رئيس شعبة مواد البناء: لولا تدخل الحكومة لارتفع سعر طن الأسمنت إلى 5000 جنيه    جيش الاحتلال يعلن مقتل رقيب وإصابة اثنين آخرين في عملية عربات جدعون    منتخب فلسطين يوجه ضربة قاصمة إلى الأهلي بشأن مشاركة وسام أبو علي بمونديال الأندية    وسام البحيري يعلن مفاجأة ببرنامجه "من تراثنا الإذاعي" بإذاعة القرآن الكريم    سلطات الاحتلال تطلق سراح 10 معتقلين من قطاع غزة    محافظ القليوبية يبحث مع مساعد وزيرة البيئة تطوير منظومة إدارة المخلفات    جدول ترتيب الدوري الإنجليزي بعد خسارة ليفربول أمام برايتون    ترتيب هدافي سباق الحذاء الذهبي الأوروبي 2025 بعد خسارة ليفربول.. مركز محمد صلاح    منافس الزمالك في ربع نهائي كأس الكؤوس الأفريقية لليد    «ليست النسخة النهائية».. أول تعليق من «الأعلى للإعلام» على إعلان الأهلي (فيديو)    نفوق 5 آلاف كتكوت في حريق داخل مزرعة دواجن بالفيوم (تفاصيل)    إغلاق 7 منشآت طبية مخالفة و7 محال تجارية فى حملة بقنا    أحمد كمال صاحب دور المجنون ب إعلان اتصالات: مكناش نقصد نزعل الزملكاوية والأهلي عشق (فيديو)    حزب الجبهة الوطنية يعلن تشكيل الأمانة المركزية للطاقة والتعدين    وفد قبطي من الكنيسة الأرثوذكسية يلتقي بابا الڤاتيكان الجديد    4 أبراج «زي الصخر».. أقوياء لا ينكسرون ويتصرفون بحكمة في المواقف العصيبة    الاحتلال الإسرائيلي يقتحم بلدة فرعون جنوب طولكرم ويعتقل شابًا فلسطينيًا    الرئاسة الفلسطينية ترحب بالبيان الصادر عن قادة بريطانيا وفرنسا وكندا    استشهاد 10 فلسطينيين بينهم أم وأطفالها الستة في قصف للاحتلال على قطاع غزة    ترامب يوقع مشروع قانون يجعل نشر الصور الإباحية الانتقامية جريمة اتحادية    سلطات فرنسا تعلن مصرع مهاجر وإنقاذ أكثر من 60 آخرين فى بحر المانش    سامي شاهين أمينا للحماية الاجتماعية بالجبهة الوطنية - (تفاصيل)    جامعة حلوان تنظم ندوة التداخل البيني لمواجهة تحديات الحياة الأسرية    عيار 21 الآن يواصل الارتفاع.. سعر الذهب اليوم الثلاثاء 20 مايو بالصاغة (تفاصيل)    وزير الاستثمار يتوجه للعاصمة الألمانية برلين لتعزيز العلاقات الاقتصادية المشتركة بين البلدين    هشام زكريا: الأهلي الأفضل في أفريقيا.. وتدريب الزمالك شرف كبير    «أكبر من 300 مليون بكتير».. سيف زاهر يكشف وصول عرض تاريخي لنجم الأهلي    رئيس نادي المنصورة: ما يحدث في الكرة المصرية «كارثة».. ونطالب بإعادة الأمور إلى نصابها    أحمد دياب: خصم 6 نقاط من رصيد الأهلي وتخفيف العقوبة ل 3 فقط قراران صحيحان مليون%    توريد 178 ألف طن من القمح المحلي في كفر الشيخ    هل يوجد في مصر فقاعة عقارية؟.. أحمد صبور يُجيب    رسميًا بعد الانخفاض.. سعر الدولار مقابل الجنيه اليوم الثلاثاء 20 مايو 2025    «شغلوا الكشافات».. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم الثلاثاء (تفاصيل)    قوات حرس الحدود تكثف أنشطتها على كافة الإتجاهات الاستراتيجية للدولة    بلاغ بسرقة "كنز" نوال الدجوي.. من سيحسم قضية الساعة؟    