عن الأزمة بين مصر و"حماس" رجب ابو سرية في الحقيقة فان طبيعة وشكل العلاقات السياسية بين الدول والاحزاب أو الحركات السياسية من الدول الأخرى، غير محكومة لا بعلاقات نديّة، ولا بأعراف بروتوكولية محددة، لذلك فانه لا يمكن الحديث عن علاقة حركة "حماس" بمصر، ضمن الاطار الرسمي، بمعزل عن علاقة مصر بالسلطة الوطنية، التي تمثل فلسطين رسمياً، وهذا ما يزيد في تعقيد المسألة، بالذات، حين ينسى قادة حماس هذا الامر. وتتضاعف مسؤولية ضبط هذه العلاقة من قبل الحكومة المصرية، بعد ان خرجت حركة حماس بقطاع غزة عن طوع السلطة الفلسطينية لذا فان اية علاقات من قبل مصر، مع هذه الحركة، لا يمكن ان تندرج تحت اطار التعامل معها كونها "سلطة متمردة"، تدير اقليمياً من فلسطين، خارج اطار سيطرة السلطة المركزية، ولعل هذا هو ما يفسر حرص القاهرة على ان تبقى العلاقة مع حماس كحركة سياسية، وليس مع "عنوانها" الرسمي - الحكومة المقالة في غزة. وهذا على الأقل ما تؤكده القاهرة، حين تبادر بالدعوة الى اجراء او رعاية الحوار بين فتح وحماس، وليس بين حكومتي رام اللهوغزة، على اعتبار ان امر الشرعية محسوم عندها ولا لبس فيه، على ان ما يزيد الأمر تعقيداً شعور القاهرة بما هو أعمق من التضامن والتعاضد مع اشقائها من المواطنين الفلسطينيين، وهذا ما دفعها الى عدم "التحسس" كثيراً من حادثة اقتحام الحدود، رغم كل ما فيها من مس بأسباب السيادة، وما تبعها من اجراءات اقتصادية وحتى أمنية خارج حدود السيطرة، وهذا ما ظهر من خلال رد فعل القاهرة الرسمي، خلال اليوم الاول، وربما خلال أيام تلت حادثة التجاوز او الاجتياز الحدودي من غزة الى مصر. التوتر في العلاقة، والحنق المصري على حماس، الرسمي والاعلامي الذي جاء بعد ذلك، مبعثه في تقديرنا أمران وربما اكثر: الامر الاول- له علاقة بما يشاع حول مساس أمني، ان كان من خلال دخول عناصر او خلايا مسلّحة للأراضي المصرية، بدافع الاعتقاد بوجود "فراغ" أمني او عسكري في شبه الجزيرة المصرية، يمكن ان يجعل منها "ملاذاً" أو حقلاً لتنامي وتواجد المجموعات العسكرية، ليس الفلسطينية وحسب، بل والاقليمية أيضاً. أما الأمر الثاني - فهوسياسي داخلي- حيث ظهرت اشارات الى أن ما يحدث في غزة، ومن خلال فتح الحدود بالطريقة التي جرت فيها، لا يخفف عن غزة او ينقذ سكانها من نتائج الحصار، بقدر ما سيؤثر على المعادلة السياسية الداخلية في مصر، حيث تحول الحصار ومن ثم "فتح المعبر" الى مناسبة او فرصة لأخوان مصر، لتحقيق "مكاسب" أو الاعلان عن الحضور الداخلي، وهذا ما يفسر ان رد الفعل الرسمي، لم يكن ناجماً لا عن "وشايات" او عن "تحريض" اعلامي، وحتماً فان أنظمة سياسية ناضجة لا تحدد سياساتها لا على أساس الاستجابة لوشاية، ولا استجابة لتحريض اعلامي، بل جاءت من واحدة من أهم الدوائر المركزية الرسمية للنظام، ونقصد مجلس الشورى. والمشكلة في الحقيقة، ورغم ان بعض الخطوات السياسية، هنا او هناك، ربما تكون محسوبة او محكومة باعتبارات أمنية، لكن ما يحدد الاستراتيجيات السياسية، يبقى شيئاً آخر، المشكلة تبقى عند حماس، وليس عند أي طرف آخر، ذلك انها لا تدرك حتى اللحظة، انها بتمردها في غزة، قد خرجت من "إطار" النظام الفلسطيني الرسمي، وانه لا يمكنها ان تدخل النظام الاقليمي / العربي عنوة وفق شروطها هي، دون ان تتوافق مع استراتيجياته العامة، على الأقل، والدليل على ذلك، هو ان توتراً في العلاقات أيضاً مع الاردن جاء بعد أيام قليلة. على خلفية المعونات الانسانية، وبذلك فان حماس حتى تبقى على فرصتها في الدخول لدوائر النظام - الفلسطيني/ العربي/ الدولي - قائمة، لا بد لها ان تعيد التفكير في استراتيجيتها السياسية، خاصة وان فلسطين (الضفة الغربية/ القدس/ غزة)، محاطة فقط باسرائيل من جهة، وبكل من الاردن ومصر من الجهة الثانية، وتحديداً هاتان الدولتان: مصر والاردن هما الدولتان العربيتان اللتان وقعتا على معاهدتي سلام مع اسرائيل، وملتزمتان ببنودهما واهدافهما، فمن قبيل المحاولات السياسية البائسة، اذاً عزل هذا المحدّد عن سياسة الدولتين، والاعتقاد انه يمكنها في النهاية رعاية حركة او تمرد خارج عن الشرعية وعن الاطار العام للنظام الاقليمي، والاخطر هو ان تضع الحركة ظهرها للحائط تماماً، حين تكون اسرائيل في ظهرها، وتفكر في خيار فرض شروطها على الجارتين العربيتين، عبر التهديد بقلب طاولتيهما الداخليتين، مستعينة بحلفائها السياسيين في المعارضة على جانبي الحدود. عن صحيفة الايام الفلسطينية 12/2/2008