تشيني يبحث عن حل سياسي لمشكلة أميركا الاقتصادية! سليم نصّار بعد وصول سعر برميل النفط الى مئة وعشرة دولارات، أعلن الرئيس جورج بوش عن نيته إرسال نائبه ديك تشيني الى الشرق الأوسط بهدف معالجة هذا الموضوع الاقتصادي الخطير مع المسؤولين في دول «أوبك». ومع أن بوش لمح الى مهمة سياسية أخرى قال إن نائبه سيؤديها لدى زيارته اسرائيل والضفة الغربية، إلا أن المراقبين اعتبروا هذا الجزء من الزيارة، مجرد عملية تمويه لا تمت الى الدوافع الأساسية بصلة. والسبب أن ارتفاع أسعار النفط بشكل غير مسبوق، أدى الى إضعاف نسبة النمو في الاقتصاد الأميركي، وإلى دخول أكبر اقتصاد في العالم مرحلة ركود. ويرى المحافظ السابق للبنك المركزي آلان غرينسبان، أن انتعاش الاقتصاد الأميركي سيأخذ وقتاً أكثر من المعتاد، وأنه شخصياً يشعر بالقلق من حدوث انتكاسات اضافية، على رغم سلسلة القرارات التي اتخذت بخفض أسعار الفائدة. وكان وزير التجارة الأميركي كارلوس غوتيريز، توقع فترة انتعاش عقب أزمة قروض الرهن العقاري. يجمع وزراء النفط لدول «أوبك» على القول إن المهمة التي يحملها ديك تشيني ستتعرض للفشل لأن زيادة الانتاج - كما تتصور الإدارة الأميركية - لن تنعش الاقتصاد وتنهي الركود. وهذا ما توقعه رئيس منظمة البلدان المصدرة للنفط شكيب خليل، الذي أعلن عن وجود مخزونات وفيرة لدى الدول المستهلكة. كذلك رأى وزير النفط السعودي علي النعيمي أن أسواق النفط حالياً مستقرة، والأسعار المرتفعة لا علاقة لها بأسس السوق. وكان وزراء «أوبك» الأعضاء في لجنة مراقبة السوق قد أوصوا أثناء مؤتمرهم الأخير في فيينا، بضرورة تمديد العمل بمستوى انتاجهم الحالي - أي بمستوى 1.2 مليون برميل في اليوم - لأن زيادة نسبة الانتاج لن ترفع قيمة الدولار. يقول السناتور تشوك شومر، الذي تولى عملية مراجعة تكاليف حرب العراق، إن أسباب الأزمة الاقتصادية الأميركية، ترجع في مجملها الى الأموال التي طلبها الرئيس بوش من أجل حرب العراق. وقد أيده في هذا التحليل جوزيف ستيغليتز، الحائز جائزة نوبل للاقتصاد، والذي تصور أن التكاليف ارتفعت الى رقم مذهل هو 3 تريليونات دولار. ولدى نشر هذا الرقم في الصحف، أعلن روبرت هورماتس، نائب رئيس مجلس إدارة «غولدمان ساكس» المالية، بأن هذه المبالغ صحيحة. وعليه قرر ستيغليتز اصدار كتاب عنوانه «حرب الثلاثة تريليونات دولار» بالاشتراك مع ليندا بيلمز (جامعة هارفرد). ومن المتوقع أن يحدث هذا الكتاب ضجة كبرى لأن حرب العراق ارهقت الاقتصاد الأميركي، وأضعفت دور الولاياتالمتحدة في العالم. ومعنى هذا أن استمرار ارتفاع سعر النفط يشكل معضلة للبنوك المركزية الكبرى في العالم. والسبب أن هذه البنوك ستضطر الى زيادة سعر الفائدة لكبح جماح التضخم الناتج عن ارتفاع أسعار النفط. وفي الوقت ذاته، عليها أن تخفض سعر الفائدة من أجل دعم النمو الاقتصادي. في أعقاب حربي افغانستان والعراق، كتب المؤرخ بول كينيدي، مقالة في مجلة «فورين أفيرز»، حذر فيها الرئيس جورج بوش من مخاطر التورط العسكري في دول نائية عن الولاياتالمتحدة. وبعد أن عدد الأسباب الحقيقية التي أدت الى انهيار الامبراطوريات، طلب من بوش خفض عدد القواعد العسكرية التي نشرتها واشنطن في آسيا وأوروبا والشرق الأوسط، لأن تكاليفها سترهق الخزينة. كما طلب منه الاستعجال في إعادة الجنود من العراق لأن الانتشار البعيد يخفف من سلطة القيادة المركزية ويخلق لدى الضباط شعوراً بالانفصال والاستقلالية. وقدم له أمثلة