مصر وإسبانيا ودعم الحوار المتوسطي د. محمد مرسي بعد فترة طويلة من العمل الشاق والتحضير وتحديدا في يوليو2006 تم تشكيل مؤسسة تحمل اسم البيت العربي والمعهد الدولي لدراسات العالم العربي والإسلامي من قبل وزارة الخارجية الاسبانية والوكالة الاسبانية للتعاون الدولي, وبالتعاون مع الحكومات الاقليمية لكل من مدريد واندالوثيا الاندلس وبلديتي مدينتي مدريد وقرطبة. ويتلخص الهدف الاساسي من إنشاء هذه المؤسسة في تفعيل الدراسات المتخصصة التي تسعي إلي معرفة واقع البلدان العربية والإسلامية, وتنتمي اغلبها للبحر المتوسط سواء كان هذا انتماء جغرافيا أو استراتيجيا, علي أن يكون ذلك من خلال المؤسسات السياسية والاقتصادية والثقافية والفكرية القائمة علي ضفتي البحر المتوسط لترسيخ العلاقات مع البلدان العربية والإسلامية, والأهم من ذلك, كما تشير مديرة هذا البيت, الدكتورة خيما مارتين مونيوث. وهي علي رأس المتخصصين فيما يخص عالمنا العربي والإسلامي, هو جعل هذه المؤسسة الوليدة مرجعا في كل ما يتعلق بدراسة ومعرفة واقع البلدان العربية وتاريخها, مع العمل علي لعب دور ايجابي لنشر الحقائق عن واقع العالم العربي في المجالين الأوروبي خاصة والغربي عامة وبالعكس, بهدف مدجسور التواصل وا لعلاقات بين المجتمعات المتوسطية العربية والأوروبية, ذلك ان هذا, كما تشير العالمة الجليلة نقطة التقاء, بالاضافة إلي انه فضاء للمعرفة المتبادلة والتأمل المشترك. ولقد تم التمهيد لتحقيق هذا المفهوم بإنشاء تخصص علمي جامعي يعرف الآن بالدراسات المتوسطية, التي تعني بالدراسات البينية المهتمة بالشأن المتوسطي, والتي وضعت لها الجامعات الاسبانية برامج دراسية للتخصص فيها منذ1996 وبما يجعل مولد هذا البيت بعثا للفكرة المتوسطية التي لاتنحصر في مجرد شراكة أو تعاون بين الشمال والجنوب بل تذهب إلي انشاء مجتمع متوسطي متناغم ومتفاعل مع بعضه بعضا. إلا انه يجب عدم الافراط في التفاؤل والتسرع دون دراسة وافية للظروف الصعبة التي تكتنف الوصول بالفكرة إلي مرحلة النضج, فهناك عوامل متعلقة بالشأن الداخلي للمنطقة العربية والإسلامية, وكذلك هناك ما هو مرتبط منها بعوامل خارجية ضاغطة ومسببة لعدم الاستقرار, يمكن ان تبطيء إلي حد ما من سرعة التحرك لتحقيق الأهداف المرجوة. فالإصلاح السياسي لنظم العالم والإسلامي من الأمور المهمة لإيجاد التناغم المنشود, الأمر الذي يتطلب التحول من الشمولية إلي التعددية لكي تزدهر الديمقراطية والحرية وبالتالي الاستقرار. أما فيما يتعلق بصراعات القوي في المنطقة وتأثير ذلك علي استقرارها, فربما يكون من الافضل الوصول إلي صيغة لدمج المشروع المتوسطي, الذي يعتبر مشروعا أوروبيا, بسياسة الولاياتالمتحدة في ذات المنطقة, لكي يتخذ المشروع بعدا اطلسيا يكمله ولايقف في طريقه. ونتيجة لهذه الظروف الصعبة التي لامجال للإفاضة فيها الآن ربما يكون من الملائم في المرحلة الحالية التركيز علي البحث العلمي الذي ينبغي ان تنهض به المؤسسات العلمية لوضع منهج من خلاله الوصول, عن طريق الإعلام والتعليم والتثقيف, إلي إيجاد لغة تخاطب وتواصل بين ضفتي المتوسط العربية والأوروبية تكون بالتالي قادرة علي تكوين مجتمع يحترم الاختلاف وقادرا في الوقت نفسه علي ان يكون مدركا لنقاط الالتقاء مع الآخر من ناحية والحفاظ علي خصوصيته من ناحية أخري, ومن هنا تبرز أهمية ان توفق هذه المؤسسة الوليدة في تحقيق هذا الهدف الجليل الذي يخدم مصالح الشعوب التي تعيش علي ضفتي المتوسط والعربية منها خاصة, وهنا يحضرني ما ذكره استاذنا الكبير المغفور له الدكتور طه حسين عام1937 عندما قدم لنا كتابه الشهير عن مستقبل الثقافة في مصر الذي عرض فيه تصوراته عن هذا المستقبل ودور التعليم في تشكيله وصياغته وعرض ايضا فكرة المشروع المتوسطي. فقد أوضح الاستاذ الدكتور طه حسين مدي الترابط الموجود بين ضفتي بحر الروم أي المتوسط, معلنا أهمية إظهار نقاط الالتقاء وتنميتها من أجل التقدم والنهضة, وايمانا منه بذلك أنشأ هذا العالم الفاضل معهدا في عام1950 بالعاصمة الإسبانية مدريد, عرف فيما بعد باسم المعهد المصري للدراسات الإسلامية كنواة لمركز ابحاث يساعد دارسي الحضارة العربية الاندلسية علي الوقوف علي دور هذه الحضارة في إثراء الحضارة الانسانية والوصول بها إلي ماهي عليه من تقدم في شتي مناحي الحياة, أملا في استعادة هذا الدور الحضاري لصالحنا, ومازال المعهد المصري للدراسات الإسلامية قائما في واحد من أرقي احياء مدريد. وقد بادر المستشار الثقافي المصري ومدير المعهد في اواخر الثمانينات واوائل التسعينيات بانشاء معهدين في نفس العاصمة, فأنشأ المعهد المصري لدراسات البحر المتوسط وكذلك المعهد المصري للدراسات الايبرو أمريكية في عام1991 بغرض تطوير وتفعيل المشروع الذي بدأه الدكتور طه حسين, والذي نرجو ان يتم التعاون بين المؤسسة الاسبانية الوليدة البيت العربي والمؤسسات المصرية والعربية المماثلة لتحقيق هذه الاحلام, وإعطاء معني وحياة للدراسات المتوسطية وتحقيق الاهداف التي كثيرا ما سعي إلي تحقيقها كل من آمن بالحرية الثقافية للناس واحترام لغاتهم وأديانهم وتقاليدهم. إن ما تمثله زيارة جلالة ملك اسبانيا لمصر الآن ثقافيا واقتصاديا وسياسيا وتزامن ذلك مع المعرض الذي يقيمه البيت العربي في مبني الجامعة العربية تحت عنوان اسبانيا والعالم العربي: قرن من العلاقات السياسية عبر الصور, وكذلك الاحتفال بافتتاح معرض ابن خلدون بمناسبة مرور600 عام علي وفاته, تعد علامة بارزة علي طريق هذا التكامل المتوسطي الذي نطمح إلي تحقيقه. عن صحيفة الاهرام المصرية 7/2/2008