها نبرة متوترة وحادّة، لم تكن معهودة من قبل، خاصة تجاه أطراف أخرى غير فلسطينية، كما تخللت تصريحات قادتها تهديدات متعددة الاتجاهات، بشكل يشير الى أحد أمرين؛ إما أن حماس باتت فعلاً في ضائقة، مع استمرار الحصار المفروض على القطاع منذ اكثر من تسعة شهورٍ مضت، أو أنها تسعى في هذا الوقت بالذات الى التصعيد الداخلي، بهدف تحقيق مكاسب سياسية محددة، تجعل من سيطرتها على غزة أمراً واقعاً اقليمياً هذه المرة، وليس أمراً واقعاً فلسطينياً داخلياً فقط. فالحصار مفروض منذ اكثر من تسعة شهور، وربما كانت أيامه الأولى، بحكم التغيير في عادات الناس وسلوك حياتهم اصعب، خاصة مع وجود قطاعات، تسبب الاغلاق المفاجئ في تضررها مباشرة، كطلاب الجامعات في الخارج، والمقيمين في الخارج، ومن كانت لديهم عقود تجارية وما شابه، مما حتْم على السلطة في رام الله، تسيير عددٍ من القافلات عبر العوجا - ايرز، فيما كانت الانفاق مشروعاً مربحاً لبعض الجماعات المسيطرة ميدانياً. وصولاً الى الخامس والعشرين من كانون الثاني الماضي، حين أقدمت المجموعات المسلحة على اقتحام الحدود مع مصر، ليبدو بعد ذلك ان فصلاً جديداً من الحصار قد بدأ وأنه مسّ سلطة الامر الواقع هذه المرّة، وهذا قد يعتبر تفسيراً لما تبديه هذه السلطة الآن من حنقٍ على الحصار، يتعزز هذا التفسير من خلال الرسائل التي توجه، الى عناوين خارجية، وتحديداً الجانب المصري. وبالطبع فان عملية ناحال عوز، عمقت بالنتيجة من أزمة الوقود وضاعفت من حالة الحنق القائمة، خاصة بعد "انفراج" لاح في الأفق وعلى مستويين: سياسي بعد اعلان صنعاء، وميداني بعد ان أدخلت الى غزة، بفعل ثغرة الجدار يوم 25/1 الكثير من البضائع والمواد التموينية والغذائية من مصر. هذا الحل الذي تفضله حماس في غزة، أي القائم على اغلاق المعابر مع اسرائيل، وقطع الصلة معها، لصالح الارتباط والانفتاح مع مصر، لكن السؤال المرتبط بهذا الحل بالتحديد، يدور حول أي حلٍ تريده حماس، وحيث كان هناك وما زال حل اعادة تشغيل المعابر، ومنها معبر رفح، وفق التفاهمات السابقة، التي تمنح السيادة عليها في الجانب الفلسطيني لسلطة الرئاسة. حماس اذاً تسعى من خلال التصعيد في هذا الملف الى العمل وفق المثل الشعبي الذي يقول "اشتدي أزمة تنفرجي"، وعلى أساس ان يفتح المعبر بينها وبين مصر، وفق صيغة ميدانية مفتوحة، او على الأقل، وفق تفاهم او اتفاق بينهما، اي بين الحكومة المصرية، وبين حماس، دون وجود أية أطراف أخرى، بما في ذلك الرئاسة الفلسطينية، هذا الامر يحمّل الجانب المصري ما هو فوق طاقته السياسية لانه يطالبها بان تكون على شاكلة تركيا في علاقتها مع جمهورية قبرص التركية شمال جزيرة قبرص. وهذا في الواقع يتجاهل كون مصر دولة لها علاقات والتزامات اقليمية ودولية، ومن ضمن هذه العلاقات علاقتها بالسلطة الفلسطينية نفسها، وانه لا يمكن لمصر ان تتجاوز كل الاعراف، بما في ذلك الموقف العربي، الذي يتعامل مع الفلسطينيين من خلال العنوان الرسمي. وتلجأ حماس بالتوافق مع هذه المحاولة، الى عكس علاقة النتيجة بالسبب في المثل الشعبي، ليصير - اشتدي أزمة تنفجري- من خلال التهديد بانفجار الوضع الداخلي في القطاع، وهو أمر ممكن، ما دامت حالة الضغط قائمة ومتزايدة يوماً بعد يوم، لكن مع التلويح بتفجير الأوضاع الاقليمية. هذا يعني بوضوح تلويحاً بالتدخل في شؤون مصر الداخلية، من خلال مطالبة الجماهير العربية بالتحرك لنصرة المحاصرين في غزة، والذين لم يعد - وفق خطاب حماس نفسه- الجانب الاسرائيلي هو المسؤول عن حصارها، بل يشارك في ذلك الحصار النظام العربي، وحتى الاسلامي، وفي مقدمة هذا النظام، مصر بالطبع. هكذا يمكن القول بان مشكلة غزة، قد تحولت مع الوقت الى كرة من نار، متدحرجة وملتهبة، وحتى لو كانت مشكلتها المتمثلة بالانفصال، تعتبر داخلية فلسطينية، الاّ ان حلّها، بعد مرور كل هذه الشهور على بقائها واستمرارها، بل وتفاقمها، لم تعد كذلك، بل ان حلّها صار على ما يبدو منوطاً بجهود اقليمية. واذا كانت اسرائيل دائماً تعتبر طرفاً في المشكلة، فان أطرافاً اقليمية صارت - مضطرة- بحكم الواقع على الأقل، أطرافاً في الحل، والحل ممكن وقائم، ويقوم على أساس سهل واكثر منطقية، وهو انه بدل التفكير بتطويع النظام الاقليمي، وربما العالمي ليتوافق مع "نظام حماس في غزة"، فان الأسهل هو ان يتوافق هذا النظام مع جيرانه ومع مجمل النظام الاقليمي، حيث يمكن التوافق حول الحل لادارة المعابر، بدل المطالبة بقلب الطاولة، او جرّ المنطقة بأسرها الى الفوضى والتوتر، ومصر والسلطة والاتحاد الاوروبي جاهزون لذلك، وموافقة حماس على تفاهمات المعابر، يمكنه ان تجبر الاسرائيليين على العودة للعمل بها، وتنتهي بذلك المشكلة. عن صحيفة الايام الفلسطينية 15/4/2008