«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المخطط الإسرائيلي لتصدير المشكلة الفلسطينية إلى مصر والأردن!
نشر في محيط يوم 05 - 02 - 2008

المخطط الإسرائيلي لتصدير المشكلة الفلسطينية إلى مصر والأردن!
عبد المالك سالمان
في غمرة محاولات استقراء تداعيات وآثار ما بعد اجتياح سكان غزة للحدود مع مصر إلى شمال سيناء، كان من اللافت للنظر أن كتب رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي سابقا جيورا ايلاند مقالا في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية بعنوان: "سكان غزة الفلسطينيون يسجلون هدفا إسرائيليا في المرمى المصري!
" وتنطوي مقالة المسئول الأمني الإسرائيلي الأسبق على فكرة خطيرة لخصها في أحد فقرات المقالة بقوله: "منذ عام 1967م نجحت مصر في التملص من المسئولية عن مصير سكان غزة، ولكن ما لم تتمكن إسرائيل من عمله أثناء التوقيع على اتفاق السلام مع مصر، نجح الآن في عمله آلاف الفلسطينيين الجوعى ... ان الهدف الإسرائيلي هو تحقيق فك ارتباط حقيقي عن غزة بعد أن تبين انه يوجد لإسرائيل بديل في غزة.. هو مصر".
تمثل هذه المقالة أحد الاتجاهات الرئيسية في التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي الذي يرمي الى اعادة تفكيك وتركيب الأوضاع في المنطقة بما يخدم في النهاية الاهداف التوسعية لمخططات المشروع الإسرائيلي.
ولا يخفى ان حكومة أولمرت في غمار أزمة الحصار على غزة واجتياح سكانه للأراضي المصرية قد عرضت نقل مسئوليات سلطة الاحتلال الإسرائيلي عن قطاع غزة باعتبارها قوة احتلال مسئولة عن تدبير الشئون المعيشية للقطاع بموجب المواثيق الدولية الى مصر، على ان يتضمن ذلك ان تعود مصر لتولي المسئولية الادارية عن قطاع غزة وتصبح بالتالي مسئولة عن ضمان الأمن فيه، بحيث تمنع إطلاق صواريخ فلسطينية على إسرائيل من داخل قطاع غزة.
وبالطبع قوبل هذا الاقتراح الإسرائيلي برفض مصري فوري وحاسم. فلقد ظلت الحكومات الإسرائيلية تتطلع دوما إلى التخلص من عبء قطاع غزة المكتظ بنحو مليون ونصف المليون انسان في رقعة جغرافية محدودة، ولخص هذا الهدف ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل اسحق رابين عندما أعلن انه يتمنى ان يصحو ذات يوم من نومه ليجد قطاع غزة وقد غرق في البحر! (في تعبير عنصري فج).
ولم يكن الرفض المصري لهذه الهرطقات الإسرائيلية الا انطلاقا من موقف مبدئي، والتزاما بموقف قومي عربي، هدفه منع إسرائيل من تصفية القضية الفلسطينية، وتمكين الشعب الفلسطيني من بلوغ غايته في اقامة دولته المستقلة، وخاصة في أراضي الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة وهي الأراضي التي تم احتلالها خلال العدوان الإسرائيلي عام 1967م.
غير ان هذه المؤشرات تدفعنا الى التفكير مليا في مخاطر المخططات الإسرائيلية لاستغلال الاوضاع المستجدة في قطاع غزة لتحقيق هدف تصفية القضية الفلسطينية، خصوصا في ظل غياب إرادة إسرائيلية حقيقية للاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وفي طليعتها حقه في اقامة دولة مستقلة فعلا وقابلة للحياة وغير خاضعة للهيمنة الإسرائيلية. وفي هذا السياق، لعل من المهم إجلاء الصورة من خلال المعطيات التالية:
أولا: ان هناك اعتقادا سائدا لدى كثير من المحللين والخبراء بأنه كلما تأخرت القدرة على إنجاح مساعي التسوية، والتوصل الى تسوية متوازنة تعالج كافة القضايا الجوهرية للصراع العربي الإسرائيلي، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فإن المشكلة الفلسطينية تزداد تعقيدا وتزداد في ضوء ذلك صعوبات انجاز أي حل، بل على النقيض من ذلك تتباعد فرص الحل وتتراكم المشكلات.
