أثار قرار المدعى العام الألمانى فى دريسدن بحظر النشر فى قضية مقتل مروة الشربينى جدلاً واسعاً، حيث اعتبره بعض المؤيدين للضحية على المواقع الإلكترونية تواطؤاً ضد الضحية، ورغبة من المحكمة فى عدم القصاص من المتطرف الألمانى، وتناولت الصحف المصرية القرار الألمانى بحظر النشر أمس فى صدر صفحاتها الأولى معلقة على الخبر بأنه مفاجئ. واختلف أساتذة القانون الدولى حول معنى مصطلح حظر النشر الذى أطلقه المدعى العام الألمانى، وتفسيرهم لهذا القرار، فنفى الدكتور محمد نور فرحات أستاذ الفقه القانونى والفقيه الدستورى وجود فكرة حظر نشر للصحف فى ألمانيا وأوروبا بأكملها، واعتبر مصطلح «حظر النشر» من الأساس بدعة مصرية وعربية وقال «يجب التفريق بين قرارين، الأول هو أن يصدر النائب العام الألمانى قرارا يحظر على الصحف نشر أى أخبار أو تعليقات متعلقة بقضية معينة، وبين أن يصدر قراراً يمنع جهات التحقيق من التصريح بأى شىء عن القضية، فما تناولته الصحف خاطئ لأن المدعى العام لم يصدر قراراً بحظر النشر لأن سلطته لا تمتد إلى الصحف الألمانية، وإنما أصدر قرارا يمنع جهة التحقيق من الإدلاء بمعلومات، وذلك يساعدهم على تقصى الحقائق بشكل أكبر، وفى هذه الحالة إذا استطاع الصحفى الحصول على معلومة موثقة من مصادر التحقيق بأى طريقة يمكنه نشرها ولا يحاسب على ذلك، فالدول الأوروبية تتعامل مع النشر باعتباره حقا للمواطن لمعرفة الحقيقة وليس مثلما يحدث فى مصر، فمصطلح «حظر النشر» الذى يعنى منع الصحف من كتابة معلوماتها عن القضية ليس سوى بدعة مصرية وعربية فقط. واختلف المستشار عادل قورة، رئيس محكمة النقض السابق، مع الرأى السابق، وقال «يوجد بالطبع قرار لحظر النشر فى القانون المقارن فى جميع دول العالم، ومنع النشر فى أى جريمة من الجرائم أمر تتخذه سلطات التحقيق لمنع معرفة إجراءاتها فى القبض على شخص متورط أو التحقيق مع شاهد مهم لضمان سير العدالة وحتى لا يتدخل الإعلام فى توجيه الرأى العام فى اتجاه معين يؤثر على الحكم القضائى ويشوش على العدالة، وسلطة المدعى العام الألمانى ملزمة للصحف الألمانية بالطبع، ولا تشمل نشر الأخبار العادية المتعلقة بسير جلسات المحاكمة». وقال الدكتور أنور رسلان، عميد كلية الحقوق وعضو اللجنة التشريعية بمجلس الشورى، «المبدأ العام لحظر النشر يعطى الحق للسلطات القضائية والنيابية منع الصحف من النشر فى القضية المثارة لما تشكله من حساسيات وإثارة للرأى العام قد تشكل حرجاً للقضاء فى إصدار حكمه أو تشوش عليه، والهدف منه يكون فى مصلحة المجنى عليه للوصول للجانى، وعدم ظلم المتهم، لكن كل قانون قد يكون مختلفاً فى تطبيق هذا المبدأ العام، فيكون معنى مصطلح حظر النشر فى ألمانيا، مختلفاً عن معناه السائد فى مصر والذى سبق أن شاهدناه فى قضية هشام طلعت مصطفى، وأعتقد أن قرار الحظر مهما اختلف معناه إذا كان ملزما للصحف أو لجهات التحقيق فتفسيره هو منع البلبلة فى ألمانيا، خاصة أن قضية مقتل مروة الشربينى تثير الجالية الإسلامية والمسلمين الألمان فى ألمانيا بشكل كبير». أما والد الضحية فقد انتقد قرار حظر النشر فى قضية ابنته، مشيرًا إلى أنه سيلجأ للمحاكم الدولية للحفاظ على حق ابنته، ومن جانبه قال الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية، إن سبب قتلها يرجع إلى النظرة الغربية المشوهة عن الإسلام. واعتبر الدكتور أحمد كمال أبوالمجد، نائب رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان، أن القضية دليل على فشل الحوار الإسلامى الغربى، وقال: «المجتمع الألمانى يعانى من بعض عناصر التطرف، ولكن هناك ثقة فى أن ألمانيا حكومة وشعبا بمنأى عن هذه الجريمة». الصحافة الألمانية: ألمانيا تحارب الحجاب بسلطتيها التشريعية والقضائية من ناحية أخرى اعترفت صحيفة «دير تاجسشبيجل» الألمانية، أن ألمانيا تحارب ارتداء الحجاب داخل حدودها الجغرافية بالسلطتين التشريعية والقضائية، مؤكدة أن محكمة دريسدن لن تحاكم القاضى أو معاونيه. ونقلت صحيفة «فرانكفورتر الجماينة»، انتقادات أيمن مازييك، السكرتير العام للمجلس الاستشارى الإسلامى بألمانيا، للسفير المصرى ببرلين، لوصفه مقتل مروة الشربينى بأنه حادث إجرامى استثنائى، وقال إن عز الدين أهدر حق المسلمين بهذه التصريحات - على حد تعبيره. فتحت جريمة قتل مروة الشربيني ملف أوضاع المصريين في الخارج وتصاعد الخطاب العنصري ضد العرب