عمرو أديب تعليقًا على واقعة سرقة نوال الدجوي: لا حديث في مصر إلا عن الأموال الكثيرة    بعد نجل محمد رمضان.. مشاجرات أبناء الذوات عرض مستمر في نيو جيزة| فيديو    شعبة المواد الغذائية تكشف 4 أسباب لعدم انخفاض أسعار اللحوم مقارنة بالسلع التموينية (خاص)    عليك إعادة تقييم أسلوبك.. برج الجدي اليوم 20 مايو    تامر أمين ينتقد وزير الثقافة لإغلاق 120 وحدة ثقافية: «ده إحنا في عرض مكتبة متر وكتاب»    "يا بختك يا أبو زهرة".. الصحفي محمد العزبي يكشف تفاصيل وقف معاشه بعد بلوغه ال90 عاما    حدث بالفن | حقيقة إصابة عبدالرحمن أبو زهرة ب "الزهايمر" وموعد حفل زفاف مسلم    موعد نقل القناع الذهبي لتوت عنخ آمون إلى المتحف المصري الكبير    أستاذ علاقات دولية: الاتفاق بين الهند وباكستان محفوف بالمخاطر    ما مصير إعلان اتصالات بعد شكوى الزمالك؟.. رئيس المجلس الأعلى للإعلام يوضح    قدميها لأبنائك قبل وخلال الامتحانات، أطعمة تعزز الطاقة والنشاط للطلاب    سرعة الانتهاء من الأعمال.. محافظ القليوبية يتفقد أعمال تطوير مستشفى النيل    وزيرة التنمية المحلية: تطوير الهياكل التنظيمية والوظيفية بدواوين المحافظات أولوية قصوى    هل يجوز للمرأة أداء فريضة الحج عن زوجها أو شقيقها؟.. أمينة الفتوى: هناك شروط    «للرجال 5 أطعمة تحميك من سرطان البروستاتا».. تعرف عليهم واحرص على تناولهم    ما حكم تأخير الصلاة عن وقتها؟.. أمين الفتوى يجيب    خالد الجندي: الحجاب لم يُفرض إلا لحماية المرأة وتكريمها    مزارع الدواجن آمنة إعلامى الوزراء: لم نرصد أى متحورات أو فيروسات    ما حكم صيام يوم عرفة للحاج وغير الحاج؟    رئيس جامعة دمياط يفتتح المعرض البيئي بكلية العلوم    موعد امتحانات الشهادة الإعدادية بالمنيا 2025.. جدول رسمي    وزارة الصحة تدعم مستشفى إدكو المركزي بمنظار للجهاز الهضمي    هل يجوز أداء المرأة الحج بمال موهوب؟.. عضوة الأزهر للفتوى توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زيارة استطلاعية للبنان السياسي! / مصطفى الفقي
نشر في محيط يوم 25 - 03 - 2008


زيارة استطلاعية للبنان السياسي!
مصطفى الفقي
قذفت بنا الأقدار إلى الساحة اللبنانية ضمن وفد للبرلمان العربي الانتقالي الذي أشغل منصب نائب رئيسه، وكان هدف زيارتنا استطلاع مواقف فرقاء العملية السياسية الراهنة في لبنان وحتى نضيف جهداً متواضعاً إلى الجهود البناءة المبذولة من أجل إتمام عملية انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، وهو الأمر الذي كنا نأمل أن نستبق به انعقاد قمة دمشق العربية، ولكن ليس كل ما يطلبه المرء يدركه!
ومنذ هبطت بنا الطائرة في مطار بيروت وخاطر يلح علي لا يبرح ذهني أبداً وفحواه أن ذلك البلد الرائع الجميل لا يستحق أبداً ما هو فيه، فجباله ووديانه ومدنه وقراه تنطق بمعاني الحضارة والثقافة والتميز، ففي ذلك البلد «الموزاييك» يختلط الإسلام والمسيحية وتلتقي الروح العربية الشرقية بالثقافة الغربية الأوروبية.
إن لبنان يمثل واحداً من أعظم نماذج التعايش على الأرض كما أن إرادة الحياة لدى شعبه هي مضرب الأمثال. فاللبنانيون بناؤون يعشقون الحياة ويعيشون الزمن برغبة عارمة وإرادة صلبة وعزيمة واضحة ونفسية عالية، فما الذي يجعل لبنان على ما هو عليه إلا المخططات الأجنبية والاستهدافات الخارجية والرغبة في ألا يكون لبنان متألقاً متوهجاً مشعاً كما هو عبر تاريخه الطويل؟ وكأن الكل يحسد لبنان على ما لديه وعلى ما وصل إليه.
وأنا أعترف هنا بأن بي ضعفاً تجاه لبنان مثل الغالب الأعم من العرب ولكنني أعترف أيضاً أنني رأيت ذلك البلد الخلاب هذه المرة حزيناً قلقاً تخلو فنادقه من السياح الأجانب وتخلو شوارعه من الرواج التجاري المعتاد ويسيطر على أبنائه هاجس المستقبل، فالكل يترقب ما هو قادم والكل يتوجس خيفة من عودة شبح الحرب الأهلية من جديد.