ويبدو ان إسرائيل عبر سياسة كسب الوقت وفرض حقائق جديدة على الأرض من خلال سياسة المستعمرات التي تقوم بموجبها بقضم الاراضي الفلسطينية تهدف في نهاية المطاف الى جعل هدف اقامة الدولة الفلسطينية أمرا مستحيلا. وفي هذا السياق، سيكون من العبث السياسي التعلق بأوهام ما يردده الرئيس الاميركي بوش من تصريح الى آخر منذ انعقاد مؤتمر أنابوليس، حيث يتحدث عن انه سوف يسعى لمساعدة الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لتحقيق هدف اقامة دولة فلسطينية قبل نهايةولايته أي في نهاية العام الجاري 2008م.
فمنطوق كلام الرئيس الاميركي يعبر عن فحوى ما يشير اليه، وهو انه سيكتفي بالمحاولة، ناهيك عن ان أي رئيس أميركي لا يستطيع في نهاية المطاف ان يفرض أي حل على إسرائيل، الا اذا قدمت إسرائيل صيغة حل وطلبت من الرئيس الاميركي ان يفرضها على الجانب الفلسطيني، وهذا هو المتوقع في نهاية المطاف.
ومن الواضح، من أي تحليل منطقي لاتجاهات السياسة الإسرائيلية أن أي زعيم في إسرائيل حاليا لا يملك رؤية أو أجندة أو خطة لتسوية نهائية مع الفلسطينيين، واذا كانت لديه مثل هذه الخطة سواء أكان (أولمرت، أو ليفني، أو باراك، أو حتى نتنياهو)، فانها ستكون رؤية قاصرة، وخطة مبتورة لا يمكنها ان تلبي الحد الادنى من المطالب العادلة للطرف الفلسطيني، بل على العكس فان أي خطة انما تدور في فلك محاولة فرض الرؤية الإسرائيلية لمشروع الدولة الفلسطينية المؤقتة المحدودة السيادة، بل قل العديمة السيادة عمليا، والمنزوعة السلاح وغير المكتملة الحدود، والتي لا وجود لها عمليا في القدس.
ويكفي ان نشير الى ان ايهود أولمرت الذي يأمل ان يحقق توافقا ما مع محمود عباس في المسار الفلسطيني على أمل ان يكون رافعة له من السقوط السياسي، بدأ يشترط عدم مناقشة قضية القدس وتأجيلها لأجل غير معلوم خوفا من سقوط حكومته أو مواجهة انتقادات عنيفة في الداخل الإسرائيلي. وبالتالي، يصبح التساؤل المطروح: هل هناك أي امكانية لتسوية نهائية أو اقامة دولة فلسطينية دون ان يتم حل مشكلة القدس؟!
ومن هنا، فإن الواقعية السياسية تشير إلى ان امكانيات قيام دولة فلسطينية قبل نهاية ولاية بوش انما تدخل في باب أضغاث الأحلام. ثانيا: ان غياب أي قدرة على تحقيق هدف قيام الدولة الفلسطينية مرتبط موضوعيا وعمليا بغياب الارادة الإسرائيلية لتحقيق تسوية نهائية مع الجانب الفلسطيني، أو انجاز سلام شامل مع العرب.
