أردوغان ومعركة الحجاب الياس حرفوش مرة جديدة تؤكد تركيا انها لا تزال جزءاً من هذه المنطقة الضيقة الأفق والصدر حيال كل ما هو متعدد أو مختلف. قد تسعى تركيا الى اشاعة الانطباع بأنها بلغت مستوى الكفاءة لعبور بوابة الاتحاد الاوروبي، مع كل ما يعنيه هذا العبور من قدرة على احترام الاختلاف مع الآخر وحمايته، ومن حرص على حرية كل فرد في المجتمع طالما انها لا تهدد حرية الآخرين. الا أن الجدل الذي لا يلبث يتكرر حول قضية الحجاب والحق في ارتدائه او في خلعه، الى جانب حق مؤسسات «الحماية»، وفي طليعتها الجيش، في التدخل بالقوة لمنع هذا الحق، يعيدان تركيا كل مرة الى انتمائها الاصلي الى منطقة منكوبة بسيطرة الرأي الواحد والفكر الواحد والعقيدة الواحدة. هكذا صارت العلمانية في تركيا، بالمعنى المتشدد الذي تحمله أو يحمّلونه لها، «حزباً» تاريخياً للزعيم المفدى، وهو في هذه الحال كمال اتاتورك، وصار الدفاع المستميت عن هذه «العقيدة» قضية تستحق شق المجتمع لحمايتها، وتهديد الحالة السلمية التي نشأت بين قيادة الجيش وحزب «العدالة والتنمية»، بفضل حربهما المشتركة مع الحركة الكردية المسماة انفصالية. وهي حرب لا بد أن تكون نتائجها اشد خطراً على مستقبل تركيا كدولة ومؤسسات من هذا النزاع الذي لا ينتهي حول الحجاب. يدافع حزب «العدالة والتنمية» عن موقفه الأخير من القانون المطروح على البرلمان للسماح للطالبات الجامعيات بارتداء الحجاب بأنه دفاع عن الحرية الفردية. ويقول احد مساعدي رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان: «نحن نريد ان نرفع كل انواع الحظر عن المجتمع التركي. نريد أن يمشي كل شخص بحرية مرتدياً ما يشاء، وان يكون لكل فتاة الحق في الذهاب الى المدرسة او الجامعة، سواء كانت ترتدي تنورة قصيرة او تضع الحجاب». لكن الحزب الذي يرفع لواء الحرية بمفهومها الليبرالي الغربي متهم في الوقت ذاته من جانب خصومه بالسعي الى اتاحة المجال امام قوانين دينية متشددة قد تبدأ بحق ارتداء الحجاب وتقود الى ما هو ابعد منه. ويقول هؤلاء الخصوم ان تطوراً كهذا من قبل حزب ليس معروفاً بتاريخه المنتمي الى الثقافة الليبرالية يمكن أن يقوض مع الوقت اسس الجمهورية، ولا بد بالتالي من محاربته قبل ان يستطيع بلوغ هذه المرحلة. وتخدم منتقدي حزب «العدالة والتنمية» تصريحات ومواقف لعدد من قادته لا تمثل دفاعاً حقيقياً عن قضية الحريات، خصوصاً أن بعض هؤلاء كان ينتمي الى مدرسة «تكفيرية» لا صلة لها بالشعارات التي يدافع زعماء هذا الحزب عنها اليوم. ومثلما تنتمي مؤسسة الجيش ومعها القضاة واساتذة الجامعات وحماة الفكر العلماني المتشدد الى مدرسة سياسية تعتبر أنها مسؤولة عن رعاية البلد وحمايته، كذلك تفعل القاعدة السياسية التي ترفع معركة رفع الحظر عن الحجاب. فهي ترى انتصارها في هذه المعركة انتصاراً للمشروع الذي يتيح لتركيا ان تقف على قدم المساواة مع معظم الانظمة الغربية، حيث لم تعد الدولة تحاسب الناس على ملبسهم او على اسلوب تفكيرهم، بل على ممارساتهم اذا كانت تهدد الأمن الداخلي والسلم الاجتماعي. انطلاقاً من هذا اتهم اردوغان خصومه في «معركة الحجاب» بأنهم «يقسمون المجتمع باتهام كل من لا يرتدي او يفكر مثلهم بأنه عدو للنظام». من غير الطبيعي أن تأخذ قضية الحجاب هذا البُعد وأن تثير مشاعر الانقسام هذه في بلد يشكل المسلمون 99 بالمئة من سكانه. ومثلما تم فرض المنع بالقوة من دون اخذ مشاعر اكثرية الاتراك في الاعتبار، يُخشى الآن ان تتيح محاولات رفع هذا الحظر، من خلال البرلمان حيث للحزب الحاكم وحلفائه القوميين اكثرية الاصوات، فرصة جديدة للمتطرفين العلمانيين وحماتهم العسكريين للقضاء على مرحلة ديموقراطية ناجحة من تاريخ تركيا قبل ان يتاح للأتراك ان يقطفوا ثمارها. عن صحيفة الحياة 5/2/2008