انهم يكتبون.. لأنفسهم!! محمد خرّوب كان لافتاً وباعثاً على الاسى والحزن، مثلما الغضب والاحباط، ما انتهى اليه اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية (انتبهوا جيداً) في ختام دورته غير العادية يوم الاربعاء الماضي، والذي كشف في شكل غير قابل للتأويل، عمق العجز الذي يعيشه النظام العربي الراهن والذي لا يحتاج المرء الى كبير جهد لرؤيته حيث يتبدى في احتراف العرب لمهنة اصدار البيانات المنطوية على تحذيرات وتأكيدات وخلطة سحرية من المفردات الخشبية البائسة التي فقدت مدلولاتها ومعانيها، حيث لم يعد خبراء لجان صياغة البيانات العربية على أي مستوى تريد بدءاً بالقمة وليس انتهاء باستدعاء او برقية لأمين عام الأممالمتحدة، الى هدر المزيد من الوقت واضاعة المزيد من الساعات لتدبيج بيان غير مسبوق .. بل ان كل ما عليهم هو العودة الى غرف الارشيف وانتزاع أي ورقة او وثيقة او ملف ثم القيام ب تحديث تاريخ وموضوع البيان القديم وتوزيعه على الصحفيين ووسائل الاعلام، ليتم تداوله على نطاق واسع ولتضاف حلقة اخرى الى حلقات الحكي والرغي والتكاذب العربي.. لعل اكثر ما يصدق عليه الوصف السابق، هو بيان المجلس الوزاري العربي الذي التأم في القاهرة، والذي عاد فيه موضوع المبادرة العربية للسلام (طبعة بيروت 2002 بنسختها المزيدة والمنقحة والمعتمدة في قمة الرياض 2007) الى صدارة جدول اعمال الدورة غير العادية، بعد ان وضعتهم محرقة شتاء حار امام معضلة خطيرة. وقلبت رزنامتهم التي كانت مكرسة في الاساس لمناقشة الملف اللبناني، الذي بات على نحو لافت وغير مسبوق ويدعو للتساؤل كما الاستغراب، موضع اهتمام العرب ومحور دبلوماسيتهم والقضية الاولى على جدول اعمالهم، الذي - من اسف - لا يكتبونه هم، بل يفرض عليهم.. اولمرت وباراك كتبا جدول اعمال جديداً عندما شرعا في تنفيذ محرقة حقيقية لاهالي غزة وخصوصا اطفالها الرضع، نساؤها والشيوخ، ولم يكونا يدركان او هم نسوا او تناسوا ان رؤساء الدبلوماسية العربية سيلتقون في الخامس من اذار ليقرروا مستقبل قمة دمشق الدورية وليعيدوا احياء ملفات الردح الاعلامي واعادة دبلوماسية المحاور الى الساحات العربية بعد ان كانوا تعاهدوا او قل توافقوا وان شئت تكاذبوا بعدم العودة الى المهاترات والحملات الاعلامية. وقع الايهودان اولمرت وباراك، في شر اعمالهما فأثاروا عرب ما بعد الحادي عشر من ايلول، ولم يجد عربنا (حتى لا نقول العربان) غير التلويح مجرد التلويح بمراجعة المبادرة العربية للسلام اذا ما واصلت اسرائيل عدوانها. المدقق في لغة البيان ومدلولات الكلمات التي صيغ بها هذا البيان العتيد، يلحظ على الفور رخاوة واضحة في مجرد التهديد بالتلويح واصرارا عربيا على تجاهل او انكار الرفض الاميركي والاسرائيلي المعلنين لها، وان لا وجود لمثل هذه المبادرة العربية على جدول اعمال الحليفين، بل الأهم من ذلك ان احدا في عواصم القرار الدولي، لا يأتي بذكر على هذه المبادرة واذا ما ذكرها مسؤول غربي، اميركي او اسرائيلي فانما للمجاملة وتقطيع الوقت والايحاء بان هناك اشياء ايجابية في هذه المبادرة لكن اسرائيل لا يمكن ان تقبل بها مرجعية لمفاوضاتها مع الفلسطينيين كما قال ايهود اولمرت حرفيا، وكما هي حال السلطة الفلسطينية المنخرطة في مفاوضات مع الجانب الاسرائيلي وفق تفاهمات انابوليس حيث لا ذكر للمبادرة العربية فيها. العرب اذاً يتحدثون مع انفسهم كما حال السائر في عتمة الليل ووحشة الطريق، فيلجأ للغناء او رفع الصوت لايهام الذي يتربص به (وهو غير متخيل في الحال العربي) انه على يقظة وليس على قلق او خشية من خوف، لكن العرب عرب اليوم كلهم في وضع يُرى ولا يرى ولا عزاء لكل الذين اختاروا السلام خياراً استراتيجياً ورأوا في حرب أكتوبر 73 آخر الحروب، واعتبروا أن التسلح بخيارات اخرى، مجرد مغامرات أو ضربا من ضروب هدر الوقت والجهد والمال ثم حولوا كل تلك الطاقات التي يجب ان تكرس للخصخصة وثقافة الاستهلاك وفتح الطرق السريعة والاوتوسترادات لقطار العولمة وطائراتها وسفنها المبحرة في كل اتجاه. بيان وزراء الخارجية العرب قال .. ان استمرار الجانب العربي في طرح المبادرة العربية للسلام سوف يرتبط بقيام اسرائيل بتنفيذ التزاماتها في اطار المرجعيات الدولية الاساسية لتحقيق السلام في المنطقة . حسنا. اسرائيل لن تقوم بتنفيذ ما وصفه البيان بالتزاماتها وهي كما يعرف الوزراء العرب، لم تلزم نفسها بشيء بل هي وحتى لا تترك أي وهم لدى العرب، تقوم بارتكاب جرائم حرب وحروب ابادة جماعية وجرائم ضد الانسانية، ولا تقيم وزنا لاتفاقية جنيف الرابعة او تعر اهتماماً بقرارات الاممالمتحدة وقد نجح الوزراء العرب (وهذا يسجل لهم للامانة) في وصف اسرائيل بعدم الجدية في تعاملها مع ما قدم من مقترحات للسلام ومن ضمنها المبادرة العربية. كل هذا واضح. لكن السؤال الذي تفادى الوزراء العرب الاجابة عليه. ما هي خطوتكم التالية ازاء مقارفات اسرائيل وإذا ما سحبتم المبادرة التي هي بمثابة ورقة توت تخفي عجز العرب وانعدام قدرتهم على مواجهة تحدي اسرائيل وعربدتها سياسياً ودبلوماسياً (ولا نقول عسكرياً ابداً وحاشا لله). الجواب معروف لدى الجمهور العربي، والتركيز على الفراغ الرئاسي في لبنان هو ابعاد الانظار عن هذا العجز اكثر من رغبة في اطفاء الحرائق وبؤر التوتر العربية (دع عنك فلسطين دائماً). .. عظم الله اجركم. عن صحيفة الرأي الاردنية 8/3/2008