والأمر هنا، لا يرتبط فقط بغياب قيادة تاريحية تتمتع بالشعبية والكاريزما السياسية ويثق في قراراتها المجتمع الإسرائيلي، ولكن الامر يتعلق بحالة الانقسام الشديدة داخل المجتمع الإسرائيلي بشأن خيارات السلام، وازدياد الميل الى التطرف، حتى ان الجنرال باراك زعيم حزب العمل اليساري، الذي يعتبر نفسه امتدادا لمشروع رابين للسلام بات يتبنى خيارات التشدد في المواقف تجاه التسوية والفلسطينيين، وقاد حملة قطع الكهرباء والوقود عن قطاع غزة.
معتبرا ان ذلك هو السبيل لاكتساب الشعبية في الشارع الإسرائيلي، وأكثر من ذلك فإنه يرى ان لا مجال لإبرام أي تسوية مع الفلسطينيين قبل 5 سنوات قادمة حين تتمكن إسرائيل، تكنولوجيا، من بناء درع دفاعية صاروخية للتغلب على مشكلة تهديد قذائف القسام التي تنطلق من غزة للأمن الإسرائيلي.
ويمكن القول، إن الجدل الإسرائيلي يتمحور حول كيفية تعزيز أمن إسرائيل وخاصة بعد التجربة المريرة للجيش الإسرائيلي في حربه الفاشلة ضد "حزب الله" اللبناني عام 2006، أكثر من تمحوره حول جعل تحقيق السلام مفتاحا لجلب الامن.
وهو ما يجعل التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي يتجه نحو مسارات وسبل أخرى للتخلص من عبء المشكلة الفلسطينية بدلا من التعامل معها بواقعية وعقلانية ومواجهتها بحل موضوعي تاريخي. ثالثا: لقد تلقت محاولات اقامة الدولة الفلسطينية ضربتين قاصمتين خلال الولاية الثانية لحكم الرئيس بوش، رغم كثرة الضجيج حول رؤية بوش، وخيار الدولتين المتجاورتين الديمقراطيتين (فلسطين وإسرائيل).
الضربة الأولى: تمثلت في تعهد بوش لشارون بضم الكتل الاستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية المحتلة لإسرائيل باعتبار ذلك أصبح أمرا واقعا، ولابد لأي تسوية نهائية مع الفلسطينيين أن تراعي الحقائق القائمة على الأرض.
ويعني هذا، الخصم مباشرة من مساحة الأراضي المفترض أن تحتضن حلم الدولة الفلسطينية، ومضاعفة الضغوط على الشعب الفلسطيني نتيجة اجتزاء واقتطاع المزيد من الاراضي التي يتطلع لإقامة دولته عليها، وهو ما سيعني ان أي دولة فلسطينية بعد ضم هذه الكتل الاستيطانية لإسرائيل ستكون دولة مخنوقة ومحاصرة ومحدودة الرقعة الجغرافية بما يعني عمليا اختزال واجهاض امكانيات بقاء هذه الدولة على قيد الحياة.
والضربة الثانية: تمثلت في التوافق الإسرائيلي الاميركي على ضرورة الاعتراف بمبدأ "يهودية إسرائيل"، وهو ما سيعني حتمية ان تقوم إسرائيل بطرد سكانها من عرب 48 الى أراضي الضفة أو غزة، أو الدول العربية المجاورة ومنع لاجئي عام 1948 من العودة إلى ديارهم، واختزال مشكلة اللاجئين في توطينهم حيث يقيمون في بلاد اللجوء والشتات، وتعويضهم ماليا بتعويضات تضغط أميركا لان تتولى الدول العربية النفطية دفع المساهمة المالية الاكبر فيها.
وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار ان قطاع غزة مكتظ عمليا بأهله وسكانه، وان المناطق التي ستعطى للدولة الفلسطينية في الضفة الغربية هي المناطق المكتظة بالسكان الفلسطينيين من مدن وقرى، حيث تخطط إسرائيل للاستيلاء على منطقة غور الأردن التي تشكل الاحتياطي الاستراتيجي في الضفة لأراضي الدولة الفلسطينية ولتلبية متطلبات التوسع العمراني في المستقبل لأي دولة فلسطينية، فسوف نكون في ضوء ذلك أمام المرحلة التالية من المخطط الإسرائيلي للتخلص من المشكلة الفلسطينية.
