زيارة تشيني شؤم أم نصفه ؟! حسن عصفور بدأت رحلة نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني إلى المنطقة العربية، بزيارة بغداد رغم أنها لم تكن على جدوله المعلن، ما يشير مسبقاً الى أن الإعلان ليس هو الإعلام مهما تفنن أصحاب الخبرة والتقنيات عمله، ولذا فإن ما اعلنته المصادر الأميركية من ملفات للبحث سيحملها نائب الرئيس لمناقشتها، قد يكون بعضها و قد يكون غيرها، فالإعلان الاميركي يشير إلى أن ملفات الزيارة ستتركز على : الملف النووي الايراني والنزعة التوسعية لإيران . العلاقة العربية و خاصة المملكة السعودية مع النظام في العراق . النفط إنتاجاً و سعراً وحماية في ظل احتمالات مختلفة في المنطقة ( ساخنة أم باردة ). الملف السوري بتحالفاته الإقليمية ودوره في لبنان و فلسطين. ملف التسوية والتفاوض الفلسطيني الاسرائيلي . الدور التركي الاقليمي واثره على مستجدات الوضع السياسي المقبل . و قبل اي شيء نتوقف مذكرين أن زيارة تشيني للمنطقة قبل خمس سنوات، مهدت الطريق السياسي لاحتلال العراق وإسقاط نظام صدام حسين وإقامة نظام عراقي طائفي التركيب، هذه الإشارة يجب ألا تغيب عن دوافع هذه الزيارة، فربما تحمل إعادة إنتاج لعملية تعديل سياسي قادم. يشيرالبعض الى أن الملف الايراني هو أكثر الملفات اهمية التي يحملها ديك تشيني، سواء الملف النووي أو دور إيران و نزعتها التوسعية بشكل مباشر كما العراق أو لبنان ونسبياً في فلسطين أو غيرمباشر عبر إثارة "النزعة الطائفية" في بعض دول المنطقة وخاصة الخليجية . قبل الزيارة تمكنت الولاياتالمتحدة من إصدار قرار جديد من مجلس الأمن يزيد من حدة العقوبات على إيران، وإطلاق يد إسرائيل القيام بحملة تحشيد دولي ضد الملف النووي الايراني، وهو الأمر الذي يشير الى ان تشيني سيبحث هذه المسألة بكل جوانبها، وليس صحيحاً الاعتقاد أن أميركا ألغت "الخيار العسكري" و بعيداً عن استقالة ويليم فالكون قائد القوات المركزية، إلا أن أميركا وإسرائيل تدركان أن هذا الخيار قد يكون هو الحل في ظل تهيئة أجواء مناسبة، خاصة بعد الانتخابات الإيرانية و التي ستزيد من عزلة إيران دولياً. وتأتي مسألة النظام العراقي ضمن اولويات القضايا الاكثر أهمية للولايات المتحدة، نظرا لأن العراق حقق لأميركا الخطوة الأولى لإعادة رسم خريطة جديدة للمنطقة العربية، تلغي بعضا من خريطة سايكس بيكو والعمل على إقامة نظم طائفية ورسم ملامح مختلفة لدور بعض الأنظمة السياسية القائمة، وإلغاء إمكانية لبروز دولة عربية ذات اثر اقليمي هام. ومن هنا فربما يصبح الملف السوري في سياق الرحلة الأميركية هذه الأكثر سخونة من مجمل الملفات التي يحملها ديك تشيني، حيث تشير بعض الدلالات أن تشيني سيركز على هذا الملف أكثر من غيره وربما تكون له الأولوية عن الملف الايراني الذي يحتل صدارة الاهتمام الاعلامي. فسورية بدأت ومنذ العودة من أنابوليس، انتهاج سيادة التوتير ليس فقط مع أميركا بل مع دول عربية وبالأخص العربية السعودية، وتتجلى مظاهر هذه القضية بكل وضوح في المسألة اللبنانية، اقلها "خطف موقع الرئاسة". وأخذت مظاهر التوتر السياسي بين الطرفين مظهرا علنيا خلال اللقاءات العربية التي تسبق عقد القمة العربية، وما تلاه من تحذير السعودية لرعاياها بمغادرة لبنان وعدم زيارته في الوقت الراهن، ومع ما يصدر عن ان الملك عبد الله قد لا يشارك في القمة القادمة، وإذا ما كان هناك قادة آخرون خاصة مصر والأردن فان دمشق تكون قد خسرت خسارة إستراتيجية، الأمر الذي يساعد أميركا في المضي قدماً نحو حصار بشار الأسد بشكل متصاعد. فسورية حلقة هامة إن لم تكن الأهم في "التحالف الاقليمي الجديد" الإيراني وبعض العرب، لذا فان تشيني سيجعل من الملف السوري بكل أبعاده، هو الملف الأكثر سخونة وقد يصل إلى ذات سخونة الملف العراقي "قبل إسقاط نظام صدام حسين، برغم الفوارق التي يتحدث عنها بعض العرب، إلا أن العزلة المتلاحقة لسورية عربياً وزيادة تحالفها مع إيران ودورها في لبنان، تساعد الولاياتالمتحدة نحو انتهاج خطوات تصاعدية غير مسبوقة ضد النظام السوري. فإذا لم تنجح دمشق وقبل عقد القمة أواخر الشهر الحالي، في تجاوز العقبات القائمة مع العربية السعودية ومصر وغيرهما، وعملت ما يجب أن تقوم به كي لا تحدث مقاطعة القمة على المستوى القيادي الأول، فإننا سنكون أمام مرحلة جديدة من المخطط الاميركي لإعادة رسم خريطة المنطقة وفقاً للمصلحة الأميركية الإستراتيجية في الصراع الدولي المفتوح، خاصة في ظل تفاقم "الأزمة الاقتصادية" الأميركية وصراع مناطق النفوذ، والتطورات السياسية الهامة لأمريكا اللاتينية التي تتطور تنموياً وسياسياً بأقل ازمات ممكنة مع واشنطن، الى جانب ارتفاع أسعار النفط "وأزمة الدولار". ويبرز هنا موقف إسرائيل التي كانت لها حساباتها الخاصة في العلاقة مع سورية، وكان الخلاف بين الإدارتين بارزاً في كيفية تناول الملف السوري وسبل المواجهة انطلاقاً من حسابات خاصة بكل منهما، فإسرائيل ترى في الوضع القائم هو الأقل ضرراً وخطراً عليها من اي احتمال آخر، خاصة وان الجبهة السورية مع إسرائيل هي الأكثر هدوءاً وأمناً من مختلف الجبهات الأخرى . في حين ترى أميركا أن النظام السوري وتحديدا بعد رحيل الأسد الأب أخذ في إحداث إشكاليات لا تتفق مع التوجه الاميركي، سواء في لبنان والعراق أوالتحالف مع إيران، ورغم المحاولة السورية الاستفادة من تركيا وبشكل مباشر من الموقف الإسرائيلي، إلا أن الموقف في لبنان والرغبة الأميركية في إحداث تغيير سياسي على الوضع القائم في قلب الشرق الأوسط، قبل انتهاء فترة بوش وتقدير بعض الأوساط الإستراتيجية الأميركية أن حصار سورية وإحداث تغيير جوهري في سياستها قد يشكل العنصر المركزي لتدعيم ما بدأته "إدارة الجنون السياسي" في واشنطن العام 2003 بإسقاط صدام حسين. تلك هي المسألة التي على البعض أن يفكر بها بشكل أعمق بعيداً عن شعارات ربما لا تشكل ما يكفي من الحماية السياسية. عن صحيفة الايام الفلسطينية 18/3/2008