على العلمانيين أن يحترموا خيار الشعب أحمد منصور جاء تصويت البرلمان التركي يوم السبت التاسع من فبراير الجاري على تشريع يسمح للمحجبات في تركيا بدخول الجامعات بعد سنوات طويلة من منع المحجبات من دخول الجامعات ليضع حدا للجانب الأكبر من معركة الحجاب في تركيا، ورغم التظاهرات الضخمة التي حشد العلمانيون من خلالها انصارهم للتعبير عن رفضهم لهذا التشريع إلا أن كثيرا من المراقبين يرون ان معركة الحجاب في تركيا لم تحسم في جلسة البرلمان التي أقرت الحجاب في الجامعات لكنها حسمت في شهر اغسطس من العام الماضي 2007 حينما انتخب الاتراك الرئيس عبدالله غول لرئاسة البلاد لتكون زوجته «خير النساء أوزيروت» هي أول زوجة لرئيس تركي تظهر مرتدية حجابها منذ اسقاط الخلافة العثمانية وإعلان الدولة التركية العلمانية عام 1924، وحينما حشد العلمانيون أنصارهم في أغسطس الماضي احتجاجا على احتلال القصر الرئاسي التركي من سيدة محجبة، خرج الرئيس عبدالله على الجميع ليعلن ان «الحجاب خيار شخصي على الجميع احترامه». لقد فرض العلمانيون افكارهم وآراءهم وتشريعاتهم على الاتراك طيلة اكثر من سبعين عاما، كانت كل فتاة محجبة تريد ان تكمل تعليمها ليس أمامها سبيل سوى الالتحاق بإحدى الجامعات خارج تركيا أو البقاء في منزلها، والعجيب ان معظم الأسر الميسورة التركية كانت ترسل بناتها للدراسة في الدولة الغربية غير المسلمة التي تحترم الحجاب وتعتبره حرية شخصية بينما لا يستطيعون ارتداءه في دولة هي عضو في منظمة المؤتمر الإسلامي واحتضنت دولة الخلافة الإسلامية لعدة قرون، بل ان الإسلام حظي في ظلها بانتشار واسع امتد من وسط آسيا إلى اقصى غرب أوروبا وكذلك غرب إفريقيا. ورغم كفاح العلمانيين كفاحا مريرا من أجل ان يظل الحجاب محرما ورمزا للإسلام الذين يرون انه يهدد النظام العلماني التركي، إلا أنهم في النهاية حتى وان لجأوا للمحكمة الدستورية العليا في تركيا فلن يستطيعوا إلغاء التشريع الجديد الذي شاركت أحزاب أخرى حزب العدالة والتنمية في التصويت لصالحه، وبغض النظر عن أي شيء فإن هذا في النهاية خيار الشعب، فالشعوب حينما تتاح لها الفرصة لاختيار من يحكمها بحرية عليها أن تقبل تبعات هذا الاختيار. وإذا كان العلمانيون قد نجحوا في اختطاف الدولة التركية طوال سبعين عاما، فإن الشعب قد استرد الزمام الآن عبر اختيار من يمثله، ولعل هذا ما يدفع كثيرا من الأنظمة التي تختطف كثيرا من الدول ان تبقى بعيدا عن الانتخابات الحرة والنزيهة والخيار الحقيقي للشعوب لأن معناه ببساطة شديدة هو عودة الدول إلى اصحابها الحقيقيين وهم الشعوب. حينما نجح عبدالله غول في الانتخابات الرئاسية في اغسطس الماضي، ودخل إلى القصر الرئاسي لم يكن هذا الموضوع الشغل الشاغل للصحف التركية وربما الصحافة العالمية آنذاك وإنما كان الشغل الشاغل هو حجاب زوجته الذي اعتبروه يمثل نهاية للنظام العلماني في البلاد، وان مسألة تغيير التشريعات الخاصة بالحجاب لن يكون سوى مسألة وقت فقط، وقد كان فخلال ستة أشهر فقط صوت البرلمان لصالح عودة الحجاب للجامعات، وان كان كثير من المراقبين يرون بأن المعركة لم تنته بعد وإنما أمامها عقبات كثيرة، لأن معركة الحجاب في تركيا ليست مسألة شكل فقط وإنما هي مسألة تمس جوهر النظام العلماني وركائزه في تركيا. عن صحيفة الوطن القطرية 12/2/2008