صوّر البعض تنصيب المواطن الأمريكى الأسود باراك حسين أوباما رئيساً للولايات المتحدةالأمريكية, كمرحلة فارقة فى تاريخ البشرية بصفة عامة, وتاريخ العم سام بصفة خاصة, لما يحمله ذلك التنصيب من الغاء للتمييز العرقى ظلت تحت تهديده الولاياتالمتحدةالامريكية عقود من الزمان أفرزت حربا أهلية أزهقت الكثير من الأرواح.
وأثناء احتدام المعركة الإنتخابية على الرئاسة الأمريكية قال المرشح الديمقراطى الأسود باراك حسين أوباما أنه يمثل جسراً, وقوة توحيد في أمريكا, وهو ما ضمن له عدد كبير من أصوات الناخبين البيض, خاصة فى معقلهم, في المنطقة الشمالية الوسطى, فضلا عن الناخبين السود فى أقصى الجنوب, لذلك يرى الكثير من المحللين أن عدم اعتماد الرئيس أوباما على اللون أو العرق فى حملته الانتخابية كانت سبباً قوياً, فى فوزه فى الانتخابات.
ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهى السفن, فمع تولي باراك أوباما مقاليد السلطة, كأول رئيس أمريكي أسود للولايات المتحدة ارتفعت نبرة التوتر العرقي في الولاياتالمتحدة، والغريب أن الرئيس الأمريكى كان أول من اكتوى بنار العنصرية, فقد واجه الرئيس الرابع والأربعين لأمريكا, تهديدات شخصية غير مسبوقة، لم يتعرض لها رئيس أمريكي على الإطلاق.
منها العثور على شجرة في "أيداهو" تحمل شارة كتب عليها اسم أوباما وعرض "لشنق علني مجاناً"، فضلاً عن تهديدات عنصرية رُسمت على جدار نفق بالقرب من معسكر جامعة "نورث كارولاينا ستيت", كما اعتقل المحققون الفيدراليون ثلاثة أشخاص في فندق صغير بضواحي مدينة دينفر بولاية كولورادو، عثر بحوزتهم على مخدرات وأسلحة، ووجهت لهم تهمة "تشكيل تهديد حقيقي" لأوباما خلال المؤتمر القومي للحزب الديمقراطي.
وفي نوفمبرالماضي، وجهت محكمة فيدرالية أمريكية تهماً لأمريكيين من البيض بالتخطيط "لتنفيذ أعمال قتل" ضد أمريكيين من أصول أفريقية، على أمل تتويج "ثورتهما"بقتل باراك أوباما, بل وصلت العنصرية ضد الرئيس أوباما لدرجة عرض إحدى المتاجر بولاية "مين" - علناً- ملصقاً بإحدى المتاجر يدعو عملاءه للمراهنة للتكهن بجدول زمني لسقوط أوباما ضحية عملية اغتيال!.
وفى نهايات عام 2008 اعتقلت الشرطة الأميركية أربعة اشخاص في دنفر غرب الولاياتالمتحدة بتهمة التدبير لقتل المرشح الديمقراطي للرئاسة الاميركية باراك اوباما.
وفى ولاية ميتشيغان حمل رجل من منظمة “كو كلوكس كلان" العنصرية علماً أمريكياً ولوّح بمسدسه في الشارع احتجاجاً على انتصار أوباما فى الانتخابات الرئاسية, وفي الولاية ذاتها أيضاً، قام موظفون في إحدى الشركات بتعليق العلم الأمريكي بالمقلوب، كتعبير عن الأسى على وصول “هذا الزنجي" إلى البيت الأبيض، على حد تعبيرهم.
أما في كاليفورنيا فقد اقدم عدد من الأشخاص علي كتابة تعابير عنصرية ورسم صلبان معقوفة على منازل وعدد من السيارات التي تحمل صور أوباما ولافتات تأييد له، ومما كتب عبارة "عد إلى إفريقيا".
والناظر إلى جملة الحوادث السابقة, يجد أن دافعها الرئيسى يعود إلى العنصرية ضد عامل العرق وكونه أول رئيس أمريكي أسود, وهو ما اعترف به المستشار الأمنى الذى أشرف على توفير الحماية لأوباما, فى فترة من الفترات. والمثير فى الأمر أن الأفعال العنصرية ضد أوباما لم تقتصر على بعض البيض الأمريكيين, بل تعدت إلى بعض كبار المسؤولين فى البيت الأبيض, خاصة نائب الرئيس جون بايدن, ووزيرة الخارجية هيلارى كلينتون. وظهر ذلك جلياً فى الخلاف الواضح بين الفريقين عبر الكثير من القضايا سواء المحلية, أو ما يتعلق بالأوضاع فى الشرق الأوسط.
