قال حلمي النمنم في الندوة التي أدارها بعنوان "الدائرة المتوسطية .. تأصيلات ثقافية واجتماعية وتاريخية": لم تحظ الدائرة المتوسطية، التي نعني بها ثقافة البحر المتوسط بالاهتمام الكافي بالرغم من أن هذه السمات المتوسطية لا تكاد تغفل عنصرا واحدا من المكون الثقافي المصري، بل وبدا لبعض الوقت أن هذه الدائرة ربما كانت ملاذا للتمسك بالهوية المصرية العربية الإسلامية الممتزجة بالتقدم العلمي والمشربة بالتسامح الديني أكثر من دوائر ونظم يراد فرضها في إطار العولمة. شارك في الندوة التي نظمتها هيئة الكتاب الدكاترة محمود إسماعيل وأحمد زايد وأنور مغيث، وأشار الدكتور عبد الرحمن الشيخ أستاذ التاريخ بجامعة عين شمس إلي التفاعل الاجتماعي الوثيق بين المسلمين سواء كانوا من البربر أو العرب أو الإسبان، وأهل إسبانيا الكاثوليك، الذين أصروا علي بقاء المسلمين رغم سقوط دولتهم سياسيا، وما أدي إليه الإصرار علي طرد المسلمين من انهيار اقتصادي عانت منه إسبانيا لفترة غير قصيرة في القرن السادس عشر وبداية السابع عشر. وتساءل الشيخ عما استفادته مصر من انتمائها إلي الدائرة المتوسطية قائلا: فشل الإسلام في مكة طوال 13 عاما، ولم يبدأ في التفاعل والانتعاش إلا بعد الهجرة إلي كنيسة الإسكندرية و"كنيسة الحبشة" التي كانت تابعة لكنيسة الإسكندرية، كما تفاعل الإسلام مع اليهودية بعد هجرة الرسول إلي المدينة، ومعظم الذين بايعوه كانوا من العرب اليهود. أما الدكتور محمود إسماعيل فأشار إلي أن البحر المتوسط هو "صرة الأرض" وقلب العالم ومن يمتلك القلب تدين له الأطراف بالإضافة إلي الدور اللوجيستي في الاقتصاد العالمي وظهرت أفكار في العالم العربي تطالب بضرورة الاتصال بأوربا ابتداء من طه حسين وكتابه "مستقبل الثقافة في مصر" وحديثا عاطف العراقي الذي يطالب بضرورة أن تكون مصر قطعة من أوربا إذا أرادت أن تتقدم، بالإضافة إلي حركة الفرانكفونية في المغرب العربي والكتاب المغاربة الذين يكتبون بالفرنسية مثل محمد أركون والطاهر بن جلون وهؤلاء لا يحطون من شأن الهوية العربية ولكنهم يؤمنون بالبعد الإنساني للثقافات. أما الدكتور أنور مغيث فأشار إلي أن الصراع في حوض المتوسط هو صراع هيمنة أكثر مما هو صراع بين عقيدة صحيحة في مواجهة عقيدة فاسدة، ولقد عرفت أوربا عن طريق العرب الحب العذري والموسيقي والملاحم نقلت أدوات المطبخ وورق الحائط من تركيا والثقافة المتوسطية تقوم علي دعامتين أساسيتين نحن في أشد الحاجة اليهما وهما: الديمقراطية والعلمانية لكي نلحق بالعالم المعاصر. أما الدكتور أحمد زايد فقال: يعتبر البحر المتوسط مخزنا للأفكار وملاذا حضاريا في شعوبه سواء في الشمال أو الجنوب، فيه تشكلت الأفكار التي صنعت العالم وأثرت فيه مثل الكشوف الجغرافية وحركة الاستعمار وشهد حوض المتوسط مجموعة من المحاور لحضارات وحركات عالمية مثل المحور الفرعوني ثم الخروج الأوروبي متمثلا في الإسكندر الأكبر والرومان، وتشكيله لحضارة متميزة برزت فيها عدة مدارس اهتدي بها الليبراليون المعاصرون، ثم محور الكشوف الجغرافية تلاه محور الخروج العثماني وتأسيس الإمبراطورية العثمانية، إلي أن جاء الخروج الأخير متمثلا في ظاهرة العولمة والقوات متعددة الجنسيات وانتشارها في العالم العربي والشرق الأوسط، وأوربا أخذت بكل الأفكار السابقة بفعل التراكم ونحن تخاذلنا عن الاستفادة منها، فتأخرنا ولا أريد العودة إلي فكر طه حسين فقط.