عملية عن المؤرخين الذين ربطوا هذه العوامل بانهيار الامبراطوريات الرومانية والعثمانية والبريطانية. وخلص كينيدي الى القول ان انهيار الاتحاد السوفياتي لا يعني استفراد الولاياتالمتحدة بقيادة العالم، وان قوى جديدة قد تظهر على الساحة لتقاسم النفوذ العالمي مع الولاياتالمتحدة مثل: دول الاتحاد الأوروبي والصين والهند. لم يمض على هذا الكلام اكثر من خمس سنوات، حتى استعادت روسيا بعض نفوذها الدولي بفضل ثروتها النفطية. كذلك ظهرت ملامح امبراطوريتين في آسيا هما الصين والهند. وكتب في هذا السياق الخبير الاقتصادي سيغر بلوتسكر، يقول: «لدى حكومة الصين احتياطي من العملة الصعبة يقدر بتريليون و400 بليون دولار. وقد تجمعت هذه الأموال لأن بكين تراقب سعر العملة الثابت، مراقبتها للمنتجات الزهيدة الثمن المصدرة الى الخارج. أما بالنسبة الى الاحتياطي الروسي بالدولار فقد تجاوز خط الخمسمئة بليون دولار. ويعترف بوتين انه تبنى النموذج الصيني عندما استرجع للدولة قوة السيطرة على شركات البنى التحتية التي تشكل عصب الاقتصاد الوطني». وضم الخبير سيفر الى الصين وروسيا دولة الهند ودول مجلس التعاون الخليجي التي تملك من الاحتياطي ما يفوق ما تملكه الصين وروسيا معاً. وهو يعزو هذه الطفرة والازدهار الى ارتفاع اسعار النفط ومشتقاته، الأمر الذي أثر على النمو الاقتصادي بطريقة جعلت الدول الخليجية لاعباً أساسياً في اسواق المال العالمية. ومن المتوقع ان تؤثر حركة النمو ايضاً على قطاعات الخدمات المالية والتجارية والنقل والعقارات والصناعات، خصوصاً ان قوانين دول مجلس التعاون تمنح فرص الاستثمار حرية انتقال رؤوس الأموال. أفاد تقرير صادر عن «وكالة معلومات الطاقة» ان الايرادات المالية لصادرات دول مجلس التعاون، تقدر هذه السنة بنحو 850 بليون دولار. وذكر التقرير ايضاً ان ايرادات السعودية بلغت سنة 2007 حوالي 194 بليون دولار، أي ما يمثل 29 في المئة من اجمالي الايرادات المالية لدول «أوبك». ويعزو التقرير أسباب ارتفاع الأسعار إلى ازدياد الطلب من الصين والهند ودول آسيوية وأوروبية أخرى، إضافة إلى التوتر السياسي الذي يهيمن على افريقيا والشرق الأوسط بشكل يؤثر على الامدادات. وترى واشنطن أن طرق استثمار الايرادات من قبل الدول الست: السعودية والإمارات والكويت وقطر وعمان والبحرين، ستؤثر على اسعار الفائدة والسيولة والأسواق المالية في شتى بلدان العالم. في حلقة دراسية عقدت في أبوظبي السنة الماضية، طرح المشاركون طبيعة المتاعب التي تتوقعها منطقتا الشرق الأوسط وشمال افريقيا، وهي متاعب ديموغرافية تتمثل في ازدياد أعداد اليد العاملة الى 185 مليون نسمة بعد عشر سنوات. كما تتمثل في الحاجة إلى توفير مئة مليون وظيفة جديدة خلال هذه المدة. ومثل هذه التحديات الناتجة عن خلل متواصل بين أعداد السكان الأصليين وأعداد الوافدين للعمالة، ستؤثر حتماً على طبيعة التشريعات والقوانين المتعلقة باستيعاب العناصر البشرية المطلوبة. وهذا ما يدفع حكومات الدول الست إلى ضرورة تحسين المؤسسات من أجل تحسين مستوى الأداء في القطاعين الخاص والعام. خلال المحادثات التي أجراها في الدوحة هذا الأسبوع وليّ العهد السعودي نائب رئيس مجلس الوزراء الأمير سلطان بن عبدالعزيز، جرت مراجعة كاملة للعلاقات مع قطر في مختلف المراحل. وأثنى أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني على الدور الذي تضطلع به المملكة داخل مجلس التعاون الخليجي وخارجه، الأمر