من دروس أنابولس في المسألة "التطبيعية" رضي السماك عبرت وزيرة الخارجية “الإسرائيلية" تسيبي ليفني عن امتعاضها الشديد لحرص أعضاء الوفود العربية المشاركة في اجتماع أنابولس على تفادي مصافحتها أو الالتقاء بها، وقالت إنه بدا تعاملهم وكأنها جرباء منبوذة. وكانت الولاياتالمتحدة تهدف ضمن ما تهدف من عقد اجتماع السلام في أنابولس بالولاياتالمتحدة برعايتها والذي جمعت فيه وزراء ومسؤولين كباراً عرباً و"إسرائيليين" إلى أن تفرض المصافحات الصدفية نفسها في هذا الملتقى. إلا أن الامتعاض الذي عبرت عنه هذه الوزيرة المتغطرسة إنما يدلل بوضوح على الأثر الكبير لسلاح المقاطعة في هز نفسية العدو وإشعاره دائماً وأبداً بالعزلة الخانقة، وأن مطلب كسر هذه العزلة للاندماج في المحيط الإقليمي للمنطقة العربية ليس سهلاً مجانياً بلا ثمن، مثلما تحاول دائماً “إسرائيل" فرضه والحصول عليه بلا مقابل. وهكذا يتبين لنا أن العرب يستطيعون إذا ما أرادوا حقاً على الصعيد الرسمي عدم الاستسلام للإرادة الأمريكية والضغوط الدولية للقبول بالتطبيع مع الدولة العبرية من دون تنازلات فعلية ملموسة متحققة لا تنازلات شكلية. إن وزيرة الخارجية “الإسرائيلية" التي أبدت حنقها وتبرمها من حالة العزلة التي شعرت بها في أجواء اجتماع أنابولس إزاء ما وصفته بتعمد الوزراء والمسؤولين العرب تفادي مصافحتها أو الالتقاء بها نسيت أو تناست دعوتها العنصرية الفجة قبل أيام من الاجتماع بتهجير جزء من مواطني “دولتها" كما يفترض ألا وهم “عرب 48" إلى الدولة الفلسطينية المسخ الموعودة. ولئن كان هذا التصريح الاستفزازي هو الذي حدا بأحد شبان عرب 48 العاملين في أحد المحلات التجارية إلى كراهية ورفض التعامل معها أثناء تسوقها في المحل، ما أثار دهشتها وذهولها العارم، فإن هذا الموقف الوطني الشهم لهذا الشاب الفلسطيني يرينا كيف أنه حتى أكثر الفلسطينيين والعرب عذراً في التطبيع المفروض عليهم موضوعياً إذا ما أرادوا البقاء والتشبث بأرضهم الفلسطينية العربية داخل الكيان “الإسرائيلي" يستطيعون في الكثير من المواقف والحالات إبداء رفضهم التطبيع بطريقتهم الخاصة أو التعبير عن هذا الرفض حتى في إطار التطبيع المفروض عليهم كما فعل إلى حد ما بعض المسؤولين والوزراء العرب بتحاشي الالتقاء بالوزيرة أو مصافحتها حتى داخل اجتماع أنابولس المنعقد برعاية أمريكية. أكثر من ذلك فإن الولاياتالمتحدة تبيح لنفسها استخدام سلاح المقاطعة ضد الدول التي لا تروق لها سياساتها، فلماذا إذاً تبدي انزعاجها من استخدام هذا السلاح ضد صديقتها “إسرائيل" من قبل الدول التي لا تقيم علاقات دبلوماسية واقتصادية معها؟ وإذا ما نحينا جانباً كل الاعتبارات التاريخية والثقافية والاجتماعية والدينية التي تبيح للعرب التمسك بها أمام المجتمع الدولي لرفض التطبيع مع الدولة العبرية فإن واحداً من أكثر هذه الاعتبارات العملية منطقية ووجاهة مازالت الدول العربية، وعلى وجه التحديد التي تتبنى “الديمقراطية" تعزف عن توظيفها في حججها لرفض التطبيع على الرغم من أن هذه الاعتبارات هي أقوى الذرائع على الاطلاق في مواجهة الضغوط الأمريكية، ونقصد بها رفض السلطات التشريعية المنتخبة دستورياً في بلدانها هذا التطبيع. أوليست أمريكا تعتبر نفسها دولة ديمقراطية ودولة مؤسسات؟ فلماذا لا تحترم إرادة برلمانات الدول العربية؟ ولماذا هذه الدول التي تعتبر نفسها ديمقراطية لا تعرض الموقف من التطبيع مع الدولة العبرية على برلمانات شعوبها؟ فإذا ما رفضت هذه البرلمانات التطبيع، كما هو مرجح بقوة، تستطيع بعدئذ أن تبرر لأمريكا رفضها التطبيع باحترامها وتقيدها بقرارات السلطة التشريعية في بلدانها؟ عن صحيفة الخليج الاماراتية 12/12/2007