مؤتمر... لقاء... أو مهرجان دولي للسلام ماجد عزام «هذا ليس مؤتمر سلام كبيرا، إن مثل هذا التعريف طموح أكثر مما ينبغي، هذا سيكون لقاء، يوجد من يحاول رسم ذلك كمؤتمر سلام كبير، ليس هذا هو الحال»، الكلام السابق للناطق بلسان البيت الأبيض طوني سنو محاولا تخفيض التوقعات جراء دعوة الرئيس بوش الى لقاء دولي وليس الى مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط. الفرق كبير طبعا بين الأمرين برغم أن الناطق باسم البيت الأبيض لم يمتلك الشجاعة لتسمية الأمور بأسمائها ولم يقل أن ما نحن بصدده ليس أكثر من مهرجان دولي للسلام وبالتعبير العامي الدارج همروجة إعلامية دولية تقودها الولاياتالمتحدة من أجل بث الانطباع أن القوة العالمية الأولى تقوم بدورها في حل النزاع في فلسطين وأن المشكلة في دول المنطقة نفسها التي لا تقوم بما عليها من أجل إنهاء النزاع. دعوة الرئيس بوش الى لقاء أو مهرجان دولي للسلام في المنطقة جاءت متزامنة مع الذكرى الخامسة لخطابه الشهير في الرابع والعشرين من حزيران يونيو 2002 ذاك الخطاب الذي حمل ما يوصف زورا وبهتانا برؤية أو خطة بوش التي تستند على «حل الدولتين أي دولة فلسطينة قابلة للحياة متصلة جغرافيا ديموقراطية الى جانب اسرائيل كدولة يهودية». آنذاك كتب المحلل الاسرائيلي الشهير ناحوم برنياع أن خطاب الرؤيا صيغ بأيد ليكودية وأنه كتب بالتنسيق وحتى الخضوع التام لرغبات رئيس الوزراء الاسرائيلي آنذاك آرئيل شارون الذي أصر على المدخل الأمني لأي خطة أو رؤيا سياسية. يعني أن لا حوار أو مفاوضات ذات طابع سياسي طالما استمرت عمليات المقاومة وطالما احتفظت هذه الأخيرة بسلاحها وفقط بعد نزع سلاحها وقيام الفلسطيني بإصلاحات ديموقراطية وإدارية مالية يمكن التطرق الى الشأن السياسي؛ وإضافة إلى هذا المطلب الاسرائيلي تم تضمين خطاب رؤية بوش مطلب آخر يدعو الفلسطينيين إلى التخلص من قياداتهم ممثلة آنذاك بالرئيس ياسر عرفات وتشكيل قيادة جديدة خالية من الإرهاب والفساد حسب التعبيرات الشائعة والشهيرة للرئيس جورج بوش وأركان إدارته. بعد خمس سنوات لم يتعلم الرئيس جورج بوش شيئا ولم ينس شيئا أيضا فهو يستخدم نفس المدخل الأمني لمشكلة هي سياسية بالأساس. يطالب الفلسطينيين بالتخلص من حماس إذا ما أرادوا الحصول على دولة قابلة للحياة ومتصلة جغرافيا بالقدرات التي يسمح بها الاسرائيليون. وجل ما فهمه أو قام به الرئيس بوش بشخصيته المصهورة وتوصيفاته الساذجة والبسيطة للقضايا المعقدة هو استبدال الرئيس ياسر عرفات بحركة حماس وغير ذلك فإن ما فشل من خمس سنوات في تكريسه وتجسيد نفسه ما زال صالحا وبالإمكان تجربته مرة أخرى. إضافة إلى النقاط المنهجية السابقة الذكر فإن ثمة ملاحظات أساسية وتذكيرية أخرى يمكن تسجيلها على دعوة الرئيس بوش للقاء دولي للسلام ويمكن تلخيصها على النحو التالي: أولا: كان يفترض أن تصدر دعوة بوش للقاء دولي للسلام في الذكرى الخامسة لخطابه الشهير الذي يوصف مجازا بخطاب الرؤية غير أن الأمر لم يتم ليس بسبب أحداث غزة ومنتصف حزيران الماضي وكما روج على نطاق واسع بل بسبب وجود إيهود أولمرت في واشنطن في التاسع عشر من حزيران يونيو أي أن الإدارة الأميركية أرادت من إصدار دعوتها مباشرة بعد مغادرة أولمرت لواشنطن حتى لا يفهم الأمر وكأن القصة هي دعوة أو رغبة اسرائيلية مغلفة بغلاف أو إطار أميركي رغم أن هذا الاجتهاد يصيب عين الحقيقة خاصة أن الصحافة الاسرائيلية لم تخف الأمر فنقلت صراحة عن مصادر في مكتب أولمرت ارتياحها لدعوة بوش للقاء دولي للسلام واعتزازها بأن الفكرة هي أساسا فكرة أولمرت بينما اقتصر الإخراج على الرئيس الأميركي جورج بوش وإدارته. ثانيا: وكما اعترف الناطق باسم البيت الأبيض فإن الأمر لا يتعدى كونه لقاء وليس مؤتمرا دوليا يفترض أن يعقد برئاسة الأممالمتحدة وتضع الخطوط العريضة أو تصورات ومسودات الحلول للصراع وتفرضها يآليات ووسائل واضحة ملموسة بل مجرد لقاء وحتى مهرجان تلتقي عبره الأطراف العربية والاسرائيلية تتناول الخطابات المنمقة وكما جرى في شرم الشيخ منذ أيام، ثم يعود كل شيء إلى طبيعته أي أن