فاكرين عندما كانت تغنى شادية «مصر اليوم فى عيد».. ساعتها كان عندنا عيد، وكان عندنا شعور بفرحة العيد.. كان عندنا نصر عسكرى ونصر سياسى، يخليك تشعر بالفرحة الحقيقية، ويخليك فى جو تانى.. عيد وعيدية وفرحة ونصر، ولبس جديد ووجوه فرحانة، وعيال بتلعب.. كل ده فين مع أن العيد بكرة؟.. صحيح كل ده راح فين؟.. اسألوا العريش الحرة أو بورسعيد..اسألوا أهل الصعيد؟! حاولت أشوف يمكن يكون مجرد شعور خاص عندى، يمكن تكون مسألة تخصنى وحدى، والناس كلها فرحانة، والعيد فى كل شىء حولنا.. حاولت أقرأ مانشيتات الصحف والأعمدة الصحفية، وأشوف القنوات الفضائية، وأسمع الإذاعة.. حاولت أتابع الأخبار يمكن ألاقى خبر يفرح.. كانت الأخبار كلها تغم، لا شىء فيها يدل على أن العيد بكره.. حتى أغنية أم كلثوم «يا ليلة العيد آنستينا» اختفت! لا شىء يدل على العيد.. لا أغانى ولا أفراح، ولا عيدية ولا عيد ولا نصر.. لا كحك عيد ولا صوانى رايحة ولا جاية.. لا عائلات تعمل الكحك ثم توزعه.. هناك أخبار عن المقاطعة.. مقاطعة الكحك ومقاطعة الانتخابات.. هناك موانع لعمل الكحك، وهناك أيضاً موانع لإجراء الانتخابات.. عندما تكون هناك ديمقراطية لإجراء الانتخابات، سيكون هناك مبرر لعمل الكحك، ومبرر للفرحة ومبرر للعيد.. مصادفة غريبة، وتوافق غريب! لا كحك يعنى لا عيد.. يعنى لا فرحة، ويعنى أن شادية كان لابد تسكت ولا تغنى، وتعتزل الغناء.. لأن مصر لم تعد فى عيد.. فلماذا تغنى شادية، ولماذا تغنى أم كلثوم؟.. هذه اعتزلت وتلك ماتت وسكت الغناء.. لماذا نغنى؟.. مبررات الصمت أكبر من مبررات الغناء.. قد نغنى عندما تصبح مصر فى عيد.. ونفرح ونعيد ويلعب الأولاد، وعندها قد نعمل الكحك، ولا نقاطع الانتخابات! كل المؤشرات كانت تدعو للفرحة، بعد صيام شهر رمضان، وكل المؤشرات كانت تدعو للسعادة، بعد الانتصار على النفس، بالصيام فى حر أغسطس.. لكن لا أعرف لماذا يبدو المصريون مكتئبين؟.. نصفهم فى الشارع يتسول الشنطة والزكاة، ونصفهم الآخر يتابع المسلسلات.. بعد أن تحول شهر الطاعات والعبادات، إلى شهر المسلسلات.. لا فرق بين الناس، لا فى بحرى ولا قبلى! قلّبت فى صحف الصباح بلا ترتيب.. العناوين تتحدث عن محاكمة نواب العلاج، الذين سرقوا مصر، وصرفوا مخصصات العلاج لأسماء مجهولة ووهمية.. وتتحدث عن منع الفلاحين، من حضور مؤتمر جمال مبارك فى محلة مرحوم.. وتتحدث عن مقاطعة الكحك والانتخابات.. وتتحدث عن هروب كريازى وولده إلى إسبانيا، وصور بنت البرادعى! شىء يسد النفس، قبل العيد.. شىء يجعلك لا تسمع الأغانى ولا تطيقها.. لأنك تسمع دوى الرصاص، بسبب انتخابات لم تظهر ملامحها بعد، ومعناها أننا ننتظر بحور الدم.. لأننا لا نعرف الانتخابات ولا نؤمن بها، ولا نعرف ثقافة الانتخابات.. نعرف ثقافة الاستبعاد، ونؤمن بفكر الإزاحة من الوجود.. وفى ظل هذا المزاج العام، لا تنفع الأغانى، ولا تشعر بأن مصر اليوم فى عيد! المصريون كانوا ينتظرون العيدية، فإذا هى تصريحات انتخابية، والمصريون كانوا ينتظرون الفرج، والإفراج عن المعتقلين.. فلا العيدية حدثت بإلغاء الطوارئ، ولا بالإفراج عن المعتقلين فى سجون مصر.. لا نصر معنوى ولا نصر عسكرى، ولا نصر سياسى ولا اقتصادى.. فلماذا تغنى شادية مصر اليوم فى عيد؟.. كان لابد أن تعتزل الغناء وتختفى، وقد كان.. تحياتى!