العهد الجديد في باكستان يواجه أوضاعا اقتصادية كارثية د. عبدالله المدني يمكن القول إن أكبر التحديات التي تواجهها الحكومة الباكستانية المنبثقة عن انتخابات الثامن عشر من فبراير الماضي التشريعية هو إصلاح الأوضاع الاقتصادية، ولا سيما الارتقاء بالأحوال المعيشية للسواد الأعظم من السكان والتي تدهورت إلى حد لا مثيل له في آسيا، وإيجاد حلول سريعة لأزمة الطاقة وللعجز المزمن في الموازنة العامة. يأتي على رأس الأمور التي تتطلب علاجا سريعا، مسألة العجز في الموازنة العامة، وهو عجز رهيب يحد كثيرا من قدرة الأجهزة الحكومية على ملامسة بقية المشاكل الاقتصادية والمعيشية مثل مشكلة توفير الطاقة، أو حتى الحد من تفاقمها. وطبقا لتقرير صادر عن المصرف المركزي الباكستاني، فإن عجز الموازنة ارتفع في الأشهر الستة الأولى من السنة المالية الجارية بنسبة 1,31 بالمائة ( أو من 46,1 بليون دولار إلى 14,6 بلايين دولار)، علما بأن هذا العجز لم يتعد في الفترة نفسها من السنة المالية السابقة الرقم 7,4 بليون دولار. وإذا ما استمرت الحالة في التدهور بالنسبة المشار إليها، فإن المتوقع - بحسب المراقبين والمحللين الاقتصاديين - أن يتخطى العجز الرقم 12 بليون دولار، وبالتالي تنهار قدرة البلاد على سداد فواتير وارداتها من البضائع والخدمات، لا سيما وأن الميزان التجاري الباكستاني يشكو عجزا واضحا، بدليل تراجع صادرات البلاد من الخدمات التي يساهم قطاع النقل فيها بنسبة 50 بالمائة خلال الفترة من يوليو إلى نوفمبر 2007 إلى 09,1 بليون دولار، مقابل 93,3 بلايين دولار من واردات البلاد من الخدمات. أحد أسباب العجوزات في الموازنة الباكستانية العامة، هو انخفاض تدفق الاستثمارات الاجنبية إلى أرقام أدنى بكثير مما كان متوقعا للسنة المالية 2007-2008 ، وهو خمس بلايين دولار، ومعه انخفاض تدفق تحويلات الباكستانيين العاملين في الخارج- أي عكس الحالة الهندية تماما - فمثلا انخفضت هذه الاستثمارات بنسبة 32 بالمائة في الأشهر الستة الأولى من السنة المالية الجارية التي ستنتهي في يونيو 2008، فوصلت إلى 17,2 بليون دولار، بعد أن كان الرقم في الفترة نفسها من السنة المالية السابقة هو 18,3 بلايين دولار. وفي نظر الكثيرين تعتبر حكومة رئيس الوزراء شوكت عزيز الذي قيل الكثير عن مؤهلاته وخبراته العملية ووظائفه السابقة في المحافل المالية العالمية، يوم أن اختاره الرئيس الجنرال برويز مشرف رئيسا للحكومة، بل تطلعت الجماهير إلى حدوث حلول سحرية على يديه لمشاكلها المعيشية المزمنة، هي المسؤولة عن كل ما سبق ذكره لسببين: اولهما أنها بالغت في الاعتماد على مصادر معينة غير مأمونة للعملة الصعبة في تغطية عجوزات الموازنة (مثل تحويلات العاملين الباكستانيين في الخارج، والفوائد المتأتية من الاستثمار في السندات والأسهم الاجنبية). وثانيهما أنها لجأت إلى تمويل العجز التجاري بدلا من وضع استراتيجية لتجسير الهوة ما بين الواردات والصادرات والتي اتسعت بنسبة 6,5 بالمائة في عام 2005 بعد أن كانت هذه النسبة المئوية عند حدود 4,2 في عام 2000 ، هذا علما بأن الهوة استمرت في الاتساع بسبب عدم تناسب