لا للقدس عاصمة لإسرائيل محمود كريم أعلن( جون ماكين) المرشح الجمهوري في الانتخابات الامريكية المقبلة في أثناء زيارته للقدس مؤخرا تأييده الاعتراف بالمدينة عاصمة لإسرائيل وهو موقف في غاية الخطورة يمس القدس التي هي بالنسبة لمسلمي العالم(1,3 مليار) أولي القبلتين وثالث الحرمين, فالمدينة يوجد بها الكثير من المقدسات الاسلامية الاخري(مسجد قبة الصخرة, مراقد الصحابة, وباحة المسجد الاقصي, مسجد عمر بن الخطاب, وحائط البراق) وغيرها من الأماكن المقدسة, كذلك فإن القدس مقدسة بالنسبة للمسيحيين, حيث يوجد فيها( كنيسة القيامة, والقبر المقدس, وكنيسة الجثمانية, وكثير من الاديرة والكنائس المقدسة). وعند بدء الحملة الانتخابية الامريكية كل أربع سنوات نشاهد مباراة في المزايدة من المرشحين لنيل اصوات الناخبين اليهود الامريكيين وعددهم يصل الي نحو3% من سكان الولاياتالمتحدة, لكن نفوذهم أكبر بكثير مما تدل عليه نسبتهم أو عددهم لأسباب مختلفة, منها امكانياتهم المالية الكبيرة في تمويل الاحزاب والسيطرة علي معظم وسائل الاعلام, والضغوط التي تمليها امكاناتهم المادية وتنظيمهم في المنتدي اليهودي الامريكي للعلاقات العامة وغيرها من الاسباب. نناقش معا آثار هذا التصريح الخطير ونتائجه وكيفية العمل علي احباطه, لإبقاء القدس لجميع الديانات بمافيها اليهود دون التنكيل بالمسلمين والمسيحيين الذي يحدث حاليا. وعلي غير الشائع فإن أملاك المسيحيين وكذلك حريتهم في العبادة تنتهك أسوة بالمسلمين سواء بسواء, وإن شئت فاستمع الي تصريحات الاب( عطا الله حنا) راعي الكنيسة اللاتينية المسيحية عن هذا الاضطهاد والتضييق علي المسيحيين في الممارسات الدينية ومصادرة أراضيهم. لم يعد هناك في مجال العلاقات الامريكية الاسرائيلية سوي القدس بحيث تتم المزايدة عليها, فإن العلاقات السياسية قوية والتي بموجبها قامت الولاياتالمتحدة باستخدام حق النقض( الفيتو) في مجلس الامن(40 مرة) لإجهاض أي قرارات تمس اسرائيل أو مصالحها في الوكالات المتخصصة ويكفي سلوكها في التصويت علي قبول اسرائيل عضوا بالاممالمتحدة ومن قبله قرار التقسيم رقم181 الصادر عام1947, بالاضافة الي ان التعاون العسكري والاستراتيجي بين البلدين لا حاجة للتذكير به أو ابرازه, فلقد قدم الرئيس جورج بوش الي( ارييل شارون) رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق في اثناء زيارته الي الولاياتالمتحدة في ابريل2004 في خطابه التاريخي تعهدا بأن الولاياتالمتحدة تؤيد الاخذ بالاعتبار الوقائع علي الارض عند التفاوض علي ازالة المستوطنات( بما فهمته اسرائيل علي انه موافقة علي بقاء المستوطنات الكبيرة), كذلك الاخذ بعين الاعتبار ان عودة اللاجئين لم تعد عملية( وهو ما فسرته اسرائيل علي انه موافقة علي عدم عودة اللاجئين منذ عام1948) والذين يصل عددهم حاليا إلي نحو(5.5 مليون انسان) عاشوا60 عاما وذريتهم في دول اللجوء دون أبسط المستويات الانسانية للحياة, ولم يكتف الرئيس جورج بوش بذلك فقد طلب من مجلسي الكونجرس اقراره وهو وما تم فعلا بأغلبية ساحقة. إذن لم يبق من عناصر التسوية سوي القدس, وحتي القدس فقد أصدر الكونجرس قرارا فعلا بنقل السفارة الامريكية من تل أبيب للقدس, وهذا القرار بمثابة سيف مسلط علي رقاب المسلمين والمسيحيين في العالم, والذي يقوم الرئيس