الذي يعزز العلاقات الثنائية، ويفتح آفاق العمل المشترك حول مختلف القضايا. أي القضايا المرتبطة بنزاع الشرق الأوسط والمشكلة الفلسطينية والوضع في العراق والتطورات في لبنان ومخاطر التسلح النووي، إضافة الى المسائل المتعلقة بالنفط والاقتصاد العالمي. وشارك في المحادثات أيضاً رئيس وزراء قطر وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، واتفقا على ضرورة استئناف هذه المحادثات الثنائية بطريقة التناوب على نحو يسمح للدولتين بتجنب أي خلاف بينهما. هذا، ومن المتوقع أن يحضر الأمير سلطان بن عبدالعزيز اجتماع نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني مع الملك عبدالله بن عبدالعزيز، والمتعلق بمشروع السلام العربي في فلسطين، ودعوة الرئيس بوش لرفع انتاج النفط أملاً في تراجع الأسعار. ويرى زعماء الحزب الديموقراطي في الولاياتالمتحدة أن سياسة بوش الأمنية هي التي قلصت نسبة النمو في الاقتصاد الأميركي، وجعلت أقوى دولة في العالم رهينة المصارف المركزية الخارجية مثل بنك كندا والبنك البريطاني والبنك الوطني السويسري والبنك المركزي الأوروبي. وعليه يرى شكيب خليل، رئيس «أوبك»، أن القرارات التي اتخذت في فيينا هذا الاسبوع، استندت الى معلومات صحيحة حول وجود مخزونات وفيرة في الدول المستهلكة، خصوصاً في الولاياتالمتحدة. ومعنى هذا أن الخلل الذي يحاول بوش اصلاحه نتج عن سوء القرارات الاعتباطية التي شجعه عليها «الزعران الأربعة» بقيادة ديك تشيني. بقي السؤال الذي طرحه مرشحو الرئاسة الأميركية: هل يستطيع جورج بوش تحاشي الورطة التي تعرضت لها الولاياتالمتحدة منذ أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001؟ يجيب على هذا السؤال مستشار الأمن القومي السابق زبيغينو بريزنسكي، مستشهداً بقول مأثور للمؤرخ ارنولد توينبي الذي توصل الى استنتاج مفاده «أن الهدف النهائي لانهيار الامبراطوريات هو انتحار الحكمة السياسية». ومن المؤكد أن جورج بوش هو المثل الحي الذي تعاطى بخفة ورعونة مع مشكلة بالغة الأهمية. لذلك فتح الطريق أمام طي صفحة القوة الأميركية العظمى المهيمنة، كما أفسح المجال كي تثبت الصين اقدامها في ميادين القوة العسكرية والاقتصادية معلنة عن نفسها القوة الكونية، الثالثة. وقد استثمرت الهند التورط الأميركي في افغانستان والعراق كي تدخل النظام العالمي من كوة التجارة العالمية والاقتصاد الليبرالي. وعلى رغم تعثر الديموقراطية في روسيا، فإن بوتين عرف كيف يملأ خزائن الدولة بعوائد النفط. وفي المحصلة النهائية ظهر عالم متعدد الأقطاب، موزع الأدوار تطل من سمائه دول كبرى مثل الصين والهند وروسيا واليابان والاتحاد الأوروبي. وربما قاد الانهيار الاقتصادي المتوقع للولايات المتحدة، الى أفول هذه الامبراطورية الحديثة التي مارست دورها داخل النظام العالمي سنة 1991، وهي حالياً تستعد للتشبث بثوب منقذ كيني الأصول يدعى باراك أوباما، وقد حاولت المرشحة الديموقراطية منافسته مسز كلينتون أن تصنفه بين دعاة الحركات والتنظيمات المرتبطة بالاسلام الأصولي. ولكنها تراجعت عندما لمست أن الشارع الأميركي بدأ يمل عملية استثمار ظاهرة «الإرهاب العالمي» من أجل توطيد إرهاب أميركي في فلسطين والعراق وافغانستان وباكستان. لذلك راهن على أوباما كوجه آخر من الوجوه العابرة التي تمثلت بالرئيس كينيدي، على أمل انقاذ الامبراطورية الأميركية التي ولدت سنة 1991 وتعرضت للاحتضار سنة 2008. عن صحيفة الحياة 15/3/2008