حجم الزيادة في الصادرات مع حجم نمو الواردات. وفي هذا السياق ، يستبعد مراقبون كثر أن تنجح باكستان على المدى القصير في علاج الخلل في ميزانها التجاري، لعدة أسباب أهمها التحديات التي تمثلها أزمة الطاقة، والتي بدورها تحد من إمكانات المصانع الباكستانية على الإنتاج والتصدير، وفي الوقت نفسه تساهم في رفع قيمة فواتير الاستيراد. لكن هذا ليس سوى مظهر واحد من مظاهر صعوبة معالجة اختلال الميزان التجاري. فهناك فواتير القمح والشعير المستورد واللذين تشهد اسعارهما ارتفاعا واضحا في الوقت الذي تزداد فيه حاجة البلاد إلى استيراد كميات اكبر منهما لسد النقص في الناتج المحلي باعتبارهما عماد الغذاء اليومي للمواطنين. والمعروف أن أسعار القمح العالمية تضاعفت منذ مايو الماضي، فيما ارتفعت أسعار الشعير بنسبة 20 بالمائة منذ نوفمبر المنصرم. والجدير بالذكر أن باكستان كانت قد وضعت لنفسها هدفا للعام المالي 2007-2008 هو إيصال صادراتها إلى الرقم 2,19 بليون دولار، غير أن أزمة الطاقة معطوفة على حالة اللااستقرار والفوضى، القيا بظلال من الشك على إمكانية الاقتراب من هذا الهدف. أما الواردات من الخارج التي كان مأمولا تخفيض حجمها وفق سياسات تحقيق الاكتفاء الذاتي، فقد حدث لها العكس تماما، ولاسيما الواردات من الطعام على نحو ما سبق ذكره، بل ينتظر أن تستمر هذه الواردات في الارتفاع. وبحسب الأرقام الرسمية المعلنة فإن إجمالي قيمة ما صدرته باكستان في النصف الأول من السنة المالية الجارية (أي من يوليو إلى ديسمبر 2007 ) بلغ 72,8 بلايين دولار، فيما كان إجمالي قيمة وارداتها في الفترة نفسها هو 95,16 بليون دولار، الأمر الذي يشير إلى عجز تجاري واضح بقيمة 24,8 بلايين دولار، مقارنة بنحو 49,6 بلايين دولار في الفترة نفسها من السنة المالية السابقة. أما ما ساهم في مضاعفة هذا الاختلال، فقد كان ضعف انجذاب الشركاء التجاريين التقليديين للصادرات الباكستانية، وهبوط قيمة الروبية الباكستانية أمام الدولار الأميركي ، إضافة إلى ضعف أداء مصانع النسيج الباكستانية والتي تساهم تقليديا في صادرات البلاد إلى الخارج بنسبة تزيد على 65 بالمائة، ناهيك عن معدلات التضخم، ولاسيما في أسعار السلع الاستهلاكية التي واصلت ارتفاعها حتى بلغت نحو 12 بالمائة مقارنة بأسعار العام الماضي، وذلك طبقا لأرقام الجهاز الفيدرالي للإحصاء. هذا الوضع الاقتصادي الكارثي في باكستان كان محل اهتمام مؤسسات مالية دولية مثل البنك الدولي الذي أشار في آخر تقرير له إلى أن أوضاع الموازنة العامة ساءت في عدد من الدول خلال عام 2007 ، وان المشهد الأسوأ كان في باكستان التي وصل العجز فيها إلى 5 بالمائة من إجمالي ناتجها المحلي. أما صندوق النقد الدولي، فقد توقع استمرار مثل هذه العجوزات في عدد من دول العالم النامي، لاسيما في ظل الارتفاعات المتواصلة في سعر النفط. من جانب آخر، قدرت مؤسسة «ميريل لينتش» المالية أن أية زيادة في أسعار النفط بنسبة 10 بالمائة، يعني إضافة 700 مليون دولار إلى فواتير استيراد هذه السلعة، وبالتالي ارتفاع عجوزات الموازنة بنفس المقدار. عن صحيفة الوطن القطرية 23/3/2008