رسالة فلسطينية إلى ساركوزي معن البياري فخامة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي المحترم: بعد تحيّات من فلسطين المعفّرة بالتعذيب اليومي بفعل ما تقترفه دولة الاحتلال والإرهاب المنظم التي تستعدّ فخامتك لمشاركتها الاحتفال بذكرى إنشائها، وأنت لا تريد أن تعرف أنها قامت على أرض بشر صيّرهم إجرام العصابات الصهيونية أمواتا أو مطرودين مهجّرين أو ناسا محكومين بِميْز بغيض. جيّد أن تطالع صفحات من تلك النكبة التي تحتفي فرنسا التنوير والحريات والعدالة الإنسانية بتناسيها في تكريم معرض باريس للكتاب المقبل “إسرائيل" في “عيدها". ولأن حكاية النّهب والطرد والقتل المتواصلة منذ أكثر من 60 عاما شرحها يطول، ولستَ معنيّا بالتعرف إلى شيء عنها، نُبلغك أننا نعرف عن نضال بلادك ضد المحتل، ومحاربتها الفاشي والنازي، من أجل حرية شعبها وسيادته. ولا يقوم الفلسطينيون بغير هذا حين يُجابهون بلحمهم الفاشية والنازية “الإسرائيلية". ومناسبة تنبيهك إلى ملحمتهم ما وقفنا عليه من عاطفة مشبوبة لديك تجاه الأطفال اليهود الذين قضوا في معسكرات النازيّة، دلّ عليها عرضك مشروعا على مسؤولي الطائفة اليهودية في بلادك ينصّ على أن يتعرّف كل تلميذ في الصف الأخير من المرحلة الابتدائية في المدارس الفرنسية إلى اسم ووجود طفل قتل في المحرقة، ولم يتحمّس كثيرون في بلادك لمشروعك بسبب مِسحته العاطفية من دون اكتراث بغير الأطفال ممن راحوا في المحرقة، غير أنك تصرّ عليه. أول القول يا فخامة الرئيس، أننا نحن الفلسطينيين نتعاطف مع كل مضطهد ومظلوم في أي مطرح في العالم، أيا كان دينه وعرقه، وليس لدينا تحسس من إعلان التعاطف مع اليهود الذين أحرقهم النازي، وإن نستهجن الابتزاز المكشوف للعالم والاستثمار اليهودي لتلك الجريمة، والحرص “الإسرائيلي" غير المسنود إلى أي حقيقة على أن اليهود وحدهم انفردوا باضطهاد النازي. لا تحسس لدينا من تظهير هذا التعاطف لأننا إنسانيون، وإن كان استغرابنا كبيرا للتهويل في رفع أعداد من نالهم من اليهود العسف النازي. وإذ نُؤثر عدم الخوض في هذا النقاش الإحصائي، نقول لك إن يقظة الضمير الأوروبي بشأن تلك الجريمة التي صارت في سجلات التاريخ والمتاحف لا تستقيم أبدا مع تعامى هذا الضمير عن محرقة متواصلة في فلسطين، في وسعك معاينتها بنفسك وفي وسع مساعديك أن يعاونوك في أن تتكشف لك بعض تفاصيلها. وحينها، سيكون محمودا أن تصل إلى البديهيات الأولى، ومنها أن لا مسؤولية للفلسطينيين عن المأساة التي أحدثتها أوروبا لليهود، فيما لدى الأخيرة مسؤولية كبرى في استمرار مأساتهم. وفيما كنّا نقرأ عن مشروعك، كانت فلسطينية في الرابعة والستين، اسمها فوزية عبد الفتاح إن كان يعنيك، في طريقها في سيّارة إلى مستشفى طولكرم، ومنع جنود “إسرائيليون" مرورها من حاجز عسكري، على الرغم من توسل زوجها وتقبيله وجنة أحدهم، فماتت على الحاجز. أما عن الأطفال، والبادي أن فؤادك شديد الرقّة تجاههم، وحتى لا تُضجرك الأرقام العديدة بشأن الفلسطينيين منهم، القتلى والمصابين والمعوقين والأسرى، بسبب الرصاص والعسف “الإسرائيليين"، بودنا أن تعرف أن نحو مائة منهم قتلوا في الشهور الثلاثة الأولى للانتفاضة في ،2000 ولم يكن بأيديهم شيء سوى الحجارة، وقتل 72 منهم عمدا بالذخيرة الحيّة باستهدافهم في الرأس والصدر والعين. كم يكون من الأخلاق الديمقراطيّة الراقيّة لو تُوصي يا فخامة الرئيس معاونيك بأن يؤرشفوا لك حكايات بالغة الفظاعة عنهم وعن أطفال آخرين يكابدون المحرقة “الإسرائيلية" الراهنة، عن تعذيبهم مثلا عند الحواجز التي تزيد على الخمسمائة، وجيئ على ذكرها بخفر في مؤتمر باريس للدول المانحة للسلطة الفلسطينية وافتتحته أنت. وحتى لا ترمينا بأننا دعائيون، لتقرأ فخامتك كتاباً للجندي “الإسرائيلي" ليران رون فورير “عن الذي يجري على تلك الحواجز"، سيصيبك أغلب الظن ارتعاش عندما تقرأ عن كسر جنديين يد فلسطيني لرفضه محاولتهما سرقة سجائره، وعن تسلّي آخرين بلعبة إجبار فلسطينيين على التخيّر بالقرعة بين كسر الأنف أو اليد أو تكسير السيارة أو إطلاق النار على القدم، وعن تقييد شاب فلسطيني ثم إطفاء سجائر مشتعلة في جسده، وعن تلذّذ الجنود بالهزء من عمال، بإجبارهم على الغناء بالعبرية مثلاً. يسرد الجندي المذكور الكثير عن تحول الإنسان إلى وحش آدمي، بتعبيره شخصيا، استنادا إلى خدمته على حاجز غرب خان يونس لثلاث سنوات. ثمة كثير مما يمكن أن تنتقيه يا فخامة الرئيس عن التعذيب اليومي المتواصل في فلسطين، وأنت تُناضل من أجل أن يتعلم الأطفال الفرنسيون عن الأطفال اليهود في معسكرات النازي، ثمة الكثير مما يجدر أن يعرفه كل أطفال العالم عن جرائم حرب يوميّة تُقترف في معسكر الاحتجاز الرهيب الذي تسوّره “إسرائيل" وتحيط به الفلسطينيين في أرضهم. ولتشجيعك على معرفة شيء من ذلك، ثمّة وزير “إسرائيلي" سابق اسمه يوري لابيد قال مرّة إن صور عجوز فلسطينية تبحث عن أدوية تحت أنقاض بيتها في رفح ذكّرته بجدّته التي قضت في المحرقة النازية. وثمّة الحائز على “نوبل" للآداب البرتغالي خوسيه ساماراغو، قال في جولته قبل أربعة أعوام مع كتّاب وأدباء عالميين في بعض فلسطين، إن الممارسات “الإسرائيلية" في حق الفلسطينيين تُشابه التي مارسها النازيون في حق اليهود، وقال زميله الجنوب إفريقي الشاعر ايتين برايتنباخ إنها أسوأ من ممارسات نظام الفصل العنصري الذي كان قائما في بلاده. تعال يا فخامة الرئيس ساركوزي، وحاول أن ترى المشهد بعين العطوف على إنسانية الإنسان، لا بعين المحتفي بالنازي الجديد، ولك التحيات. عن صحيفة الخليج الاماراتية 21/2/2008