ولقد لفت نظري هذه المرة أكثر من أي مرة سابقة أن العاصمة اللبنانية مقسمة فعلياً فإذا دخلنا إلى الضاحية الجنوبية فإن الملصقات على الجدران في الشوارع وداخل البيوت توحي وكأنك في العاصمة الإيرانية طهران، بينما بيروت الشرقية بالهندسة المعمارية الغربية وغالبيتها المارونية توحي لك وكأنك في إحدى مدن البحر المتوسط جنوب أوروبا، أما إذا اتجهنا نحو بيروت الغربية فإننا نجد المعسكر السني اللبناني ما زال الوريث الطبيعي لبحر السنة المحيط بلبنان العربي، ولا يعني ذلك أن اللبنانيين مختلفون مزاجاً أو هوية بل على العكس فلبنان شعب منصهر له شخصية وطنية واضحة وانتماء شديد للتراب الوطني الذي يعيش ابناؤه فوقه.
ولقد حظينا أثناء زيارتنا الأخيرة بلقاء رئيس الوزراء السيد فؤاد السنيورة ولفت نظرنا عند الدخول أن هناك مساحة خالية لصورة كبيرة على الحائط خلف رئيس الحكومة عندما يجلس إلى مكتبه وكان من السهل أن نستنتج أنها انعكاس لغياب صورة رئيس للجمهورية اللبنانية حالياً، ولا بد أن أعترف أن اللبنانيين رغم ما يحيط بهم من مخاطر وما يستهدفهم من مخططات يحاولون أن يعيشوا حياتهم الطبيعية رغم كل المحاذير الأمنية وتلك هي مرة أخرى إرادة الحياة لدى ذلك الشعب العريق. ويهمني أن أسجل هنا بعض الملاحظات التي خرجت بها والانطباعات التي تولدت لدي بعد هذه المهمة وأبرزها ما يلي:
1- إن العلاقات السعودية - السورية تلعب دوراً حاكماً في الأزمة الراهنة ولو اتفقت الدولتان مدعومتين من جانب مصر لأمكن للحل العربي أن يخترق الأزمة اللبنانية وأن يصل أمين عام جامعة الدول العربية إلى ما كان قد اقترب من تحقيقه بالفعل منذ أسابيع. لذلك يطالب اللبنانيون العقلاء من الساسة وذوي الأمر بضرورة تلاقي الرؤيتين السعودية والسورية حول الوضع القائم حالياً في لبنان.
2- إننا نظن - وليس كل الظن إثماً - أن لبنان ينتظر واحداً من حلين أحدهما عربي والآخر قد يكون إيرانياً، ولكنني لا أتصور أن تحل مشاكل بلد عربي نتيجة جهود دولة غير عربية مهما علا شأنها وزاد نفوذها، لذلك فإن علينا أن نفسح المجال لكل الجهود العربية وأن نتفهم ظروف كل دول المنطقة حتى نمضي على الطريق الصحيح. وهنا أشير صراحة إلى دور «حزب الله» وقدرته الممكنة - إذا أراد - على لعب دور يمتص المخاوف لدى الفئات الأخرى في المجتمع اللبناني ويعطي الجميع إحساساً متساوياً بالهوية اللبنانية التي يعتزون بها.
3- لقد شعرت أن هناك شبه إجماع على ترشيح قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية وتكمن المشكلة فقط في طبيعة الإجراءات المطلوبة والشروط والترتيبات المسبقة التي يرى بعض الأطراف ضرورة تحقيقها قبل انتخاب رئيس الجمهورية ويعتبرون هذا الأمر بمثابة «كارت» في يدهم سيفقدونه فور اختيار رئيس للجمهورية.
4- لقد أصابتني حال من الدهشة فكلما التقيت مسؤولاً لبنانياً كبيراً شعرت باقتناع بما يقول رغم تفاوت وجهات النظر بل وتباعدها أحياناً، وهذا ما يعكس قدرة اللبنانيين على التعبير عن وجهة نظرهم وإقناع الإطراف الأخرى بها، ولقد أتاحت لي الظروف أن التقي بالرموز المختلفة من كل ألوان الطيف في الدولة اللبنانية وشعرت أن كل متحدث يؤمن بما يقول ويرتبط بما يفكر فيه كما أن بعضهم بدا لي مرتبطاً بآراء ومواقف ليست بالضرورة من داخل لبنان، وتلك هي في رأيي مأساة ذلك البلد الجميل الذي يجب أن نحافظ عليه وأن نسعى لنجعل منه واحة للأمن والأمان بدلاً من أن يكون ساحة للصراع بين الفرق الداخلية والقوى الخارجية.
