منذ يومين اعتدى مجهولون فى اليونان على مصرى يقيم هناك منذ 17 عاما، كما تعرض 4 مصريين لاعتداء مشابه فى منطقة كاليثيا من قبل 15 يونانيا يرجح أن يكونوا من أعضاء الحزب النازى العنصرى «خرس أفغى» أى «الفجر الذهبى».. الجالية المصرية تعيش حالة من الرعب فى اليونان بعد هذه الحوادث وأيضا فى أوروبا كلها مع تكرار الأخبار التى تروى. وتدور جميعها فى سياق الصراعات الدينية فى الغرب الذى تحرر من هذه الصراعات منذ عقود طويلة لكنه على ما يبدو قرر العودة إليها من جديد تحت غطاء الخوف مما أسموه «أسلمة أوروبا».
بالطبع يتحمل المسلمون فى الغرب جانبا كبيرا من المشكلة لعدم قدرتهم على الاندماج داخل المجتمعات الغربية واعتبارها مجتمعات غريبة عنهم ولا يمكن التعايش معها على الرغم من اتخاذهم قرار الهجرة وإصرارهم عليه فضلا عن تشدد البعض منهم وتمسكه بعادات وتقاليد بلاده ورغبته فى ممارسة حياته وكأنه يعيش فى بلده تماما وهو ما يصعب على الغرب تقبله أو فهمه.
أما الجزء الآخر من الأزمة فمسئول عنه مجموعات دينية متطرفة ترى فى الإسلام خطرا يهدد هوية أوروبا وتحررها.
ففى مدينة بون الألمانية الشهيرة والتى كانت فى الماضى عاصمة ألمانياالغربية ومركزا للحياة السياسية والمكان المفضل كسكن للدبلوماسيين. لكن هجرة الدبلوماسيين إلى برلين عاصمة ألمانيا بعد الوحدة عام 1999 جعلت منازل الدبلوماسيين مهجورة وخاوية فعاش بها المهاجرون العرب المسلمون. وتحولت بون الهادئة إلى مدينة المشكلات والصراعات الاجتماعية بين المسلمين الذين هاجروا إليها حديثا سواء من الدول العربية أو حتى الألمان الذين أشهروا إسلامهم وبين عناصر متطرفة فكريا وجماعات اليمين المتطرف فى ألمانيا والذين يشنون حملات ضخمة معادية للإسلام.
وتشير صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية أن آخر الصراعات بين المسلمين واليمين المتطرف كانت منذ شهر عندما تجمع نحو مائتى مسلم من مدن ألمانية مختلفة من أجل الدفاع عن كرامة الإسلام ولنصرة نبيهم محمد «صلى الله عليه وسلم» بعد أن قرر حزب يمينى متطرف فى إقليم شمال نهر الراين وستفاليا عرض رسومات كاريكاتيرية مسيئة للرسول ضمن وقفة مضادة للمسلمين أمام «أكاديمية الملك فهد» التى أقامتها الحكومة السعودية عام .1995
وكانت السلطات الألمانية قد فشلت فى استصدار إنذار قضائى يمنع اليمينيين المتطرفين من عرض تلك الرسومات فلجأت الشرطة إلى وضع شاحناتها الكبيرة أمام الوقفة فى محاولة لحجب الرسومات ومنع المسلمين من مشاهدتها حتى لا يتحول الأمر إلى معركة.
لكن الأمور خرجت عن نطاق السيطرة بالفعل عندما قام أحد الشباب الذين لم يتجاوز عددهم الثلاثين بالوقوف على كتف زميله لرفع إحدى الرسومات وعرضها على المسلمين فى مشهد استفزازى أدى إلى ثورة لدى الجانب الآخر بدأ بعدها إلقاء الحجارة وقطع من أصائص الزرع التى دمرها المتظاهرون المسلمون الغاضبون وقرروا إلقاءها على الشرطة الألمانية التى لا ذنب لها سوى محاولة فض الاشتباك بين الجانبين. وألقت الشرطة القبض على مائة وتسعة أشخاص من المسلمين فيما يواجه أحدهم ويبلغ خمسة وعشرين عاما تهمة الشروع فى القتل بعد تسلله حواجز الشرطة متوجها إلى الجانب الآخر حيث قام بطعن ثلاثة من رجال الشرطة.
