أبعاد الهجمة على غزة ماجد كيالي اتسمت الهجمات التي شنها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة، والتي استخدم فيها مختلف أصناف الأسلحة، بالوحشية والتدميرية والاستباحة، ما أدى إلى مصرع حوالي 125 من الفلسطينيين، وإصابة المئات منهم بجراح، فضلا عن تخريب وتدمير عشرات البيوت والممتلكات من دون تمييز بين مدني وعسكري.
وقد اتخذت إسرائيل في هجماتها هذه ذريعة الدفاع عن النفس، ومحاولة وقف إطلاق صواريخ القسام وقذائف الهاون من قطاع غزة، على البلدات الإسرائيلية المتاخمة، وخصوصا بلدة سديروت. لكن طبيعة الهجمة، المعطوفة على الحصار المشدد الذي تفرضه إسرائيل على القطاع، بعد انسحابها منه قبل عامين.
وخصوصا بعد هيمنة حركة حماس على القطاع، بوسائل القوة (يونيو 2007)، تفيد بأن أبعاد هذه الحرب لا تتوقف عند حد إيقاف الصواريخ الحماسية، فحسب، وإنما تتوخى تحقيق أهداف أبعد، من ضمنها:
أولا، إضعاف أو كسر ما بات يعرف في المنطقة بمحور المقاومة أو الممانعة، على اعتبار أن إسرائيل ترى بأن حركة حماس تعمل ضدها ضمن منظومة أكبر تشمل إيران وسوريا وحزب الله في لبنان.
ثانيا، يحاول إيهود اولمرت، عبر هذه الحرب، توجيه رسالة إلى المجتمع الإسرائيلي تفيد بأنه مازال قادرا على حفاظ امن إسرائيل، وأنه لن يتنازل للفلسطينيين ولا لغيرهم في مجال التسوية، في مواجهته الأطراف اليمينية التي تهاجمه، بدعوى انه سيتنازل للفلسطينيين في المفاوضات، ما قد يهدد زعامته لحزبه (كاديما)، ويعرّض حكومته للتفكّك، وربما للجوء لانتخابات مبكرة.
ثالثا، تتوخّى إسرائيل من التصعيد ضد قطاع غزة الضغط على الفلسطينيين، وتصعيب الوضع عليهم، من النواحي السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وإحراج قيادة السلطة في رام الله، ووضعها في موقف صعب أمام شعبها، وخلخلة موقفها التفاوضي، أمام إسرائيل، في حال استمرت في المفاوضات، في مثل تلك الظروف المأساوية.
بمعنى أن إسرائيل تتوخّى إنهاك المجتمع الفلسطيني واستنزافه تماما، وإضعاف مكانة القيادة الفلسطينية، في محاولاتها الدؤوبة لفرض الإملاءات السياسية عليها، بشأن قضايا التسوية.
رابعاً، تعتقد حكومة أولمرت بأن الظروف والمناخات الدولية، وربما الإقليمية أيضا، تسهّل على إسرائيل الاستفراد بالفلسطينيين في القطاع، بدعوى استيلاء حماس عليه بصورة غير شرعية، وبدعوى وقف العنف والدفاع عن النفس في وجه الهجمات الصاروخية.
هكذا فإن إسرائيل لم تعد تكتفي بمجرد فرض الحصار المشدّد على القطاع، وتقنين المواد الحيوية الضرورية التي تصل إليه، وإنما هي باتت ترى أن الفرصة سانحة لها لشن حرب استنزاف متدرجة للقضاء على المقاومة، في القطاع، وإرهاق «حماس».
ووضعها في زاوية حرجة أمام نفسها وأمام شعبها، لجهة عدم قدرتها على الرد على الضربات الإسرائيلية، ومن جهة عدم استطاعتها تأمين متطلبات العيش الآمن والكريم لأهالي القطاع، وأيضا لجهة عدم رغبتها بتغيير المعادلات السياسية القائمة اليوم، والتي توفّر لإسرائيل الذريعة لشن هجماتها على القطاع، إن بتسليمها بضرورة وقف الهجمات الصاروخية، أو بإعادة أوضاع القطاع إلى ما قبل يونيو الماضي، أي إلى الشرعية.
خامسا، تسعى إسرائيل في هذه الحرب رفع معنويات جيشها، واستعادة صورتها كدولة رادعة، بعد الإخفاق العسكري الذي منيت به في حرب يوليو (2006) ضد مقاتلي حزب الله في لبنان، والاستفادة من دروس هذه الحرب.
وبرغم سياسات إسرائيل العدوانية والوحشية ضد الفلسطينيين، فإن هؤلاء يتحملون قسطا من المسؤولية عما يجري، في الجوانب التالية:
أولا، الانقسام الحاصل بينهم، والذي وصل حد الاقتتال، ما سهل على إسرائيل اعتبار قطاع غزة منطقة عدوة، وادخل الفلسطينيين في صراعات مجانية جانبية، تفيد إسرائيل، وتخدم مآربها في التهرب من استحقاقاتها في عملية التسوية، وتقويض العملية الوطنية الفلسطينية، وعملية قيام دولة مستقلة.
ثانيا، التخلف والتخبط والتهور في إدارة الصراع ضد إسرائيل، مثل عمليات القصف الصاروخي.
ثالثا، زج الفلسطينيون في السنوات السابقة بكل قواهم في المقاومة المسلحة ضد إسرائيل، وضمنها العمليات التفجيرية، دون حساب موازين القوى، وقواعد حرب الضعيف ضد القوى . عن صحيفة البيان الاماراتية 17/3/2008