بوش كل6 أشهر بتأجيل تنفيذه لما يعلمه من ردود فعل ستضر بالمصالح الامريكية أيا كان مستوي الرد عليها, ويتمثل الوضع الراهن قانونيا في أن القدس أرض تم احتلالها عام1967, ودخلها موشي ديان في7 يونيو من العام نفسه فيما تعتبر اسرائيل هذا اليوم هو يوم توحيد القدس, وكثير من دول العالم تعتبر القدس أرضا محتلة ليومنا هذا, وأصدر مجلس الأمن عديدا من القرارات التي تلغي ضم القدس وممارسة السيادة الاسرائيلية عليها وسريان القوانين الاسرائيلية عليها وليس هناك أي اعتراف أو موافقة من السلطة الفلسطينية أو منظمة التحرير أو غيرهما بالموافقة علي تغيير الوضع القانوني للمدينة المحتلة. ولا يوجد في القدس حاليا أي سفارة لأي بلد في العالم, فكل السفارات التي يبلغ عددها نحو82 سفارة توجد مقارها في تل أبيب, وكانت هناك دولتان صغيرتان في أمريكا اللاتينية هما( السلفادور وكوستاريكا) قد نقلتا سفارتيهما لعدة سنوات الي القدس, وحينها قطعت الدول العربية- ومنها مصر علاقاتها بالسلفادور ولم يكن لنا تمثيل مقيم في كوستاريكا, لكن الدولتين أعادتا سفارتيهما الي تل أبيب في ضربة موجعة لإسرائيل بعد أن أطلقت السلفادور اسم الرئيس الراحل ياسر عرفات علي أحد شوارعها, ولأسباب أخري عديدة في هذا السياق ندعو للمطالبة بإعادة القنصلية المصرية الي القدس لان وجود قنصلية تشرف علي العلاقات المصرية الفلسطينية يعد درجة أقوي من الناحية القانونية الدولية من مكتبي التمثيل في رام الله وفي غزه( المغلق حاليا) اللذين يمكن بقاؤهما لأهمية العلاقات المصرية الفلسطينية. ويقطن القدس حاليا نحو400 الف مواطن فلسطيني تعتبرهم اسرائيل ان لهم حق الاقامة الدائمة وتقدم لهم الخدمات( الصحية- التعليمية الاجتماعية) في أدني صورها نظير تمتعهم بالهوية الزرقاء والتي تتيح لعدد منهم التجنس بالجنسية الاسرائيلية, وهم مواطنون فلسطينيون يصوتون في الانتخابات الفلسطينية, لكن نظرا لان قوائم الانتخابات تقدم للسلطات الاسرائيلية التي تقوم بحرمان من يتقدم منهم للتصويت في الانتخابات الفلسطينية في مراكز البريد الخمسة التي هي عبارة عن مراكز اقتراع بدلا من أن تفرز اوراق الانتخابات في الضفة الغربية كما كانت تطالب اسرائيل فإن قليلا منهم من يمارس هذا الحق. هناك تبعات وخيمة علي القضية الفلسطينية فيما اذا نفذت الولاياتالمتحدة تهديداتها بنقل العاصمة, ومن هذه التبعات ان التفاوض حول القدس سيفتقر الي السند السياسي لدعم اكبر قوة في العالم للتغير الواقعي للاوضاع, لكنه لن يؤثر في النواحي القانونية لقرارات الشرعية الدولية( الاممالمتحدة: في قرارات مجلس الامن- الجمعية العامة- الوكالات المتخصصة- وأيضا المحكمة الدولية). اذ سيتبع نقل الولاياتالمتحدةالامريكية سفارتها نقل عديد من السفارات للدول التي تتحالف معها ويصبح من الصعب ارجاع هذه الدول لسفاراتها. ومن ثم يجب أن تتحرك الدول العربية والاسلامية والمسيحية التي تشعر بالاضرار الجسيمة سياسيا ودينيا واقتصاديا لنقل السفارة الامريكية للقدس, وهذه الوقفة يجب ان تشعر الولاياتالمتحدة بالضرر الذي سيلحق بها اذا هي أقدمت علي هذه الخطوة, حيث إن موقف جميع الدول في العالم حتي اليوم موقف متحد ومتماسك وصلب, فهل نحن واعون لهذه الخطورة ومستعدون لمجابهتها اليوم وقبل ان تحدث؟! عن صحيفة الاهرام المصرية 5/4/2008