انتقاد حقوقي أميركي لمصر... لا جديد محمد صلاح هل يكفي رد الإدارة المصرية على تقرير الخارجية الأميركية حول حقوق الإنسان في العالم والذي تضمن انتقادات حادة لحال حقوق الإنسان في بلدان عدة بينها مصر؟ لماذا اكتفى الرسميون في مصر برفض ما جاء في التقرير من دون مناقشته أو تفنيده؟ من الواضح أن الخارجية المصرية اعتبرت أن التطرق إلى ما ورد في التقرير الأميركي وتكذيب ما فيه أو حتى مناقشته يعني الإقرار بحق البيت الأبيض في التفتيش ومراقبة أوضاع حقوق الإنسان في مصر, وأن الأمر في الحالة الأميركية مختلف عن الحالة الأوروبية عندما أصدر البرلمان الأوروبي قبل أسابيع تقريراً تضمن انتقادات لأوضاع حقوق الإنسان في مصر, فالقاهرة ردت بحدة على البرلمان الأوروبي وإن كانت ناقشت ما ورد في بيانه وفندته وأعلنت أنها في سبيل استكمال التشريعات التي تكفل حقوق الإنسان في مصر. الفارق هنا أن التقرير الأوروبي استند إلى مواثيق واتفاقات وقعت عليها الحكومة المصرية وتعهدت باحترامها والالتزام بها, وهي الحالة التي لا تنطبق على تقرير الخارجية الأميركية حيث لم تتعهد مصر أو أي دولة أخرى من الدول التي وردت ملاحظات حول حال حقوق الإنسان لديها في التقرير الأميركي، ب «السمع والطاعة» للبيت الأبيض. ولن يختلف الحال كثيراً عند صدور التقرير السنوي للحالة الدينية في العالم والذي صار لمصر فيه دائما نصيب, ويمكن من الآن توقع ما سيرد في ذلك التقرير إذ سيكرر الملاحظات والانتقادات التي وردت في تقرير العام الماضي حول الأقباط والبهائيين وربما الملحدين. ويبدو أن المسؤولين المصريين تمرسوا على التعامل مع تقارير كهذه وصاروا يملكون الخبرة في التعاطي مع ضغوط أميركية يرتفع سقفها كلما كان مطلوباً من مصر أداء أدوار بعينها في قضايا إقليمية أو دولية. فالسياسة المصرية ذات الأذرع المتعددة, المتشابكة بحكم الموقع والتاريخ والتأثير بمعضلات إقليمية ودولية، قد لا ترضي الأميركيين أحياناً وقد تتوافق مع السياسات الأميركية تجاه تلك المعضلات في أحيان أخرى. وما بين رضا الأميركيين واعتراضهم وربما غضبهم يعتقد المسؤولون المصريون أن حجم الهجوم في كل تقرير حقوقي أميركي يتحدد. وأكثر ما يلفت الانتباه أن القوى السياسية المصرية التي تناضل من أجل الإصلاح ولا تتوقف عن ممارسة أنشطة احتجاجية في شأن قضايا الحريات والإصلاح وحقوق الإنسان سريعاً ما تنأى بنفسها عن تأييد الانتقادات الأميركية, بل إن تلك القوى نفسها كثيراً ما تنتهز الفرصة عقب كل تقرير أميركي للسعي إلى إقناع الإدارة المصرية بأن البيت الأبيض صار كما الشمس كلما كان الاقتراب منه كبيراً كلما كان الاحتراق بناره أشد تأثيراً. ويمكن في ذلك الإطار فهم تصريح مرشد «الإخوان المسلمين» محمد مهدي عاكف حول تقرير الخارجية الأميركية، فعاكف الذي كان يستخدم عبارات من الوزن الثقيل لانتقادات السياسات الحكومية المصرية ضد قوى المعارضة عموماً و «الإخوان» خصوصاً رفض التعليق على ما ورد في التقرير وذكّر الحضور بانتهاكات الأميركيين لحقوق الإنسان في العراق وفلسطين وأفغانستان وغيرها من بقاع الأرض. هكذا تجد قوى المعارضة المصرية أنه كلما زادت من هجومها على الأميركيين كلما اقتربت من مشاعر الجماهير, ويبدو أن بعض الحكومات العربية أدركت أن الرد على التقارير الحقوقية الأميركية بصورة حادة يقربها هي الأخرى من الجماهير التي قد تعاني أزمات داخلية حقوقية أو اقتصادية أو اجتماعية، لكنها لا تثق في أن الإدارة الأميركية التي وعدتها في سنوات سابقة بالرخاء والرفاهية الاجتماعية ستحقق لها إصلاحاً سياسياً. ربما كان مصادفة صدور التقرير الأميركي في ذكرى غزو العراق، وإذا كانت شعوب عربية تعاني أوضاعاً سيئة في مجال حقوق الإنسان فإنها حين تستعيد مشاهد ما جرى في سجن أبو غريب أو شوارع وأحياء بغداد أو الموصل تجد أن من بين الحقوق التي تسعى إلى نيلها الحق في الاعتراض على غزو وهدم بلد عربي فوق رؤوس أبنائه, وكثيراً ما مارست حكومات عربية أساليب تتنافى مع حقوق الإنسان لمواجهة تلك المشاعر وحجبت عن شعوبها ذلك الحق ولم يكن جزاؤها إلا تلك التقارير الأميركية. عن صحيفة الحياة 18/3/2008