الشريعة وصلت بريطانيا! حازم عبدالرحمن أدلي أسقف كنيسة إنجلترا بتصريحات مهمة حول الشريعة الإسلامية, واقترح ضرورة النظر في إمكان تطبيق جوانب منها علي المسلمين المقيمين في بريطانيا.. والمهم في هذه التصريحات, ليس دلالتها المباشرة فقط, بل سعيها إلي هدم الصورة النمطية التي يجري تكوينها في بريطانيا عن الإسلام والمسلمين, وكيف أنها أثارت ردود فعل قوية وفورية من فئات مختلفة في المجتمع البريطاني. 1 تكشف استطلاعات الرأي عن ميل قوي في أوروبا وأمريكا الشمالية إلي انتشار قيم ومفاهيم كريهة ومخيفة عن المسلمين. وللأسف, فإن المسلمين مسئولون عن جانب مهم من ذلك. فمثلا أدت أحداث11 سبتمبر2001 في الولاياتالمتحدة, وما أعقبها من عمليات مماثلة في مدريدولندن.. إلخ, إلي جعل المواطن العادي في هذه البلاد يشعر بأن المسلمين إرهابيون يهددون حياته بالخطر, فهو قد اعتاد أن يستيقظ في الصباح ليستقل وسائل النقل العام إلي عمله, ولكنه في أكثر من مرة, اكتشف أن هذه الوسائل تم زرع قنابل ومتفجرات بها, وبدلا من أن يذهب إلي عمله, انتقل إلي الدار الآخرة بطريقة لا يمكن أن يتمناها أي إنسان عاقل. كذلك عندما يفتح جهاز التليفزيون في منزله, ويجلس أمامه ليتابع ما يجري في العالم من حوله, فإنه يجد العجب العجاب في الدول الإسلامية. فإذا أحبت شابة مسلمة, من( بنجلاديش أو باكستان), شابا بريطانيا أو من أي جنسية أخري, فإن أهلها لا يتورعون عن انتزاعها من لندن أو إدنبرة والعودة بها إلي بلادها الأصلية لكي يتم قتلها أو إجبارها علي الزواج عنوة من شاب أقل منها في العلم والثقافة أو أنها علي الأقل لا تميل إليه, لا لشيء, إلا لأن هذه هي تقاليد العائلة, أو العادات الاجتماعية. وإذا امتدت الجلسة بصاحبنا أمام التليفزيون كثيرا, أونظر إلي الصحف, أو سافر إلي هذه الدولة أو تلك من بلاد العالم الإسلامي, وجد فيها الفقر والتخلف, وظلم الإنسان لأخيه الإنسان, والافتقار إلي الحرية والكرامة, وغياب الشجاعة الأدبية. لا جدال أن صاحبنا يعرف جيدا أن جانبا من الصورة التي يراها أمامه يتحمل مسئوليتها العالم, خاصة الدول الكبري, الغنية ذات النفوذ, ولكن ماذا عن شعوب هذه الدول؟.. كيف تفسر ما يحدث لها بعيدا عن السياسة الدولية؟.. لسوف يجد من يفسر له ما يراه أو بعض جوانبه, علي أن هذه هي أحكام الإسلام؟! وتلك هي عادات المسلمين. هكذا, يصبح تزييف الانتخابات, والفساد, وسوء الحكم, والافتقار إلي الحرية والكرامة, وعدم القدرة علي محاسبة الحكام.. هكذا تصبح كل الموبقات علي ألسنتنا إشارة إلي أن هذه هي أحكام الإسلام أو علي الأقل, هذا هو تراثنا الاجتماعي والثقافي. 2 في هذا الجو, جاءت تصريحات رووان ويليامز, أسقف كانتربري. فالرجل يعلم جيدا أن كل ما يراه حوله, وأمامه, سواء في جانب المسلمين, أو في جانب الغالبية العظمي من البريطانيين, هو سياسة, وتقاليد اجتماعية, وتراث, لا شأن للدين الإسلامي به, بل إنه يري في صميم وجدانه, أن هذه الصورة النمطية عن الإسلام والمسلمين هي صورة ظالمة, وخطيرة, ويجب تغييرها. وأهم ما يحتم هذا التغيير, هو أنه خلال السنوات الأخيرة, أخذت تزداد أعداد المسلمين, الذين يتخذون, ليس من بريطانيا وحدها, بل من كل دول أوروبا وأمريكا الشمالية, مستقرا دائما لهم لأسباب لا تحصي, وهو يدرك تماما أن هذا التزايد السكاني يفيد المجتمعات الغربية بخبرات وكفاءات نادرة هي في مسيس الحاجة إليها. والآن.. كيف يتم التعامل مع هؤلاء؟ الأسلوب التقليدي القائم علي أساس التعامل باستعلاء, وحصر أو عزل الوافدين في أحياء معينة, لن يكفي. ففي العمل, والمواصلات, والمطاعم, ودور السينما والمسارح والمتنزهات, وفي الانتخابات.. في كل هذه المجالات يختلط الجميع معا. وليس من الطبيعي, ولا من المقبول, ولا من الإنسانية في شيء, أن ينظر الجار إلي جاره علي أنه أقل منه أو دونه, أو يزدريه ويحتقره. ففي مثل هذه الظروف ستتكون في وجدان هذا الجار نوازع العنف والتطرف والرغبة في القتل. ولا يمكن تخيل أن هذه الأعداد ستتوقف عن التزايد.. إذن فتأثير هؤلاء لابد من الاعتراف به.. وأبسط أشكال هذا التأثير علي الأقل, هو أن تبدأ دول غرب أوروبا, وأمريكا الشمالية, في التعامل معهم, وفقا لعقائدهم وأديانهم, وبذلك توفر لهم طريقة إضافية للاندماج في المجتمع. فليس يكفي الاندماج عن طريق العمل, والنشاط اليومي والسياسي, بل لابد من الانفتاح عليهم في القضايا الوجدانية, قضايا القيم العميقة التي تؤثر فيهم, هذا هو جوهر محاولة أسقف كانتربري, عندما قال, أو اقترح, أنه يعتقد أن تنظيم الزواج بين المسلمين في بريطانيا مثلا عن طريق الشريعة الإسلامية, هو أمر في مصلحة المجتمع البريطاني كله. 3 وعلي الرغم من أن أغلب ردود الفعل كانت سلبية, إلا أننا علينا أن نميز بين موقفين في غاية الأهمية: الأول: موقف رئيس الوزراء جوردون براون, فقد قال المتحدث باسمه إنه يعترف بأن ما قاله الأسقف, يكشف عن شجاعة وبصيرة عميقة لدي رووان ويليامز, ولكنه في الوقت نفسه, لا يقبل بوجود قوانين موازية غير بريطانية تطبق علي جزء من الناس دون الآخرين, وبذلك يصبح فيها نظامان قانونيان. أما الموقف الثاني, فهو موقف المجمع المقدس للكنيسة الإنجيليكانية الذي أيد بالكامل موقف الأسقف, وامتدح شجاعته في الجهر برأي صدم الكثيرين, ولكن من سوي أسقف انجلترا يستطيع أن يجهر بما لا يستطيع أحد سواه أن يجهر به؟. القضية شائكة, وشديدة التعقيد, ولكنها تكشف في الجانب المهم منها, عن أن الهجرات الأجنبية إلي الدول الأوروبية, والأمريكية, ليست مجرد أعداد من الناس, ولكنها ستؤثر في قوانين وثقافات هذه المجتمعات. عن صحيفة الاهرام المصرية 17/2/2008