تغطية الحرب على غزة: موضوعية الاحداث و انحياز المعالجة الاخبارية
* ثامر الزغلامي - تونس مثلما كانت الحرب على غزة حدثا مفصليا على المستوى العسكري و السياسي لدول المنطقة و محددا اساسيا لمستقبل الجغرافيا السياسية في الشرق الاوسط في مساراتها المختلفة, كانت هذه الحرب ايضا نقطة تحول هامة في الممارسة الاعلامية وضعت مفاهيم الموضوعية و الحياد و الحرفية محل تساؤلات عديدة خاصة في ما يتصل بتغطية قناة الجزيرة القطرية في مقابل مؤسسات اعلامية غربية . تغطية الفضائية القطرية الجزيرة للحرب على غزة حظيت بدراسات مختلفة حاولت رصد مواطن الخلل و التميز في هذه التغطية.
من ذلك تحقيق صدر بالصحافة الفرنسية و الالمانية للصحفيين " نينا شونماير و اليف كايي" و قد خلص التحقيق المعمق الى الاعتراف بنجاح القناة في التحكم في الميدان اعلاميا و احتكار الصور و الاخبار المنقولة من موقع الحدث رغم ما عابه بعض المختصين على هذه التغطية من انحياز لحركة المقاومة الاسلامية حماس و من تقصير للقناة عموما في التغطية المتوازنة لبعض الاخبار في العالم العربي . التحقيق بحث في استراتيجية القناة و تاثيرها ضمن ثلاثة محاور كبرى هي : دور التغطية الاعلامية للحرب على غزة في توسيع نطاق المشاهدة لبرامج القناة و الجزيرة كقناة مقاومة او دعائية و اخيرا التغير الذي احدثته القناة على المشهد الاعلامي العربي و العالمي . في المحور الاول أبرز التحقيق استفادة الجزيرة من قرار اسرائيل منع الصحفيين من دخول القطاع مع بداية الحرب . هذا القرار جعل فضائية الجزيرة في وضعية شبه احتكار للصور المنقولة من موقع الحدث. و مثل قطاع غزة طيلة أكثر من ثلاثة اسابيع المجال الجغرافي الاساسي للخبر التلفزيوني للقناة من خلال مراسلين يتحكمون جيدا في الميدان و على علاقات متينة بمصادر الخبر .
و حاولت القناة حسب المصدر ان تستفيد من هذا الاحتكار و من التطور الهائل في تكنولوجيات الاعلام و الاتصال و بثت صورا على النات بهدف كسب المعركة الاعلامية بمعناها المهني و ليس السياسي, و ضمن هذا الجزء أشار مخاييل براخ " باحث في معهد الدراسات الدولية و الاستراتيجية بباريس ان هذه الصور كانت اقرب الى وجهة نظر حركة المقاومة الاسلامية حماس. قناة مقاومة او اعلام شعبوي هذا ما طرحه الجزء الثاني من التحقيق اذ تناول الانتقادات المعلنة ضد تغطية القناة للحرب على غزة , فهي قناة دعائية لحماس حرصت على ابراز اسرائيل في صورة سلبية .
متحدث اسرائيلي قال ان المقابلات مع الشخصيات المرتبطة بالاخبار ركزت مثلا على استخدام اسرائيل لقنابل الفوسفور و لم تول اهمية لافاق نهاية الحرب او محادثات السلام . و خلص بعض المختصين في هذا الجزء الى استجابة القناة لانتظارات و عواطف الجمهور العربي المستهدف اساسا برسائل القناة و هذا حسب " مخاييل باراخ" يمس من مصداقية هذه المؤسسة الاعلامية .
وعاد التحقيق في الجزء الاخير الى ظروف تاسيس القناة و علاقتها بالحكومة القطرية و ذكر باهم التغطيات الاعلامية التي قامت بها طيلة السنوات الماضية و اعترف بنجاحها في في تقديم صورة واقعية و موضوعية عن الحرب و تفوقت بالتالي على اغلب القنوات المنافسة التي اهملت الجانب الميداني بما اثاره من جدل و عملت على ابراز الخطوات الديبلوماسية لانهاء النزاع. ان الحديث مرة اخرى عن العمل الاعلامي الذي يميز التغطيات الاخبارية الكبرى للقناة دليل على خروج الاحتكار الاعلامي من مناطق نفوذ معينة و اشارة الى بروز مفاهيم جديدة للعمل المهني تاسست بفضل فضاء تكنولوجي مفتوح لم تعد فيه المعلومة تصنع في مخابر خاصة حسب احجام مطلوبة مسبقا .
و ما قدمته القناة و بعض المصادر الاعلامية الاخرى خاصة على شبكة الانترنات يسائل من جديد الاعلام الغربي الذي اضاعت المصالح العليا لبعض الدول مهنيته و موضوعيته و عادت به خطوات الى الوراء . ان الاعلام الحر و المستقل و الموضوعي كمنتوج للحضارة الغربية برز في سياق طمح الى التاسيس لمجتمعات ديموقراطية تتحقق فيها العدالة و المساواة و الانصاف و كان بالتالي باحثا جديا عن الحقيقة و منصفا صارما للمظلوم ومدينا للظالم .
و مازال هذا الاعلام يؤدي الدور نفسه في شؤونه الداخلية لكنه ظل الطريق في القضايا الخارجية و اصبح بدعوى الموضوعية يساوي بين الضحية و الجلاد و القاتل و المقتول و يوهمنا ان قنابل الفوسفور المنفجرة في سماء غزة هي العاب نارية هدية اسرائيل لاطفال غزة في اعياد الميلاد . ثامر الزغلامي – * صحافي من تونس [email protected]