أمفهوم السلام الإسرائيلي علي القزق كشفت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني في مقابلة أجرتها مع قناة التلفزيون الإسرائيلية العاشرة في 23/11/2007، كما نقلها مركز المعطيات والدراسات الإستراتيجية، أن ما تسعى إليه إسرائيل من الدول العربية في مؤتمر أنابوليس قائلة أعتقد أن مشاركتهم مهمة، وستكون عبارة عن امتحان بالنسبة لهم، فدائماً كانوا يدعون أنه يصعب عليهم المشاركة في مؤتمرات كهذه، لطالما صُوَرُ الجنود الإسرائيليين والدبابات والبلدوزرات...الخ. والفلسطينيين وصور من الحياة اليومية في المناطق الفلسطينية، تشكل الطابع العام لمجريات الأمور، أما اليوم فإن مؤتمر أنابوليس يشكل بالنسبة لهؤلاء العرب فرصة مهمة للتخلص من ذلك الشعور، فهم يتواجدون ويرون الإسرائيليين والفلسطينيين بمظهر حضاري يجلسون ويتناقشون ويتفاوضون، ...نعم إن مشاركتهم مهمة لتكون بالنسبة لهم نوعا من المساعدة للتغلب على مشاعرهم تلك إزاء الوضع السائد، ...إضافة إلى أن مشاركتهم ستساعدهم أيضا في إثبات ما يقولونه لشعوبهم، إنهم يقفون إلى جانب الشعب الفلسطيني، ومشاركتهم ستثبت لشعوبهم أنهم يقفون إلى جانب أبو مازن، ويشدون من عزيمتهم". وشددت ليفني على أن "المسيرة السياسية السلمية ستضطر كل الأطراف إلى تقديم تنازلات، والموافقة على حلول وسط، وهنا تكمن أيضا ضرورة مشاركة الدول العربية إلى جانب أبو مازن، الذي لن يستطيع أبدا الانطلاق باتجاه الأمان إذ لم توافق على ذلك الدول العربية، وإذا لم تبارك خطواته بهذا الاتجاه". وأكدت أن "إسرائيل من ناحيتها ستستفيد من المشاركة العربية في أنابوليس لجهة تحسين صورتها الدولية، ولتأكيد أن الكرة أصبحت الآن في الملعب العربي وليست في المرمى الإسرائيلي كما كانوا يدعون". وقالت ليفني إن الحكومة الإسرائيلية قررت البدء بعد أنابوليس مباشرة "السير وفق مسارين اثنين مع الفلسطينيين، بحيث يكون الأول مفاوضات حول نقاط معينة، والثاني مترافق مع الأول ومرتبط به مباشرة، وهو عبارة عن عمل على الأرض تقوم به السلطة ضد الجهات والمنظمات الفلسطينية الرافضة والمعارضة للمسيرة السلمية". وهنا طلب المذيع من الوزيرة ليفني التوضيح أكثر فقالت: "بكل صراحة ووضوح فإن أي تقدم بمسيرة المفاوضات مع الفلسطينيين مرهون ومرتبط مباشرة بتمكن السلطة الفلسطينية من إحراز تقدم لجهة محاربة الإرهاب الفلسطيني والقضاء عليه، وهذا ما يفهمه ويعرفه محمود عباس الذي لا يعني بالنسبة لي كم هو قوي أو ضعيف، بقدر ما يعنيني مقدار استعداده لتلبية مصالح مشتركة، وأهمها محاربة الإرهاب الفلسطيني". وأضافت أن العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد ما سمته الإرهاب الفلسطيني ستتواصل حتى أثناء المفاوضات مع الفلسطينيين، وكذلك بعد التوصل إلى اتفاقات مع السلطة الفلسطينية، فإن العمل العسكري ضد الإرهاب الفلسطيني سيتواصل من قبل إسرائيل وأجهزة أمن السلطة أيضا، وهذا سيكون شرطا أساسيا يحدد مقدار التقيد بالاتفاقات التي سيتم التوقيع عليها، وكذلك مقدار التقدم في إقامة الدولة الفلسطينية. وهنا يمكن التلخيص بالقول "إن الطريق باتجاه الدولة الفلسطينية تمر حصرا ببوابة محاربة الإرهاب الفلسطيني". وأكدت مجددا أن أية اتفاقات قد يتم توقيعها بين الطرفين "لن ترى النور، ولن تنفذ ما لم ينفذ الفلسطينيون مبادئ خارطة الطريق، وخاصة البند الأول، الذي يلزم السلطة الفلسطينية بالقضاء التام على الإرهاب الفلسطيني". وختمت قائلة "إن إقامة الدولة الفلسطينية وفق الرؤية الإسرائيلية والمكان والزمان، ستلبي المصلحة الإسرائيلية، حيث ستكون دولة منزوعة السلاح، ومن جانب آخر ستلتزم وبموافقة عربية ودولية بمجموعة مبادئ وشروط تخدم المصلحة الإسرائيلية...تلك المبادئ والشروط هي إسرائيلية بامتياز، لم تكن لتحصل بدون إقامة دولة فلسطينية من طراز النموذج الذي تريده إسرائيل". هل يمكن أن يكون هناك أوضح من هذا الكلام وما يسعى إليه القادة الإسرائيليون؟ فأين هو الاعتدال الإسرائيلي وجنوحها للسلام مع العرب؟ فكلما أعرب العرب عن سعيهم للحل السلمي للصراع العربي الإسرائيلي وانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية والمقدسات الإسلامية المحتلة عام 1967، زاد القادة الإسرائيليون من تعنتهم وتطرفهم، والمطالبة بالمزيد من التنازلات العربية. بكلام آخر، فإن ما تقوله ليفني بكل وقاحة إن من عليه أن يدخل "الامتحان" للإعراب عن حسن النية وتغيير أفكاره ونظرته هم العرب وليس إسرائيل، وكأن العرب هم المعتدون، وهم المحتلون، وهم من يرتكب جرائم الحرب بشكل يومي، وهم من سرق وطنا بكامله وببيوته المفروشة، وهم من شرد شعباً بكامله بأبشع الأفكار العنصرية، وهم من يتحدى الشرائع والقوانين والقرارات الدولية. تقول ليفني إن ما تريده إسرائيل من العرب هو أن يتقبلوا ويعتادوا على منظر الدبابات والبلدوزرات الإسرائيلية، وقمع وقتل الفلسطينيين وهدم منازلهم كونها كما تقول "تشكل الطابع العام لمجريات الأمور". وبهذا الخصوص فإن إسرائيل تنظر إلى جلسات "التفاوض" التي تجريها مع الفلسطينيين بأنها ليست سوى غطاء حضاري لما تقوم به دباباتها وبلدوزراتها وآلة حربها. وبأن قبول العرب الجلوس معها يضع الكرة في المرمى العربي، و"يحسن صورتها الدولية" ويعطيها شهادة حسن سلوك عالمية تشهرها بوجه كل من يجرؤ على إدانة إجرامها. عندما تقول إسرائيل ومعها الولاياتالمتحدة الأميركية إن على الطرفين تقديم التنازلات وقبول الحلول الوسط، فإن ما يعنونه هو المطالبة بالمزيد من التنازلات من الجانب الفلسطيني عن حقوقه الشرعية، فإن كل تنازل فلسطيني هو تنازل لما يعود إليه شرعاً وقانوناً، وهو مكسب إسرائيلي لما ليس له أصلاً، فما هي التنازلات الإسرائيلية؟؟ الحقيقة هي أن الفلسطينيين والعرب قدموا تنازلات هائلة وأكثر من الحل الوسط عندما تنازلوا عن 78% من مساحة فلسطين وقبلوا بقيام الدولة الفلسطينية على الأراضي الفلسطينيةالمحتلة عام 1967 والتي تمثل 22% من فلسطين. إن إسرائيل تسعى لكي يتنازل الفلسطينيون عن حق لم يتنازل عنه بشر في التاريخ وهو حقهم بالعيش بوطنهم ومدنهم وبيوتهم التي طردوا منها؟ عندما رفض الشهيد القائد ياسر عرفات التنازل عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين والمقدسات الإسلامية في القدس الشريف خلال مؤتمر كامب ديفيد، حاول الرئيس كلينتون تجنيد عدد من القادة العرب لممارسة الضغط عليه للقبول. والآن ها هي ليفني تقول علانية إن المطلوب "ضرورة مشاركة الدول العربية إلى جانب أبو مازن، الذي لن يستطيع أبدا الانطلاق باتجاه الأمان إذ لم توافق على ذلك الدول العربية، وإذا لم تبارك خطواته بهذا الاتجاه". !!فأي اتجاه هذا الذي تتكلم عنه ليفني والذي تريد من الحكومات العربية المشاركة مباركته؟؟ وبعد كل ذلك تأتي كلمة السر، "الدولة" الفلسطينية بالمفهوم الاسرائيلي. فبعد التنازلات الفلسطينية والعربية عن كامل الحقوق، وبعد تحقيق جميع مصالح إسرائيل، وبعد ما تسميه ليفني "مفاوضات معمقة مطولة" والتي سوف تستغرق بالمعنى الاسرائيلي مئة عام أو أكثر، فإن هذه "الدولة" مرهونة بقيام أبو مازن ومن سوف يحمل تركته من بعده ب"محاربة الإرهاب الفلسطيني والقضاء عليه" و "عمل على الأرض تقوم به السلطة الفلسطينية ضد الجهات والمنظمات الفلسطينية الرافضة والمعارضة للمسيرة السلمية". أي بكلام آخر محاربة الفلسطينيين الذين سوف يرفضون التنازل عن حقوقهم العادلة التي تسميها إسرائيل بالمسيرة السلمية، وهم في هذه الحال سوف لن يكونوا من مؤيدي "حماس" و"الجهاد" و"الشعبية" وغيرها وإنما من حركة فتح وغيرها أيضاً، أي كامل الشعب الفلسطيني. هذه هي إسرائيل، وهذا هو السلام الإسرائيلي الذي تذهب الحكومات العربية لاستلامه في مؤتمر أنابوليس. من الواضح بان إسرائيل تنظر لسعي العرب للحل السلمي بأنه استجداء من منطلق الضعف والاستسلام، وهي لا تلام على ذلك عندما لا يقوم العرب بإعداد قواهم وجيوشهم وشعوبهم لدعم حقوقهم ومطالبهم الشرعية ومساعيهم السلمية. إن ما نراه للأسف هو العكس تماماً، فإسرائيل هي من يعد العدة ويجهز الجيوش والقوى لفرض عدوانها والاستسلام على العرب، والحكومات العربية تتراكض وراء سراب السلام الإسرائيلي الأميركي. عن صحيفة الايام الفلسطينية 28/11/2007