وافتقدت أغنية ' الليلة عيد 'عندما فاز المنتخب المصري * سليم عزوز
سليم عزوز نائب رئيس تحرير جريدة الأحرار أينما تولى أذنك في المحروسة هذه الأيام ستسمع أغنية 'يا حبيبتي يا مصر' للفنانة الرائعة شادية.. فنحن نعيش في زمن الانتصارات الكبرى، بعد فوز المنتخب المصري على نظيره الجزائري، وتوج النصر بالفوز بكأس الأمم الافريقية.
الفوز على الجزائر نظر إليه البعض على انه يكفي، حيث اعتبروا 'المباراة' ردا للاعتبار، وأخذا للثأر، وانتصارا للكرامة التي تبددت في موقعة 'مرج دابق' التي جرت على أرض السودان الشقيق. ولم يكن مسموحاً لإعلام الفتنة بأكثر من ذلك هذه المرة، فقد صدرت التعليمات إليه بضبط النفس، وعدم تعريض البلاد لأزمة أخرى مع الأشقاء في الجزائر.
مثلي ضد الأوامر التي تصدر من اعلى للإعلام، لكن نحن في مواجهة إعلام غير مسؤول ومقدمي برامج يتمتعون بالجهل النشط، إذا 'سئلوا الفتنة لأتوها'، ومن هنا فنحن مع مثل هذه التعليمات وبعض من صدرت لهم يجوز فرض الوصاية عليهم، لأنهم سفهاء.. ويجوز قانونا الحجر على السفيه.
هو إعلام 'كيد النساء' بامتياز، فقد صاح احدهم في الفضاء السعودي الفسيح: لماذا يكرهوننا؟!.. وكأن صيحته هي كلمة 'سر الليل'، فتدافع مقدمو البرامج من النوع سالف الذكر في وصلة ردح معتبرة، ولم يقف الآخرون في الجزائر مكتوفي الأيدي، فوقعت الفتنة الكبرى، التي جعلت صديقي وزميلي في هذه الزاوية توفيق رباحي يخرج عن شعوره ويدعو للقطيعة مع 'الشقيقة الكبرى'.. فلا يبيعون لنا ولا نبيع لهم، ولا نتزوج منهم ولا يتزوجون منا.
قراء رباحي في مصر أكثر من قرائه في الجزائر، وكلما كتب مقالا في الآونة الأخيرة: سألني قراؤه في المحروسة: ماذا بتوفيق؟
رباحي روحه مصرية خالصة، ومصريون كثيرون يفتقدون لهذه الروح في الكتابة.. وربما لهذا فان أحدا لم يغضب من الخشونة في كلماته، واعتقد انه في تعامله مع مصر هو شبيه بحالة شاعرنا المرموق نزار قباني في ضيقه بعروبته، وقد استدرك وأنشد: وإذا قسوت على العروبة مرة.. فقد تضيق بكحلها الأهداب !
أهل الحكم في مصر تصرفوا على قدر من المسؤولية في مباراة كأس الأمم الأفريقية، فمنعوا الإعلام الموتور من ان يمارس جاهليته، لا بأس من المبالغة في الفرح، وإذا لم يكن من العسير تحقيق الفرح في المجال السياسي، فليلتمسوا هذا على يد الكابتن حسن شحاته.. هناك من 'أخذتهم الجلالة' ورشحوه رئيسا بديلا للبلاد، بشكل يدعو للإشفاق عليه.. نظرا لان هناك من 'يستملح' جهله فيستمر في الدعوة لذلك.
وقد نفاجأ بحملة ' تقطيع ملابسه' عبر الإعلام الرسمي، على النحو الذي حدث مع الدكتور محمد البرادعي، والدكتور ايمن نور، والسيد عمرو موسى، وكل من يتم طرحه بديلا !
لا بأس ان جرت المبالغة في الفرح، وأصبحت أغنية شادية هي المقرر الدراسي علينا، التي تعيدنا الى زمن الانتصار الرائع على إسرائيل، والتي كانت الجزائر جزءا منه، على النحو الذي أورده محمد حسنين هيكل في حلقاته الأخيرة على قناة 'الجزيرة'، ومنذ وقوع الهزيمة في سنة 1967، الى درجة ان الزعيم الجزائري بومدين عرض على زعيم الاتحاد السوفييتي ان يوقع له شيكا بثمن السلاح الذي تحتاجه مصر، ولم يكن القوم تجار سلاح وقتها، لكنه أحرجهم بحدة الثائر.