رابعا: تتمثل المرحلة التالية من هذا المخطط في طرد عرب 48 الى أراضي الضفة وغزة، وسيقود الفائض البشري الى التدفق على أراضي مصر والاردن، على نحو ما تدفق سكان غزة عبر الحدود على سيناء المصرية في الآونة الأخيرة.
من هنا، تظهر خطورة كلام المسئول الأمني الإسرائيلي السابق عن قيام سكان غزة بتسجيل هدف إسرائيلي في المرمى المصري. فهناك اتجاهات تفكير استراتيجي إسرائيلية تعكسها مقالات تنشر في الصحف الإسرائيلية، ودراسات تعدها مراكز أبحاث إسرائيلية تحاول رسم صورة المستقبل للتخلص من المشكلة الديموجرافية العربية داخل إسرائيل، وكلها تتمحور حول فكرتين:
الأولى: هي استعادة سيناريوهات "الخيار الأردني" في الضفة الغربية، وإلقاء عبء قطاع غزة على مصر، وتنطلق هذه الرؤى من أن احتمالات قيام دولة فلسطينية في الضفة وغزة هي احتمالات ضئيلة في ضوء المخططات الإسرائيلية لضم أراضي الضفة الغربية (بحسب اتفاق بوش مع شارون المشهور بوعد بوش).
وتنطلق رؤى أخرى من ان قيام الدولة الفلسطينية هو خطر على أمن إسرائيل ومستقبلها، وبالتالي التخلص من المشكلة الفلسطينية باعادة تصديرها الى الأردن ومصر بدءا بالضفة وغزة، ويجد من يسوقون لهذه الأفكار ذرائع شتى لذلك، منها القول بغياب قيادة فلسطينية تحظى بالشرعية والقوة الكافية لقيادة الشعب الفلسطيني، وان الدولة الفلسطينية اذا قامت سوف تسيطر عليها تيارات الأصولية الاسلامية مثل حركتي "حماس"، و"الجهاد الاسلامي"، وبالتالي ستكون تهديدا لأمن إسرائيل.. الخ.
ومن هنا، نقول إن هناك اتجاهات تفكير داخل إسرائيل لا يستهان بها تعمل ضد تحقيق رؤية بوش، وتؤلب الرأي العام الإسرائيلي باتجاه رفض أي اعتراف بالدولة الفلسطينية، وهذا كله ضد ما يروجه بوش في خطبه وتصريحاته، وهو أمر يؤشر الى ان المفاوضات المنخرطة فيها السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس عباس مع إسرائيل حاليا لا تحمل أي آفاق حقيقية لانجاز أي شيء.
والفكرة الثانية: هي استعادة نغمة ان يستوعب العرب الفلسطينيين ضمن أراضيهم الشاسعة، وذلك من خلال طرح أن يرتبط قطاع غزة بمصر فيتم استيعاب الكثافة السكانية الفلسطينية داخل سيناء انطلاقا من ترديد نغمة قلة الكثافة السكانية في شبه جزيرة سيناء المصرية وادعاء محدودية العمق الجغرافي لإسرائيل.
وبالنسبة للأردن يتم اعادة ربطه بالضفة الغربية على ان يجد فلسطينيو الضفة وعرب 48 المطرودين مستقبلا امتدادهم وعمقهم الديموجرافي في أراضي شرق الأردن، وبذلك يتم القضاء عمليا على أفكار اقامة دولة فلسطينية، واعادة تصدير المشكلة الفلسطينية الى كل من مصر والاردن والدول العربية الأخرى التي عليها ان تقوم بتوطين من لديها من لاجئين، وذلك حتى تستطيع أن تحيا إسرائيل في هدوء كدولة يهودية خالصة.