هذا اللقاء أو المهرجان يراد منه إعلاميا خدمة رئيس الوزراء إيهود أولمرت وسياسيا خدمة إسرائيل وحكومتها واستخدام المبادرة العربية ولكن بالاتجاه العكسي يتم التطبيع بين الدول العربية واسرائيل قبل أن تقوم هذه الأخيرة بالانسحاب من أي جزء من الأراضي العربية المحتلة وقبل أن تنشأ الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة على الأراضي المحتلة عام 1967 على اعتبار أن ذلك هو المدخل الواقعي والمنطقي الوحيد للسلام في الحوض العربي الاسلامي الذي يطلق عليه مجازا الشرق الأوسط. - ثالثا: لم يكن صدفة أن تستمر الدعوة للقاء أو المهرجان الدولي للسلام في الخريف القادم وهو موعد اسرائيلي بامتياز وحتى أولمرتي بامتياز فقد تم اختياره متزامنا مع موعد نشر التقرير النهائي للجنة فينوغراد التي تحقق في الاخفاقات السياسية والعسكرية الاسرائيلية خلال حرب لبنان الثانية أي أن المقصود والمستهدف هو جلب انتصار سياسي ودبلوماسي لأولمرت عبر صور ولقاءات القادة العرب وخاصة بحيث تقيم دولهم علاقات مع اسرائيل بحيث يقال أن أولمرت الآن في ذروة عملية سياسية ودبلوماسية تهدف إلى التطبيع والسلام مع الدول العربية وأنه ليس من المناسب التركيز على انتقاده والعمل على استبعاده في هذا الوقت بالذات أي أننا امام محاولة لإطالة العمر السياسي لأولمرت وتأجيل الانتخابات الاسرائيلية المبكرة قدر الإمكان على اعتبار أن ذلك يمثل مصلحة أميركية أيضا حيث أن الإدارة الأميركية لا تريد خوض معركة وسجال انتخابي اسرائيلي في ذروة حربها المتعددة الأساليب والأشكال على من تصفهم بمعارضيها أو من يقفون في وجه السياسات والمصالح الأميركية في المنطقة. رابعا: لا يحتاج المرء إلى عظيم جهد لاستخلاص أن فكرة أو خطة الدعوة إلى لقاء أو مهرجان دولي للسلام وعلى تواضعها تهدف إلى تكريس الانقسام العربي - العربي بين الدول العربية والفلسطيني - الفلسطيني بين الفصائل والقوى الفلسطينية وتحديدا بين فتح وحماس ومرة أخرى نجد أننا أمام الفيلم الأميركي الطويل والممجوج محور المعتدلين الذي يمتد من القدس والضفة حتى بغداد في مواجهة محور المتطرفين الممتد من غزة وحتى طهران أي أن فكرة اللقاء لا تستهدف الوصول إلى سلام وتهدئة في المنطقة بل إلى تأجيج الخلافات والصراعات سواء داخل الدول العربية أو بين هذه الدول _ بعضها البعض. خامسا: اخطر ما في ثنايا الدعوة الأميركية المسمومة والملغومة المناشدة الأميركية لمصر والأردن بفتح الحدود وتسهيل تواصل الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة مع العالم الخارجي أي أننا أمام موقف أميركي يقبل الفصل الجغرافي وكسر الوحدة السياسية والجغرافية بين الضفة الغربية وقطاع غزة. أما على المستوى الاستراتيجي فنحن أمام قبول أميركي مبدئي يضع القضية الفلسطينية على طريق أن يعود قطاع غزة بشكل ما للوصاية أو للإشراف المصري ونفس الشيء بالنسبة للضفة الغربية لكن بالاتجاه الأردني وتصبح فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة من الماضي أو ضحية لعدم رغبة الفلسطينيين أنفسهم في أخذ مسؤوليتهم ومصيرهم بأيديهم وإثبات نياتهم السلمية والديموقراطية في التعايش بأمان جنبا إلى جنب مع اسرائيل . في الأخير يمكن ببساطة القول أن مصير اللقاء أو المهرجان الدولي للسلام سيكون مماثلا لكل الخطط والمشاريع الأميركية التي طرحت خلال السنوات السبع الأخيرة فنحن امام حديث أو مجرد تفوهات تفتقد إلى العمل الجدي والدؤوب على الأرض غير أن حالة الانقسام السياسي الفلسطيني والفشل الذريع للساحة السياسية والنية الفلسطينية في تسوية خلافاتهم أو حتى تنظيمها وترتيبها ضمن إطار وطني شامل قد تسهل تمرير كل السياسات والمخططات التي يعجز عرابوها عن تنفيذها بقواهم الذاتية سنسمع كثيرا ما لم يكن هناك موقف فلسطيني جدي مسؤول وموحد عبارة لن نكون ملكيين أكثر من الملك ولن تكون فلسطين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم ولن تعمل على تحقيق المطالب والمصالح والرؤى الفلسطينية التي يهدرها ويهدمها أصحابها في ظل خلافاتهم الفئوية والتنظيمية الصغيرة وضيقة الأفق.