وعلى الرغم من عدم استخدام باراك أوباما للقضايا العنصرية, والعرقية فى حملته الإنتخابية, وإشادة المراقبين بذلك, إلا أنه خصص خطاباً تناول فيه قضايا الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية معترفاً بأن "ألم العنصرية مازال موجودًا في الولاياتالمتحدة", ومشيراً إلى أن "الأمريكيين من أصول إفريقية عاطلون عن العمل أكثر من أي فئة أخرى. وأن الأمريكيين من أصول إفريقية يعانون من مجموعة من الأمراض أكثر من غيرهم.
وهذا إن دل فإنه يدل على إدراك الرئيس أوباما لما يعانيه السود من تفرقة عنصرية, حتى فى أبسط متطلبات الحياة, فقد أظهر تقرير اقتصادي أصدره مركز "بوسطن" للأبحاث فى يناير الماضى أن نسبة البطالة لدى الأفارقة الأمريكيين وصلت في ديسمبر 2008 الى 11.9 % ، في الوقت الذي بلغ معدل البطالة على المستوى الوطني 7.2 %، وقد بلغت نسبتها عند الشباب السود 32.8 %, وهو ما يقارب ضعف نظيرتها لدى الشباب البيض ( 18.3 %).
وتفيد نفس الإحصائيات أن 24 % من السود يعانون الفقر, وهى بذلك تبلغ ثلاث اضعاف لدى نظيرتها من البيض , حيث تبلغ (8 %).
وكغيره من المجتمعات فى دول العالم المختلفة, التى تأثرت قيمها الإجتماعية سلباً, بتداعيات الأزمة المالية العالمية بدأ المجتمع الأمريكى يشهد تحولات إجتماعية خطيرة سواء فى ارتفاع معدلات الإنتحار والاكتئاب, أو فى زيادة وتيرة العنف الإجتماعى.
ومن ضمن التغيرات الخطيرة التي يشهدها المجتمع الأمريكى, تلك المتعلقة بالعرق, فقد شهدت أمريكا عددا من الحوادث الفردية كادت تتحول إلى توترات عرقية وتشير آخر الاحصائيات إلى أن الأمريكيين من أصول افريقية والأفراد المنتمين إلى الأقليات العرقية الأخرى يتعرضون للإيقاف من جانب الشرطة أكثر مما يتعرض الأمريكيون البيض.
فلا يعقل أن تتأثر شعبية رئيس دولة, بعد حادثة فردية ُأسئ فهمها, حيث انخفض تأييد الرئيس الأميركي بين أوساط الناخبين البيض إلى ما دون 50% لأول مرة منذ بداية رئاسته عقب اتهامه الشرطة بالتصرف ب"الغباء", بعدما اعتقل شرطي أبيض "بطريق الخطأ" أستاذا أسود بارزا بجامعة هارفارد, فقد تراجعت من 57 بالمائة في شهر يوليو/تموز الماضي إلى 50 بالمائة فقط، مما يمثل أدنى معدل لشعبية الرئيس منذ تنصيبه في شهر يناير الماضي.
وفى مقابل ما يعانيه السود يشعر البيض إيضاً بالتفرقة, والعنصرية من قبل الرئيس الأسود باراك أوباما, فقد اتهم إعلامي أمريكي محافظ الرئيس الأمريكي بكراهية البيض قائلا "أعتقد أن هذا الرئيس كشف عن نفسه - أكثر من مرة - باعتباره إنسانا لديه كراهية عميقة للأشخاص البيض أو الثقافة البيضاء."
فى اعتقادى أن انتخاب الشعب الأمريكى بصفة عامة, والبيض بصفة خاصة, للمرشح الديمقراطى الأسود باراك أوباما, لم يأت نتيجه لوصول المجتمع الأمريكى لمرحلة "ما بعد العنصرية", أو ل كاريزمية باراك أوباما وإن كان لها دوراً فى نجاحه, وإنما جاء لتحسين صورة أمريكا فى العالم, خاصة بعد تورطها فى عدد من الحروب فى الشرق الأوسط, كالعراق, وأفغانستان,والصومال ،ومساندتها المطلقة لإسرائيل المعتدية وتسببها في توترات عديدة فى دول العالم المختلفة, فضلاً عن التدهور الاقتصادى الذى وصلت إليه المؤسسات الاقتصادية الأمريكية , ونقلها لإنفلونرا الأزمة المالية, التى سببتها, لكثير من اقتصاديات دول العالم.
فهل ستظل "دبلوماسية البيرة", قادرة على أن تمحو الفجوة العرقية العميقة, التى تفجرت بين البيض والسود فى أمريكا, أم أن المستقبل يحمل للرئيس الأمريكى الأسود, والشعب الأمريكي, رياح حرب أهلية جديدة ؟