ثار الجدل مؤخرا وهاجت الدنيا وماجت في بريطانيا التي لم تلبث أن دخلت في حالة هوس بعد تصريحات كبير أساقفة كانتربري الدكتور روان ويليامز حول إمكانية الاستعانة بالشريعة الإسلامية لتطبيق بعض القواعد منها بالنسبة للمسلمين في بريطانيا علي أساس أن هذا أمر لا يمكن تجنبه وقال إن هناك حاجة للمناقشة حتي يمكن التقارب وتعزيز اللُحمة الشعبية، غير أن منتقديه انبروا وطالبوا بتنحيته من منصبه الذي شغله من عام ،2002 فلقد رأوا أنه بتصريحاته قد وضع قدميه في حقل ألغام سياسي وفكري. * طرح كبير الأساقفة دكتور روان ويليامز مفكر وأكاديمي وطني عقلاني منطقي متفتح الفكر ومنفتح علي الآخر، ولا يمكن أن يندرج في سياق المتطرفين بل علي العكس فالرجل يؤمن بضرورة احترام عقيدة من يؤمنون بالله ويحترم المسلمين لأنهم يتعاملون بجدية مع متطلبات الندية، بل لا يري بأسا في أن يكون هدف المسلمين هو نشر دينهم حتي تعم شريعته العالم أجمع ويري في ذلك هدفا مشروعا، وعليه فإن خطابه المثير للجدل أمام رجال القانون في فبراير الحالي عن ضرورة استيعاب بعض قيم الشريعة الإسلامية في القانون البريطاني لم تكن زلة لسان ولم تأت عفو الخاطر بل كانت انعكاسا لرؤية شاملة لمكانة الدين في المجتمع واحترام لتدين المسلمين، ومن هذا المنطلق فهو يرفض فكرة اندماج المسلمين في المجتمع البريطاني علي أساس التخلي عن دينهم وقيمهم ويري أن هذا المجتمع يجب أن يقدم تنازلات أيضا للمسلمين. * حملة مسعورة المشكلة التي واجهها كبير أساقفة كانتربري تمثلت في كونه يحاول أن يدافع عن حقوق المتدينين في ألا يفرض عليهم ما يتعارض مع عقائدهم، لقد حادت الصحافة البريطانية عن الحيدة عندما انطلقت مسعورة تتنافس علي إدانته، فكانت مثل الكلاب الضالة التي تنهش دون أن تفهم تصريحاته، وكان وراء هذا كله محاولتها لأن تنال من الإسلام واندفع السياسيون لإدانته، ورغم أن تصريحاته كانت إيجابية سارعوا بوصف طرحه بأنه معتل فكريا وسخيف سياسيا. ووصفوا طرحه بالخطير وطالبوا بمواجهته رغم أن الرجل لم يخطئ وتبني النهج العملي من خلال طرحه الذي يعكس شهامته. * حملة انتقاد هستيرية وبعيدا عن الهستريا فإن ما اثار كبير أساقفة كانتربري يعد مشروعا فهو يأخذ في اعتباره وجود محاكم شرعية إسلامية عاملة في بريطانيا وبالتالي لا يمكن للبريطانيين أن يستمروا في خداع أنفسهم ويتجاهلوا وجودها ولابد من منحها شيئا من الاعتراف، أما منتقدوه فلقد تذرعوا بأن بريطانيا مجتمع ليبرالي ومفتوح ويجب أن يسوده قانون واحد يطبق علي الجميع، وبالتالي فإن طرح دكتور روان ويليامز من شأنه أن يجعل قوانين الشريعة الإسلامية ملزمة لبعض المواطنين دون غيرهم وهي وجهة نظر صحيحة ويدعمها قوله إن فرض قانون واحد علي مجتمع غير متجانس ثقافيا هو شيء خطير، أما منتقدوه فيرون العكس ويقولون إن الخطر ينبع من اعتماد قوانين مختلفة. * مواجهة الإجحاف والجهل كبير أساقفة كانتربري كان صريحا وجريئا لا يخشي