وأكد المدعى العام الألمانى أن المسلمين الذين اعتدوا على الضباط كانوا يتعاملون معهم بوصفهم جزءا من دولة تتعمد إهانتهم بالسماح بعرض مثل هذه الرسومات وهو ما اعتبره المدعى العام نوعا مختلفا من العنف لم يعهده رجال الشرطة الذين اعتادوا على رشقهم بالحجارة أو زجاجات المياه خلال التظاهرات لكنهم لم يتعرضوا لاعتداء شخصى من قبل مثل طعنهم كما حدث هذه المرة.
الأزمة الحقيقية بدأت بالفعل عندما قررت مجموعة من السلفيين القيام بحملة لتوزيع نسخ مجانية من القرآن الكريم وهو ما أثار حفيظة المجتمع الألمانى بوجه عام وليس المتطرفين فقط ليس لأنهم يوزعون القرآن فهذا أمر عادى وغير مخالف للقانون فى ألمانيا ويقوم به أصحاب الديانات المختلفة سواء مسيحيين أو معتنقي الساينتولوجى أو غيرها من العقائد لكن المشكلة أن السلفيين هم الذين يديرون هذه الحملة وهم متطرفون فى نظر المجتمع الألمانى.
فعندما انتقد بعض الصحفيين حملة توزيع القرآن تلقوا تهديدات بالقتل فى فيديو تم بثه عبر شبكة الإنترنت وهو ما أكد على هذا الاعتقاد. لكن أحد أساتذة الاجتماع الدينى بجامعة أوزنابروك ويدعى روف سيلان أكد أن السلفيين يمثلون أقلية داخل الأقلية المسلمة فى ألمانيا.
كما حمل رجال السياسة مسئولية تصدير فكرة أن ألمانيا اليوم هى مجتمع المهاجرين والتركيز الخاطئ على السلفيين دون غيرهم من المسلمين فى ألمانيا.
كانت منظمة العفو الدولية قد أصدرت تقريرا مؤخرا يدين عددا من الدول الأوروبية ويتهمها بسوء معاملة المسلمين فى بلادهم.
وأكد التقرير أن ارتداء أى ملابس تعبر عن الخلفية الدينية أو الاجتماعية هو نوع من حرية التعبير ولا يحق لأى دولة أن تجبر أى شخص أو جماعة على ارتداء زى محدد أو منعهم من ارتداء الزى الذى يختارونه لأنفسهم.
وقد نشأ فى السنوات الأخيرة عدد من الجماعات العنصرية فى أوروبا كل منها يحمل اسم البلد الذى ينتمى إليه ومنها جماعة الدفاع الإنجليزية وجماعة الدفاع الألمانية والدانماركية وهكذا. ويخرج الجميع فى مسيرات موحدة معادية للإسلام والمسلمين. وكان آخر هذه المسيرات تلك التى أقيمت فى أبريل الماضى فى مدينة أرهوس الدانماركية. وانتقد هؤلاء المتظاهرون ما أسموه أسلمة أوروبا وأمور مثل الشريعة الإسلامية والذبح الحلال والهجرة إلى غير ذلك من الأمور المرتبطة بالدين والتى يحق للمسلمين ممارستها فى أى مكان طالما لا تضر بغيرهم إلا أن المتظاهرين اعتبروا هذه الأمور دخيلة على ثقافة أوروبا المتحضرة وأنها ضد التقدم والتحضر بوجه عام.
ومجددا قد نجد الخطاب السياسى سببا فى الاحتقان والعنصرية فكان حزب الشعب اليمينى المتطرف فى الدانمارك قد اعترض على تجنب المسلمين المقيمين فى الدانمارك الزواج من غير المسلمين. وامتلأت تصريحات أعضاء حزب الشعب بعبارات كراهية بل إنهم دعوا إلى غلق أبواب الدانمارك تماما أمام المهاجرين المسلمين. وكانت نتائج تقرير الزواج الذى نشرته هيئة الإحصاءات الدانماركية أن جزءا كبيرا من المسلمين لا يفضلون الزواج من الديانات الأخرى إذ بلغت نسبة هؤلاء الذين لا يرحبون بالزواج من غير المسلمين ثمانين بالمائة بينما يشترط من يقبل هذا المبدأ أن يعتنق الطرف الآخر الدين الإسلامى.
وأشار التقرير إلى أن المهاجرين الأتراك والباكستانيين فى الدانمارك هم أقل الجنسيات زواجا من غير المسلمين. وفى أعقاب ذلك صرح المتحدث باسم حزب الشعب الدانماركى بأنه يجب الوصول بعدد المهاجرين المسلمين إلى الدانمارك إلى صفر وأضاف أنه يجب وضع قوانين أكثر صرامة لإجبار المسلمين على الاندماج فى البلاد.
