تحت هذا العنوان أعلاه عقد مؤتمر دولي في مدينة برشلونة الأسبانية في الفترة من 16 حتي 18 نوفمبر الحالي . حضرت المؤتمر بدعوة شخصية من منظميه وهما المعهد الأوروبي لدراسات البحر المتوسط ، ومعهد الدراسات الكتالانية ( كتالانيا هي أحد أكبر الأقاليم الأسبانية والتي تتميز بلغتها الخاصة وتديرها حكومة خاصة) ، تحت رعاية الاتحاد الدولي للأكاديميات . ضم المؤتمر علماء وباحثين من كثير من دول البحر المتوسط ، وحضرته من مصر مع الأستاذة الدكتورة دليلة الكرداني أستاذ العمارة بكلية الهندسة جامعة القاهرة . كان هدف المؤتمر هو التعرف علي الدور الحاسم الذي لعبته مدن علي ضفتي المتوسط في الحضارات التي نشأت علي ضفتي البحر عبر التاريخ ، وتحليل عمليات التغير من العصور القديمة وحتي القرن العشرين . علي حد علمي هذه هي المرة الأولي التي استهدف فيها مؤتمر علمي دولي هذا المدي الزمني الطويل في بحث العلاقة بين المدن والحضارات. هذه كانت صعوبة المؤتمر وثراءه في آن . وإن خفف واقع حوض البحر المتوسط من هذه الصعوبة إلي حد ما . إذ تجمع سمات مشتركة أو متشابهة بين شعوب الدول المطلة علي هذا البحر. بحيث تشعر بالفعل أن البحر لعب ، ولا يزال، الدور الرئيس في خلق هذه السمات . شعرت مع المشاركين في المؤتمر بأن هناك ما يجمعنا ، وبخاصة في المشاعر أو العواطف وطريقة التعبير ، وبعض من الذكريات . مثلا التقيت بأستاذة يونانية ذكرت لي أن أمها ولدت وعاشت صباها في الإسكندرية ، كما وجدت أستاذا برتغاليا في التاريخ يتحدث اللهجة المصرية لكثرة زياراته لمصر وحبه لها . هذا فضلا عما يجمعنا بأشقائنا العرب من دول البحر . فوجئت المهندسة " فردوس أوسيدهوم " بأنني أعرف أسماء كثير من شوارع " طنجة " المغربية التي أتت منها . توزعت موضوعات المؤتمر الفرعية علي ثماني جلسات وأخذت شكلا تصاعديا من الأقدم إلي الأحدث . من ميلاد المدن الأولي في هذه المنطقة وتكوين نماذجها ، وتوسع هذه النماذج بين الدولتين اليونانية والرومانية . ثم مدن العصور الوسطي ، وبخاصة المدن التجارية والصناعية والدينية . خصصت جلسة لعلاقة المدن الصناعية بالتحديث . وجلسة أخري عن عمران المدن والأراضي ، وهي الجلسة التي رأسها " جوزيب ماريا لوب " الأستاذ في جامعة ليدا ، وتحدثت فيها الدكتورة دليلة الكرداني متخذة مدينتها المفضلة " المنصورة " كمثال ، وقد أسعدتنا بالماضي وأحزنتنا بالحاضر . أما الجلسة الأخيرة التي تحدثت أنا فيها فكانت عن شبكات المدن في فضاء يجمع الدول الأوروبية والمتوسطية ، ورأس هذه الجلسة " أندرو باسول " مدير المعهد الأوروبي لدراسات البحر المتوسط بنفسه . هناك شبكات متنوعة تجمع بين عدد من دول البحر المتوسط ، كلها تقريبا تابعة لمنظمة الأممالمتحدة والمنظمات التابعة لها مثل اليونسكو . وهناك شبكة واحدة يمكن أن نطلق عليها مستقلة تجمع عددا كبيرا من دول المتوسط . كانت الدراسة التي عرضتها في هذه الجلسة تتضمن استعراضا تاريخيا للشبكات التي ربطت بين مدن متوسطية قديما في العصرين اليوناني والروماني ، وكانت قائمة أساسا علي ربط مدن موانئ المتوسط الكبيرة ، وفي العصر الإسلامي (عصور أوروبا الوسطي) وضمت المدن التجارية الكبيرة . وتلك الشبكات التي نشأت حديثا بعد قيام الأممالمتحدة ومعظمها شبكات اقتصادية بشكل أو بآخر باستثناء شبكة اليونسكو . كما تناولت الشبكة الوحيدة المستقلة التي اتسمت بكثرة عدد المدن الداخلة فيها وتنوع مجالاتها مما أضعف هذه الشبكة في تحقيق أهدافها . ثم فصلت اقتراحي الذي تقدمت به للمؤتمر القائم علي إنشاء شبكتين متخصصتين . الأولي تجمع بين مدن التراث الكبري والثانية للمدن السياحية الكبري . ولابد أن نلاحظ أن كثيرا من المدن التراثية هي مدن سياحية أيضا . لكن هدفي هو إنشاء نوع من التخصص لكل شبكة . فشبكة المدن التراثية تهتم أساسا بالتعاون فيما بين هذه المدن في حماية وصون تراثها وتنميته . بينما شبكة المدن السياحية تعتمد علي التعاون في الاستثمار السياحي وبخاصة عن طريق إقامة الاحتفالات والمهرجانات الفنية المناسبة لكل مدينة ، في مجالات الفنون البصرية كالفنون التشكيلية ، والفنون التعبيرية كالمسرح والموسيقا والسينما . فضلا عن الفنون الشعبية المتميزة في هذه المنطقة . هناك بالفعل مدن تتميز بمهرجانات مهمة لها تاريخ مثل بينالي فينسيا في إيطاليا سواء التشكيلي أو المعماري أو السينمائي ، وبينالي الإسكندرية التشكيلي ومهرجانها السينمائي .ومهرجانات السينما في قرطاج ودمشق .. الخ . وتعمل الشبكة المقترحة علي التعاون بين هذه المهرجانات وغيرها ، وعلي خلق مهرجانات جديدة متنوعة . واستثمار كل ذلك سياحيا أيضا . أما شبكة المدن التراثية فنحن في مصر أحوج ما نكون إليها ، وأعتقد كذلك غيرنا من الدول العربية المتوسطية ، بسبب ما تعانيه هذه الدول من تدهور في عمارتها وعمرانها التراثي بفعل تأثير التحديث المستمر والأزمات والمشاكل الاقتصادية والنزاعات المسلحة أيضا . وتستطيع هذه الشبكة المساعدة في تبادل الخبرات الفنية والتقنية ، والمشاركة في توفير التمويل اللازم ، وهي العناصر الأكثر أهمية في هذا المجال . سعدت بردود الفعل المرحبة بهذا المقترح من المشاركين في المؤتمر . وعلمت من خلال المناقشات بوجود محاولات لإنشاء شبكات صغيرة متخصصة . ودار الحوار حول كيفية تنفيذ هذا المقترح وإدارته ومقر الشبكة . وكنت أود أن أقترح الأكاديمية المصرية للفنون بروما كمقر لإحدي هاتين الشبكتين نظرا لأنها مؤسسة ثقافية مصرية موجودة في مدينة أوروبية متوسطية كبيرة . لولا أنني لم أحصل علي موافقة رسمية مسبقة نظرا للظروف التي تمر بها مصر . هذه الظروف التي جعلت ضابط الجوازات في مطار روما يسألني بلهفة عن أخبار مصر . فأجبته بأنني أرجو أن تكون بخير ؟