والمسلمين في الغرب والذي تناولته الأقلام بالتحليل والتحذير أيضا... عن الخطاب العنصري وراء الجريمة كتب د. عبد العليم محمد في الأهرام الخطاب العنصري لا يتورع عن اعتبار وجود المسلمين في أوروبا خطرا علي الأمن القومي والهوية الأوروبية, خاصة مع ازدياد عدد أفراد هذه الجاليات العربية والإسلامية, واحتمال فقدان التوازن الديموجرافي وتجاوز عدد الأقليات الإسلامية في أوروبا المعدل المسموح به. ولا شك في أن حصيلة تفاعلات هذا الخطاب مع الواقع الأوروبي, في اللحظة الراهنة, وفي بعض قطاعات منه, تسمح بانهيار الروادع الأخلاقية التي تحظر العدوان علي الأشخاص بسبب لونهم وديانتهم وثقافتهم, وتسهل للقتلة من العنصريين والمتطرفين الأوروبيين التحرر من تلك القيود الأخلاقية والإنسانية العامة, أو تلك القيود القانونية التي يفرضها المجتمع. وينادي بأن تطالب مصر والدول العربية بتجريم التحريض علي الكراهية والعنصرية والتمييز ضد المسلمين والمسلمات في هذه البلدان وإنهاء تلك الازدواجية الأوروبية في المعايير أي مطالبتنا باحترام حقوق الإنسان والأقليات في بلادنا, وانتهاك حق الحياة وتسهيل هذا الانتهاك في البلدان الأوروبية للأقليات المسلمة. ولا شك في أن الاقتصار علي معاقبة القاتل مهما تكن قسوة العقوبة التي ستوقع عليه ليس كافيا لمحاربة التيار العنصري في السياسة والثقافة علي الصعيد الأوروبي ما لم يترافق مع حملة طويلة المدي لمحاصرة الخطاب العنصري وكشف زيفه وفضح لا أخلاقيته ولا إنسانيته. ويلقي نبيل شرف الدين اللائمة على فئة من المهاجرين لم يستيعوا الاندماج داخل مجتمعات الغرب فيقول: المشكلة دون تقعر تكمن لدى هؤلاء المهاجرين الذين يريدون فرض قناعاتهم على المجتمعات الغربية، لهذا تثور بين الحين والآخر أزمات عنوانها الحجاب والنقاب وقوانين الأحوال الشخصية وغيرها، والتقيت مهاجرين منذ عقود فى الغرب، ومع ذلك لا يجيد كثيرون منهم لغة هذه البلدان التى أصبحوا يحملون جنسياتها، مع أن هذا يحول دون استيعابهم قوانين المجتمع، وبالتالى يتعذر حصولهم على حقوقهم، أو اضطلاعهم بواجباتهم، التى لا يمكن اختزالها فى التعامل مع المؤسسات الرسمية، بل تتجاوزها لكل ما يربطهم من علاقات ومصالح بالآخرين، ومن هنا يقع الصدام بين المستقر فى تلك المجتمعات من أعراف وتقاليد، والقادم الذى يرفض الاندماج، ليتحول لنموذج «دونكيشوتى» يحارب طواحين الهواء بسيف خشبى. ويقارن د. محمود عمارة بين أوضاع المهاجرين من المصريين في الستينات وأوضاعهم الآن ويتحدث عن حيرتهم بين العودة والبقاء فيقول : الآن «أوضاع» الجاليات المصرية فى أوروبا وأمريكا سيئة للغاية.. فالمغتربون والمهاجرون هناك واقعون فى «حيص بيص».. لا هم قادرون على الاستمرار فى هذا الجو المشحون بالعنصرية، وأحياناً بالكراهية.. وفى نفس الوقت «مترددون» فى اتخاذ قرار العودة للحياة والاستثمار على أرض المحروسة.. «رعباً» من «الفساد» الضارب فى أطناب المجتمع.. و«تخوفاً» من غموض مستقبل مصر السياسى فى الفترة المقبلة.. والأهم «الرعشة» التى تننتابهم عندما يتعرضون أو يسمعون عن النصابين والحرامية المتخصصين فى سرقة كل مغترب عائد حديثاً!! ويفتح د.سعيد اللاوندي ملف المصريين في الخارج مشيرا الى انه هناك قصورا شديدا في التعامل مع ملف المصريين في الخارج, من تجلياته مثلا أن أحدا علي وجه الدقة لا يعرف كم عدد المصريين المغتربين, سواء في البلدان العربية أو الأجنبية, وما هو التصنيف العمري أو المهني لهم.. وهل هم في معظمهم من الكوادر الفنية أو الإدارية أو الطبية أو الهندسية, وإلي أي حد يمكن اعتبار هجرة شرائح معينة من المصريين نزيفا في عقل مصر.. ويقول أن ظاهرة الإسلاموفوبيا( وتعني الخوف المرضي وغير المبرر من الدين الإسلامي) وكذلك الخلط بين الاسلام والارهاب تطال المصريين كغيرهم من العرب والمسلمين الذين يعيشون خارج بلدانهم.. خاصة أن الاحصائيات تشير الى اعتناق 63 أوروبيا للإسلام يوميا وهي إحصائية تصطك منها أسنان قادة أوروبا وأحزابها ونخبها السياسية المختلفة, لكنها أيضا تشير بأصبع الاتهام نحو المسلمين الذين لا هم لهم كما يزعم نفر من قادة أوروبا سوي إدخال الأوروبيين في حظيرة الإسلام.. وليس خافيا أن أفكارا كهذه تجعل أوروبا تضع كل أبناء الجاليات الإسلامية ومن ضمنها الجالية المصرية في قفص الاتهام, ناهيك عن رصيد الظنون والشكوك وسوء الطوية الذي يزداد مع كل صباح.