هذه هي ملامح الصورة المروعة للمخططات الإسرائيلية الرامية الى التخلص من عبء المشكلة الفلسطينية. وفي هذا السياق تعمل ماكينات الدعاية الإسرائيلية في الغرب للترويج لهذه الرؤى باعتبارها تشكل خيارات واقعية لإحلال السلام في الشرق الأوسط. ومن هنا تظهر خطورة التطورات الأخيرة على مسار ومستقبل القضية الفلسطينية، وذلك على النحو التالي:
(1) يمكن القول اننا لسنا بصدد مرحلة انهاء للصراع العربي الإسرائيلي سواء عبر رؤية بوش أو خريطة الطريق أو غير ذلك من الصيغ التي تبدو عصية على التطبيق واقعيا، ولكننا بصدد مرحلة جديدة من إعادة انتاج المشروع التوسعي الإسرائيلي عبر تصفية القضية الفلسطينية وتحميل العرب وخاصة مصر والأردن أعباء جسيمة سياسيا وجغرافيا، وديموجرافيا وبشريا في سبيل أن يحقق المشروع الإسرائيلي أهدافه لبناء "الدولة اليهودية الخالصة".
وفي تقديرنا، ان هذه المحاولة الإسرائيلية الجديدة ستفتح صفحة جديدة لامتداد الصراع وانتهاء آفاق التسوية. فإسرائيل سوف تحتفل في مايو القادم بالذكرى الستين لاغتصابها أراضي فلسطين عام 1948م، وإعلان قيام الدولة العبرية، ولن تكون هذه المناسبة التي سيحرص بوش على حضور احتفالاتها عنوانا على قرب إحلال السلام، بل تدشينا لصراع المائة عام في المنطقة طالما أن إسرائيل لا تريد أن تقر بالحد الأدنى للحقوق العادلة المشروعة للشعب الفلسطيني، والتي تقضي باقامة دولة في حدود عام 1967م.
(2) ان رفض إسرائيل التجاوب مع دعاة التسوية من الجانب الفلسطيني، وخاصة قيادة الرئيس محمود عباس الذين ألقوا بكل أوراقهم في خيار المفاوضات واعتبروا انهم أمام فرصة تاريخية تتمثل في رؤية بوش لاقامة دولة فلسطينية، سوف يقود الى تقويض شرعية وقيادة السلطة الفلسطينية، وسوف يعزز من شرعية ومصداقية القوى الرافضة للتسوية وخاصة "حماس"، و"حركة الجهاد الاسلامي"، فانهيار الامل في التسوية سيعزز من مصداقية قوى المقاومة، وسيتأكد للجميع ان إسرائيل لا تريد السلام، وان تحقيق آمال الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال وإنهاء الاحتلال لن يتأتى إلا عبر المقاومة، الأمر الذي سيعني تأجيج الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وانهيار خيار التسوية ودخول المنطقة في دهاليز سيناريوهات الصراع والعنف وربما اندلاع حروب اقليمية موسعة جديدة.
ولهذا، فإن العام الأخير من ولاية بوش سيكون حدا فاصلا وحاسما بين خيارات التسوية ووصول مسار أوسلو إلى منتهاه، وبين تزايد احتمالات تجدد لغة الصراع بسبب التراجع الإسرائيلي المرجح عن مسارات السلام وتطلعها لصيغة اقليمية جديدة تستوعب الأطماع التوسعية للمشروع الإسرائيلي.
وهو ما لن يكون مقبولا وسيكون موضع رفض ومقاومة مما سيضع المنطقة على أعتاب المجهول، وتزايد احتمالات تبلور قواعد ومعادلات جديدة للصراع الاقليمي في ظل تزايد احتمالات أفول مشروع السلام أو تعثر تسوية الصراع التاريخي بين العرب وإسرائيل.
عن صحيفة الوطن العمانية
5/2/2008


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.