لكن جماعات الدفاع العنصرية هذه لا يتوقف نشاطها على المسيرات والوقفات الاحتجاجية ولكنها تقوم بالإساءة إلى المسلمين فى المساجد والمقابر إلى غير ذلك. ففى فبراير الماضى قامت جماعة الدفاع الدانماركية بإلقاء قطع من لحوم الخنزير أمام مسجد السلطان أيوب التركى بمدينة أرهوس. فوجئ المصلون أثناء خروجهم من المسجد بوجود أعضاء الجماعة العنصرية واشتبك الجانبان قبل أن يلوذ أعضاء الجماعة بالفرار. وجاءت الشرطة وتولت جمع لحوم و أرجل الخنزير التى تركها العنصريون أمام المسجد ووعدوا بإلقاء القبض على المسئولين عن هذه الواقعة.
ولكن فى المقابل هناك محاولات للحد من العنصرية و كان أهمها قرار البرلمان الدانماركى فى مارس الماضى تدريس مادة عن الدين الإسلامى فى المرحلة الابتدائية إلا أن بعض المسئولين أشاروا إلى أن المقصود من تدريس الدين الإسلامى هو تربية الطلاب المسلمين على التسامح الدينى والتقليل من الأصولية والتعصب لدى المتطرفين من المسلمين.
ونجد بعض السياسيين وبعض الصحف فى الدانمارك يغذون روح التعصب من خلال تصريحات عنصرية منها تصريح رئيس جمعية حرية الصحافة الدانماركى الذى وصف المسلمين بأنهم أشخاص يغتصبون أبناءهم بينما قال أحد السياسيين اليمينيين المتعصبين أن المسلمين أغبياء بالفطرة لأن نصفهم نتاج زواج الأقارب والذى أثبت الأبحاث العلمية أنه يؤدى إلى ضعف الذكاء لدى الأبناء.
وفى فرنسا اتخذ عمدة نيس قرارا غريبا الأسبوع الماضى حيث تقرر منع أى نوع من الصخب أثناء احتفالات الزواج داخل المدينة. القرار يمنع إصدار أى صوت يعبر عن الفرح أو التهليل أو رفع أعلام دول أخرى غير فرنسا أثناء الاحتفال بحجة أن هذا يعكر السلم. كما حظر كريستيان استروزى عزف الموسيقى والرقص على الأغانى أثناء هذه الاحتفالات. وقد أدانت الجماعات الحقوقية وعدد من المؤسسات المجتمعية هذا القرار معتبرة أن المقصود به بشكل أساسى هم العرب والمسلمون فى المدينة والذين تتضمن احتفالاتهم بالزواج الزغاريد والأغانى والرقص. وقد قامت بعض هذه المؤسسات الحقوقية بمظاهرة تحت اسم الزفاف الصامت مثلوا خلاله زفافا رفع فيه العروسان لافتة كتب عليها «هدوء فنحن نتزوج» بينما وضعوا لاصقا على شفاههم.
نفس الشخص عمدة نيس أصدر سابقا قرارا بحظر إقامة المآذن فى نيس الفرنسية بينما كانت أزمة منع إقامة المآذن مازالت مشتعلة فى سويسرا عام 2009 وكان تبرير عمدة نيس فى قراره المنفرد هذا بأن شكل المآذن غريب على المعمار الفرنسى.
أما فى بريطانيا فقد تحولت جريمة قام بها تسعة باكستانيين حيث قاموا باغتصاب عدد من الفتيات البريطانيات ثم استغلوهن فى ممارسة الجنس والمتاجرة بهن وتحولت القضية من جريمة إلى قضية عرقية دينية دون أسباب واضحة. وتحدثت الصحف عن مسلمين مغتصبين وليس مجرمين باكستانيين وذلك الشهر الماضى. لكن الأمور تأزمت بعد تصريح غريب صدر عن سعيدة حسين الباكستانية الأصل وأول امرأة مسلمة تحصل على مقعد فى مجلس اللوردات البريطانى. قالت سعيدة إن هناك شريحة من الباكستانيين تعتبر نساء البيض حلالا لهم لأنهن من عرق ودين مختلفين. وقد ساهم هذا التصريح فى تحويل الجريمة من مجرد عمل إجرامى من أشخاص أجانب إلى عمل ممنهج ومقصود من أشخاص يدينون بالإسلام ولا يعترفون بغيرهم أى أنها أصبحت جريمة عنصرية وليست أخلاقية أو جنائية.