أوباما.. ليس بلا مغزي د. رفعت السعيد اعتدنا في أسلوبنا العربي في التفكير أن ننظر للحدث ومهما اتسع واتسعت تداعياته ونتائجه من زاويتنا المباشرة دون أن نستمتع برؤية شاملة واستراتيجية حالية وبعيدة المدي معا. اعتدنا أن نكتفي من الحدث المهم بأن ننظر إليه عبر ثقب من الباب فلا نري إلا المساحة التي نعتقد أنها تخصنا نحن, ثم تنهمر التحليلات حول قطعة صغيرة من نتائج الحدث. والنتيجة هي أن نخطئ فيما هو كبير وممتد وحتي فيما هو صغير ومنكمش. وهكذا انحصرت أنظار الكثيرين حول موقف أوباما من القضية الفلسطينية ناسين أمرين مهمين أولهما أن أمريكا هي بالأساس دولة مؤسسات تمتد من المؤسسات الإدارية والتنفيذية والأمنية والبحثية إلي المؤسستين التشريعيتين الواسعتي النفوذ والتأثير, والثاني هو أن موقف الحزب الديمقراطي كان علي الدوام يكاد يكون متطابقا مع الجمهوريين من قضية الصراع العربي الإسرائيلي ليس فقط بسبب نفوذ اللوبي الصهيوني, وإنما أساسا بسبب مصالح استراتيجية رسمت منذ زمن طويل وتم تخطيطها وتجديد تخطيطها علي أساس اعتبار أن إسرائيل نقطة ارتكاز أساسية للنفوذ والمصالح الأمريكية في مجمل المنطقة. وربما لا نخطئ كثيرا إذا قلنا إن أوباما ولأن علي رأسه بطحة فيما يتعلق بهذه القضية سيكون شخصيا أكثر تشددا في مساندة إسرائيل. ولكن ماذا عن التداعيات الأخري؟ انحسار الموج العنصري: أن يختار الأمريكيون رئيسا من أصل إفريقي فإن ذلك يشكل سابقة غير مسبوقة ليس في أمريكا وحدها وإنما في مختلف الدول ذات الأغلبية البيضاء بما فيها دول تصرخ بالديمقراطية والمساواة مثل فرنسا وغيرها. وهذا أمر ليس بالهين في بلد لم ينجح في اقتحام عضوية الكونجرس فيه في الانتخابات السابقة سوي عضو واحد أسود هو أوباما نفسه برغم أن نسبة السود هي12% من السكان. ولا شك في أن لهذا الأمر تداعياته البالغة الأثر علي المكون الفكري الليبرالي للشعب الأمريكي وسوف ينعكس هذا المناخ الليبرالي علي مواقف بلدان عديدة أخري. انحسار سطوة الغول الأمريكي: قد أتي أوباما محمولا علي أعناق فشل سياسات سابقة.. منها إعطاء أمريكا لنفسها الحق في تحدي القوانين والمواثيق الدولية, وفرض سيطرتها علي المنظمات الدولية من الأممالمتحدة إلي المنظمات الدولية الفرعية, وأعطي رئيسها لنفسه الحق في أن يعلن من ليس معنا فهو عدو, وتحدت أمريكا الجميع معلنة بالقول وبالفعل أنها وحدها سيدة هذا العالم, عسكريا واقتصاديا وسياسيا. وأعتقد أن هذه الهزيمة الثقيلة التي دعت الشعب الأمريكي لاختيار أوباما الأسود رئيسا للبلاد تعني أن الشعب الأمريكي قد أدرك خطورة هذه السياسات المترفعة والمتعالية. ولا شك في أن انعكاسات هذا الموقف ستمضي قدما ممتدة نحو أوروبا حيث يسعي ساركوزي وأكثر من رئيس أوروبي إلي مزيد من التوحد ضد سياسات الهيمنة الأمريكية, ولا شك في أن هزيمة الجمهوريين تتيح للأوروبيين فرصة محاولة اقتسام كعكة العالم ومناطق النفوذ فيه بحيث