في الحق لومة لائم، أراد بطرحه مواجهة الإجحاف والجهل الذي يحيط بموضوع الشريعة خاصة أن المحاكم التي تعمل بقوانينها موجودة فعلا ولا ينقصها إلا أن تعمل في إطار الارتباط بنظام ومؤسسات الدولة كي ينعكس هذا بالإيجاب علي تنظيمها وعملها، غير أن تصريحاته في نظر معارضيه فسرت علي أنها تعني إيجاد نظام قضائي مواز للنظام القائم ويجري تطبيقه حصريا علي اتباع دين معين بل وذهب البعض إلي أن تطبيق الشريعة الإسلامية في النجمعات الإسلامية قد يصبح أكثر انضباطا ولكن هذا سيحرم الأفراد من حماية الدولة بقوانينها الأكثر ليبرالية في حال اصطدموا في متطلباتهم مع قوانين الشريعة. * بعيدا عن التعصب والعنصرية ولا غرو فإن تصريحات كبير أساقفة كانتربري بشأن الشريعة الإسلامية تدل علي ذهنية متفتحة وطرح تقدمي بعيد عن التعصب وروح العنصرية والانكفاء علي قانون واحد بل وتعد أساسا لتلاقي الأديان، إلا أن معارضيه ذهبوا إلي أنه لا يمكن تطبيق قانون الشريعة الإسلامية في مجتمع طابعه تعدد الانتماءات وتقاطعها، وأنه لا يمكن إنكار القانون كصيغة جامعة ولا يمكن تجزئة القانون علي نحو ما ذهب إليه الدكتور "روان ويليامز" خاصة أن تطبيق قانون واحد علي جميع المواطنين يضمن العدالة. وبغض النظر عن الانتقادات التي وجهت لكبير أساقفة كانتربري فإن تصريحاته المنفتحة هذه يمكن أن تشكل أساسا لتلاقي الأديان، كما أن اعتماد بعض أحكام الشريعة ضمن القانون البريطاني خاصة ما يتعلق منها بالأحوال الشخصية أمر لا مفر منه، خاصة بالنسبة لمسائل مثل الزواج والطلاق والإرث وهي ذات خصوصية إسلامية. * انتقاد حاد لأمريكا لقد سبق للأسقف ويليامز أن انتقد سياسة أمريكا وتدخلها في الدول الأخري عبر عمليات سريعة ومدوية وهي العمليات التي حولت العالم إلي اسوأ عالم، وأكدت بأن أمريكا فقدت مكانتها الأخلاقية السامية منذ 11/9/،2001 واعتبرها اسوأ مستعمر وبأنها استخدمت قوتها بشكل أبشع من بريطانيا في أوج امبرياليتها، واستنكر قيام أمريكا بتحميل الآخرين مسئولية الفوضي التي أحدثتها في العراق، وقال إن مرد الأزمة رؤية أمريكا المُضللة، وسخر من اسطورة أمريكا المختارة التي تؤمن بأن ما يحدث في أمريكا هو كُنه ما يريده الإله للبشرية، ونعي علي أمريكا تكريس نفوذها وسيطرتها مؤكدا أن هذا لن ينجح. * شجاعة منقطعة النظير ملك روان ويليامز الشاجعة عندما شرع في إدانة الجدار الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية واعتبر أنه سبب خسائر إنسانية ضخمة ويجب إزالته مهما كانت المبررات التي تقف وراء بنائه، وبالإضافة إلي هذا فإن كبير الأساقفة يقدم صورة منصفة للإسلام تختلف كلية عن تلك التي عكستها دول مثل الدانمارك حادت عن الحق وأظهرت عداء مبرمجا للإسلام في شكل الإساءة إلي الرسول صلي الله عليه وسلم ، يحمد للدكتور ويليامز إشادته بتقيد المسلمين بأداء صلواتهم الخمس قائلا إنها تجعل ذكر الله يتناغم بعمق مع إيقاع حياتهم اليومية.