هذا المشهد الرائع الذي أنقله (كتابة) من "ميدان التحرير"، حيث وجدت من غير المعقول ومن غير المقبول أن أقبع في مكتبي أمام شاشات التليفزيون والفضائيات الناقلة للأحداث من "ميدان التحرير" وميادين وشوارع أخري في "مصر"، وأستطيع الاستمرار في هذا الوضع. ففي يوم (27يناير) بعد أحداث (25يناير) وكذلك تلك المواجهات الدامية التي قلبت موازين "المشهد المتحضر" المنقول بالإعلام غير المصري وتحدثت مع زملائي الذين رافقني أحدهم وهو صديقي "د.سعيد الوتيري" وزميلي المهندس "عادل مصطفي"، لكي نذهب إلي "الميدان"، وفي صباح (27يناير)، ذهبت إلي شارع "قصر العيني" حتي توقفت السيارة الناقلة لنا عن السير، لعدم إمكانية الاقتراب من الميدان أكثر من ذلك، وترجلنا إلي الميدان، حيث قامت عناصر القوات المسلحة بتوجيهنا إلي مدخل الميدان المخصص للدخول من أمام (جامعة الدول العربية) و(كوبري قصر النيل)، وقوبلنا بعملية تفتيش ومراجعة البطاقات الشخصية والهوية التي نحملها من مجموعة شباب متطوع من أفراد الثورة وخصص مدخل للسيدات ومدخل للرجال، ويقمن فتيات في عمر وشكل الزهور بتفتيش السيدات، وكذلك شباب بنفس المهمة للرجال، ويقف أفراد القوات المسلحة شاهداً وليس مشاركاً، في التفتيش أو في المنع أو القبول لأحد بالدخول، وفوراً وجدنا أنفسنا في نهر أو بمعني أصح بحر من البشر، أمواج هادرة من المصريين شباب ورجال ونساء وأطفال، وتجمعات حول شخص أو تجمعات حول لوحات تنادي بمطالب متعددة. مع مجموعات تضرب علي آلات موسيقية، غناء وطني، مع بث من محطات إذاعية داخلية لأغان وطنية تصدرتها أغنية "شادية" (ياحبيبتي يا مصر يا مصر)، و(نشيد الوطن الأكبر) و(نشيد بلادي)، و(صورة صورة) "لعبدالحليم حافظ" تصدر المشهد تلك الموسيقي الوطنية التي تعتصر، وقد أعتصرت القلوب في زمن الثورة وزمن الفرح الوطني في المناسبات الوطنية التي يعتز بها شعب مصر، (كعيد نصر أكتوبر) و(أعياد ثورة يوليو) وحتي تلك الأفراح التي كان يعيشها المصريون بعد فوزهم في مباريات كرة قدم عالمية أو إقليمية، تلك الموسيقي الدافعة في نفس المصريين بالدماء الذكية والروح الوطنية التي نسيناها أو تناسيناها إلا في مناسبات الفوز بماتشات كرة قدم بعينها!! ولكن ذلك المشهد الرائع، المصريون في ميدان التحرير تلاحمت أجسادهم تحت ظلال الدبابات المصرية، افترش شباب الثورة في وقت راحتهم بعض البطاطين أو حتي الكرتون تحت دبابة أو عربة مصفحة، من مركبات القوات المسلحة للنوم والارتكان للراحة أو الهدوء، هكذا كان المنظر أو المشهد، قبل أن نصدم جميعاً - من في الميدان ومن خارج المشهد - بهؤلاء المتحركين من خارج المشهد (لتلويثه)- بالضرب بالملوتوف والهجوم الراكب لعناصر مدفوعة الأجر تمتطي الحيوانات (جمال وأحصنة وحمير وبغال) قادمة من العصور الوسطي في مصر، وفي عقول من حركوهم، وسرعان ما عادت علي أعقابها، وعاد المشهد كما هو قائم يستظل الثوار بالدبابات والمدرعات وغناء الزمن الجميل من الوطنيات المصرية مشعلة في نفوس المصريين آمال عظيمة لغد أعظم!!