الليلة عيد
لا داعي للبكاء على اللبن المسكوب، فشادية أعادتنا الى زمن الانتصارات العظيمة، وان كانت أغنيتها تستخدم 'عمال على بطال'، حتى عندما قام الرئيس السادات باعتقال كل خصومه من كل ألوان الطيف السياسي.. كانت أغنية شادية 'يا حبيبتي يا مصر' هي المقرر على الراديو والتلفزيون، ضمن أغنيات أخرى، من بينها أغنية ياسمين الخيام 'الليلة عيد'!
ربما تكون أغنية ياسمين هي الأوقع بمناسبة فوز المنتخب المصري على نظيره الجزائري، وحصول مصر على كأس الأمم الأفريقية، لأن صوت ياسمين الخيام 'فرايحي'، أما صوت شادية في هذه الأغنية فيبدو محملا بأطنان من الشجن، ربما تصلح للاستعداد للحرب.. وربما يصلح صوتها لرثاء طفل تاه من أمه في 'سوق الجمعة'.
في رحلاتي المكوكية بين القنوات التلفزيونية المصرية، لم استمع الى أغنية 'الليلة عيد'، اخشى ان يكون قد جرى لها ما جرى لتراث التلفزيون من تبديد، بفعل فاعل او بفعل جاهل.
وقد يرجع البعض عدم إذاعة أغنية 'الليلة عيد' لياسمين الخيام احتراما لقرارها بالاعتزال، لكن شادية كانت سباقة في ذلك، وهي لم تعتزل الفن وحسب، ولكنها اعتزلت الناس أيضا، ولا يمل القوم في تلفزيون الريادة الإعلامية من عرض فيلم 'حمام الملاطيلي'، علما بأن بطلته شمس البارودي طالبت بوقف عرضه منذ ان اعتزلت الفن، وارتدت النقاب، ثم الحجاب بعد ذلك.
لا بأس فصوت شادية يأخذنا من زمن 'بحبك يا حمار' لخالد الذكر 'سعد الصغير' الى الزمن الجميل.. زمن ام كلثوم، وعبد الوهاب، وفريد الأطرش، ونجاة، وفايزة احمد، ووردة الجزائرية.
لدي سبب شخصي يكمن في سعادتي بفوز الفريق المصري بكأس الأمم الأفريقية، وهو شعوري بأنني لم اعد هذا الشخص النحس، وقد لا تعرفون ان مسؤولا بالسفارة العراقية في القاهرة دخل معي في حديث مطول ومكرر من اجل حملي لزيارة بغداد.
كنت من الذين هاجموا الرئيس الشهيد صدام حسين لغزوه الكويت، وحصلت على العديد من الكتب التي تتحدث عن استبداده، وهالني حجم ما فعله في خصومه السياسيين، فاعتبرتها حربا شخصية ضده. لكن مسؤول السفارة ألح علي، واعتذرت ولم ييأس، وكلما أصر لعبت قبيلة من الفئران في صدري، فلست 'الكاتب الضرورة' ولا 'الصحافي النجم' الذي اذا حل بأرض العراق، اعتبر هذا دليلا على عدالة قضيته.
سعى الرجل لإحراجي: كنت ضد صدام حسين لأنه قام بغزو الكويت، ولأنه حاكم مستبد، المعركة الان ليست مع الكويت او الاستبداد، لكنها معركة مع الأمريكان الذين يحاصرون الشعب العراقي بهدف تجويعه.. معقولة تكون مع الأمريكان يا سيد عزوز؟ !
لست مع الأمريكان يا سيد، لكن من يضمن لي ألا يتم الانتقام مني؟.. أجاب على الفور: انا. قلت: ضعف الطالب والمطلوب. أضحكني عندما قال لو حدث لك مكروه في العراق فلن يسكت النظام المصري .. وأردف: نحن واعون لذلك. قلت له ان الخارجية المصرية سوف تصدر بيانا تقول فيه: 'ان الفقيد مات منتحرا بعد ان شعر بوخز الضمير'، أو 'لقى حتفه بعد ان أكل وجبة عراقية دسمة كبست على مراوحه'، لتكون 'ميتة' وفضيحة للورثة.
ولأنه تنتابني أحيانا لحظات تهور تشبه لحظة صاحب: 'الخيل والليل والبيداء تعرفني'، فقد قبلت الدعوة زرت بغداد، وكان قدومي شؤما على اهل العراق، ما عدا بالطبع سكان المنطقة الخضراء الآن!