يتحقق توازن جديد. ثم يتعين علينا أن ننظر إلي انعكاس ذلك علي القطب الثالث أي روسيا التي أعلنت في حرب جورجيا قيام عالم جديد متعدد الأقطاب. ثم يتعين أيضا أن نتأمل هذه الآثار علي تنامي النفوذ الصيني وحتي الياباني والهندي والبرازيلي.. إنها فرصة لاقتسام الغنائم من الأسد الأمريكي الجريح. وهناك كذلك الانعكاسات التي سوف تترتب بالضرورة علي دول أمريكا اللاتينية التي أعلنت التمرد مبكرا علي سياسات الاحتواء الأمريكية, وأين؟.. في الحديقة الخلفية الملاصقة لأمريكا. وكذلك ما قد يتاح من فرص آنية واستراتيجية لدول نامية مثل مصر وغيرها إذ ستتح لها فرصة إن امتلكت الإرادة والكفاءة للتعامل مع أقطاب متعددة ومتنافسة بعد أن كانت محاصرة بالنفوذ الأوحد لأمريكا. ولا شك في أن تأمل هذه الخريطة سوف يعطينا الفرصة كي نتفهم أن إعلان هزيمة الجمهوريين هو إعلان لفشل سياسة أعطت العالم أجمع ثمارا مريرة المذاق. هل ثمة حروب أخري؟ ولا شك في أن حربي العراق وأفغانستان ستتم في السياسات الأمريكيةالجديدة محاولة معالجة آثارهما المأساوية بأسلوب قد يكون أكثر إنسانية وأكثر احتراما للقانون الدولي ولشعوب هذه المنطقة. فالحرب العراقية وكذلك التطورات في أفغانستان لا شك في أنها ستلقن الرئيس الجديد درسا جديدا علي العقلية الأمريكية هو أن الحرب والعدوان العسكري ليسا السلاح المفضل في عالم اليوم.. ولا شك في أن ذلك سوف ينعكس علي مواقع كثيرة مثل إيران والسودان وسوريا وغيرها. ولعل ذلك سيدفعنا ويدفع العالم إلي وضع استراتيجيات جديدة لمواجهة أخطار الإرهاب الذي سوف يستشعر بالضرورة قدرا من الانتعاش كأحد الآثار الجانبية السلبية لهزيمة فكرة التدخل العسكري. وفيما يخصنا نحن سنجد أن أوباما الأسود الذي أتي من أقلية سوداء عاشت وظلت مضطهدة لأمد طويل لم يرشح نفسه كأسود ولا كمضطهد ولم يخاطب السود وإنما خاطب الأمريكيين جميعا مستحثا الجميع, وأكرر الجميع, علي العمل معا من أجل التغيير وبناء سياسات جديدة ولهذا نجح. ولعل هذا الدرس يليق بنا أن نتعلمه في معركتنا من أجل حل مشكلات الوحدة الوطنية وحقوق المواطنة, فالقضية ليست حل مشكلات مجموعة دينية وإنما هي قضية وطن إن استطاع أن يتخلص من قيود التفكير العنصري والمتطرف الذي لا يحترم الآخر ولا يتصور أن يمنحه حقوقه, أقصد كامل حقوقه, وإنما هي قضية تخص الوطن ككل, تحريره ككل, من أدران التفكير العنصري والمتطرف, وتحريره من كل قيد علي إعمال العقل والعلم والحرية, وتحريره من عناصر التمييز ودوافعه سواء جاءت بسبب من الجنس( رجل أو امرأة) أو بسبب من الدين( مسلم أو مسيحي) أو بسبب من الوضع الاجتماعي( فقير أو غني) أو بسبب من الجغرافيا( كإهمال محافظات الصعيد وغيرها).. فمعركة شاملة متكاملة يمكنها أن تستحث الجماهير للنهوض ويمكنها أن تنتصر. وأخيرا نقرر أنه ليس شعبا حرا ذلك الذي يسمح بالتمييز السلبي ضد بعض مكوناته.. عن صحيفة الاهرام المصرية 15/11/2008