مشكلة أوروبية أنس زاهد تصريحات وزير الداخلية الألماني التي طالب من خلالها الصحافة الأوروبية كلها ، بإعادة نشر الرسوم الكاريكاتورية التي تسخر من شخص الرسول الكريم ، فيها إساءة كبيرة لأكبر الأقليات في المجتمع الألماني الذي يحتل فيه المسلمون المرتبة الثانية من حيث التعداد السكاني . هذه التصريحات المشينة سبقتها حملات إعلامية وسياسية كبيرة في أوروبا ، تتهم الأقليات المسلمة بعدم محاولتها الاندماج ثقافيا واجتماعيا في البلاد الأوروبية التي هاجرت إليها . ولو كان ما تقوله هذه الحملات فيه شيء من الصحة ، فإن تصريحات وزير الداخلية الألماني وما سبقها من حملات دعائية مغرضة من بعض وسائل الإعلام ومن بعض السياسيين اليمينيين المتطرفين ، هي السبب الأول في اتخاذ بعض أفراد ومجموعات هذه الجاليات ، قرار العيش في عزلة عن المجتمعات التي يعيشون فيها . يقول الباحث علاء بيومي الذي قام بعرض كتاب ( قارة الرب ) لمؤلفه الدكتور فيليب جينكينز أستاذ التاريخ والأديان بجامعة بنسيلفينا بأميركا، ومن ترجمة الأستاذ علاء بيومي: (هناك اختلاط كبير بين الديني بالسياسي بالدولي في العلاقة بين الإسلام والمسيحية في الفترة الحالية، حيث تسعى بعض الأقليات المتطرفة في عصر «الحرب على الإرهاب» إلى تعبئة مخاوف المجتمعات الغربية من الإسلام والمسلمين مستخدمة أرخص الأكاذيب). وعن وضع الأقليات المسلمة في أوروبا يقول جينكينز: (أوضاع المسلمين في أوروبا والمشاكل العديدة التي يعانون منها، ساهمت في أن يتحولوا في بعض الدول إلى «غيتو» معزول يعاني من الفقر والبطالة والجرائم والتمييز، مما جعلهم طبقة اقتصادية وإثنية معزولة ، وملئت بهم سجون بعض الدول الأوروبية. هذه المشاكل اقتصادية وسياسية بالأساس ويجب على وسائل الإعلام الغربية عدم الزج بالإسلام عند تغطية مشاكل الأقليات المسلمة بأوروبا). مسألة الاندماج التي يطالب بها الأوروبيون، لها أبعاد مختلفة، والمسؤولية الأكبر تقع فيها على المجتمعات الأوروبية نفسها، خصوصا إذا عدنا إلى معطى مهم جدا أثاره الدكتور جينكينز في كتابه المشار إليه ، حيث قال بوجود نسبة ليست بالقليلة من أبناء المهاجرين المسلمين غير معنية بالدين بذلك الشكل الذي يحاول الإعلام الأوروبي ومن ورائه الأميركي والصهيوني ، تصويره . البعد العنصري في المسألة يجب إبرازه بالشكل الذي يستحقه . فالتيارات والأحزاب السياسية التي تطالب - على الطريقة النازية - بالنقاء العرقي وبطرد المهاجرين الذين ينحدرون من أصول عربية وإسلامية ، أصبحت تزداد يوما بعد يوم. والأنكى من ذلك أن بعض السياسيين الذين ينتمون إلى أحزاب عريقة كالحزب الديمقراطي المسيحي الحاكم في ألمانيا اليوم ، يتبنون آراءً عنصرية قرأنا شيئا منها على لسان وزير الداخلية الألماني. العنصرية والتمييز ضد الأقليات ، هما مشكلتان أوروبيتان بالدرجة الأولى . يجب أن تعترف مجتمعات أوروبا بذلك ، ولا تلقي باللوم على المهاجرين الذين رفضوا الاندماج كما يزعمون. عن صحيفة المدينة السعودية 5/3/2008