لم أكد اترك بغداد يا قراء، حتى دق بوش طبول الحرب. فكرت ان ازور الولاياتالمتحدةالأمريكية، لولا ما كتبه عبد الباري عطوان تحت عنوان: 'كشف العورات العربية في المطارات الأمريكية'.
مداخلات علاء مبارك
منحوس أنا، أو هكذا كنت، ففي حياتي كلها لم أشاهد سوى ثلاث مباريات تلفزيونيا: الأولى بين مصر والجزائر في القاهرة، والثانية بين الجزائر ومصر في انغولا، والثالثة بين مصر وغانا.. ومن الملاحظ انه في المباريات الثلاث فاز المنتخب المصري.
في المباراة الأخيرة كان نجلا الرئيس مبارك على رأس المشجعين.. وفي السوابق المماثلة يأتي جمال مبارك إلى مطار القاهرة، وكأنه هو من أحرز عموم الأهداف.. لا مشكلة لنا مع نجله الأكبر علاء، الذي قام بأكثر من مداخلة تلفزيونية عقب ما جرى في مباراة السودان..
آخرون لا يعرفون حتى كيف يبتسمون، وهم بحالتهم يؤكدون كذب ما يتردد علميا من ان الضحك والابتسام من الدوافع الفطرية.. ويؤكدون بحالتهم ان الضحك والابتسام من العادات المكتسبة.. ولذا فهم يبدون كما لو كانوا يتعلمون الضحك 'على كبر'.. المذيعة منى الشاذلي 'نموذجا'!.
فاخترق كلام علاء مبارك على بساطته قلوب بعض الناس، ومن استضافوه كانوا يعيدون ويزيدون في انهم يتعاملون معه بصفته الشخصية وكمواطن مصري وليس كابن لرئيس الجمهورية.. احدى المداخلات اقتربت من النصف ساعة، ولم يهتم البسطاء بملاحظة ان المواطنين العاديين لا يمكن ان تستغرق مداخلاتهم كل هذه الفترة الزمنية.
طوال المباراة مع غانا، وانا مشغول بوجود جمال مبارك هناك، لكن من حسن الحظ ان 'الجزيرة الرياضية' هي من تحتكر البث، فلم تنشغل به، وكذلك الحال بالنسبة للمعلق التونسي الذي لم يركز على خبر وجوده.. لو كان التلفزيون المصري هو من يقوم بذلك لتركت كاميراته الملعب ولركزت عليه.
تماما كما كان المعلق الشهير محمد لطيف رحمه الله يفعل، عندما يترك المباراة ويشكر رجال الأمن، ثم يروي قصة حياته.. مع ان تعليقه يكون في بعض الأحيان عبر الراديو للمستمعين.
الكرة جوال
كابتن لطيف هو صاحب القول المأُثور: 'الكرة جوال'، وقد بدا لي اللاعبون الغينيون لخفتهم كما لو كانوا عفاريت في الملعب، لكن مصر هي التي فازت بهدف نظيف!
عندما عاد القوم الى القاهرة، بالغ جمال مبارك في اظهار فرحته، لكن تلفزيون البلاد لم ينجح في تقديمه للرأي العام على انه من حقق الفوز.
ولا يزال تلفزيوننا خاصه وعامه يحتفل بهذا النصر، وقد اعتبرت ذلك فرصة لننسى السادة المسؤولين.. لكن الفضائيات أخذت تنافس بعضها في استضافة السادة المسؤولين.. الوزراء وغيرهم، ويبدأ الحديث غالبا بسؤال السيد الوزير عن شعوره الآن بعد هذا النصر التاريخي؟.. فيرد بأنه سعيد جدا جدا. حضرتك يا افندم شاهدت المباراة فين؟.. في البيت طبعا.. ويسأل المذيع: مع المدام والأولاد؟.. ايوه المدام كانت جنبي وكانت فرحة للغاية (أكيد مع المدام وليس مع بنت الجيران).. وما هو شعور المدام بهذا النصر يا افندم؟.. 'مثل شعوري بحضرتك.. هو.. مبسوطة، وتكاد (تموت) من الانبساط '(يا رب يا مسهل كل امر عسير).
عبد المنعم عمارة وزير الشباب الأسبق، ظهر في احدى القنوات التلفزيونية وارجع النصر الذي تحقق الى الرئيس مبارك، لأنه التقى المنتخب المصري عقب عودته مهزوما من السودان، فكان هذا سببا في ارتفاع الروح المعنوية له.