5- إن العلاقات اللبنانية - السورية تحتاج إلى مراجعة عادلة وأمينة، فهناك خصوصية لتلك العلاقة لا تنكرها كل الأطراف، ولكن تقنينها ووضعها في إطارها الصحيح هو أمر لازم لا بد من تفهمه والعمل على وضع نهج يقبله الطرفان في ندية كاملة تحترم سيادة كل طرف وأمنه من جانب الطرف الآخر.
6- إن الطائفة المارونية في لبنان تبدو في نظري شديدة القلق من المستقبل ومن أبنائها من يهاجرون إلى الخارج بمعدلات متزايدة ويرى بعضهم أن هناك طائفة من اللبنانيين تسعى لاحتكار الولاء للوطن والدفاع عنه وهو أمر يقلق فئات أخرى وليس الموارنة وحدهم ولا المسيحيون من دون المسلمين، ومشكلة لبنان أيضاً هي ذلك التداخل الواضح بين الأصوات السياسية القادمة من اتجاهات مختلفة وأزمنة مختلفة فضلاً عن أن عملية تغيير الولاءات قد أصبحت أمراً معتاداً في الحالة اللبنانية.
7- إن التراشق الخطابي الحاد والتصريحات الشديدة اللهجة لم تكن تقليداً لبنانياً معروفاً ولكنها أصبحت الآن جزءاً من لغة الخطاب السياسي الداخلي في لبنان، فهناك من يرى أن الحكومة «غير شرعية وغير ميثاقية» وهناك من يطالب بتعديلات على «اتفاق الطائف»، وعندما نقول للجميع فلنتفق على إلغاء الطائفية بالمرة يصيح الكل قائلاً إن لبنان لن يعود هو ذاته في تلك الحالة، فقيمة لبنان الحقيقية في تعدديته وتنوعه بشكل يؤدي دائماً إلى الانبهار بذلك النموذج الفريد.
8- إن الجيش اللبناني الذي خرج ظافراً من المواجهة العسكرية في نهر البارد لا بد أن ينظر بحساسية الى قوات «حزب الله» التي حرمت إسرائيل من متعة الانتصار في حرب صيف 2006، كما أن الأحزاب السياسية المختلفة تتفاوت في وجهات نظرها وتختلف في توجهاتها ولكن الأمر المؤكد هو أن القلق والترقب يسيطران عليها جميعاً بغير استثناء.
9- إن لبنان يحتاج إلى وقفة عربية هادئة كما يحتاج إلى تفهم أكثر من أشقائه وجيرانه لطبيعة ظروفه. لقد دفع لبنان فاتورة غالية لمحصلة الصراعات العربية بل الشرق أوسطية، وأراه نموذجاً يستكثر عليه البعض أن يكون في وضعه الحضاري والثقافي والإنساني المعروف به تاريخياً.
10- إن الملاحظ على الساحة اللبنانية حالياً هو تراجع النغمة الدينية وتواري الصيغ الطائفية، بل إنني أشعر بتهميش ملحوظ للكنيسة المارونية ورجال الدين الإسلامي من السنة والشيعة على السواء، وذلك يعني أن الصراع السياسي يتقدم على الاختلاف الطائفي وقد تكون تلك ميزة تحول دون وقوع حرب أهلية إلا أنها على الجانب الآخر قد تكون ظاهرة موقتة تحمل في طياتها بعد ذلك كل الصراعات الدينية والمشاكل الطائفية.
تلك هي ملاحظات أقرب إلى الانطباعات خرجت بها من زيارة قصيرة للبنان تدعمها خلفية طويلة من الاهتمام الشخصي بذلك البلد الراقي الذي يعيش غالبية أبنائه خارج حدوده، فقد عرفوا الهجرة مبكراً وعبروا المحيط منذ أكثر من قرن ونصف قرن وكانوا دائماً جسراً للتواصل بين العرب والغرب، وليس لدي شك في أن لبنان سوف يتعافى من مشاكله ويصبح إضافة فاعلة - كما كان دائماً - لأمته العربية ليظل نموذجاً للتعايش المشترك بين الديانات والطوائف ومسرحاً للتعددية الحزبية والديموقراطية النيابية. إن المطلوب فقط هو أن يُترك اللبنانيون وشأنهم، بل إنني لا أجد أفضل من الصيحة الشهيرة لأختتم بها هذه السطور قائلاً «ارفعوا أيديكم عن لبنان».
عن صحيفة الحياة
25/3/2008


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.