الأتفاقية الأمنية..ترسيم للانتداب الأمريكي في العراق * محمد بو كحيل
مما لاشك فيه أن النهاية المنطقية لأي صراع أو أية حرب أو نزاع هي لقاء الطرفين أو الأطراف على طاولة التفاوض والاتفاق على نقاط التفاهم بعد تنازل كل طرف عن بعض ما يراه حقا له مقابل حصوله على شيء مما يراه الخصم حق له فالاتفاق إذا يأتي بعد التوصل إلى صياغة تقارب وجهات النظر حول موضوع الاختلاف بين طرفي أو أطراف النزاع حول مسألة ما ، أو مفهوم ما،.
على غرار اتفاقية " التفاهم الودي" التي أبرمها الطرفان البريطاني والفرنسي في العام 1904م، وقطعت الطريق على الأحلام الألمانية،التي بموجبها أعيد ترتيب وتقسيم المصالح ومواقع النفوذ الاستعماري بين الدولتين، بحيث استأثرت فرنسا بمنطقة المغرب العربي.، بينما انفردت انجلترا بمصر، الخ.. وكلاهما يطمح أن يكون لها يد طولا وصوت مسموع، تعتمد على انتهاج مبدأ التعارض والاستقلالية في نظرتيهما حيال العالم وما يدور فيه من أحداث.
هذا هو منطق الأشياء وتلك محصلة التجارب عرفها تاريخ الإنسانية،فهل الصراع في العراق الذي وصل إلى حد الاحتلال بكل ما تحمله العبارة من معنى، لا على مستوى الأرض والسيدة فحسب بل يلغ حد مسخ عقول شريحة بشرية لتصبح قطع من الآلة الأمريكية، وما من إنسان على وجه هذه الأرض يجهل ما وقع ويقع في العراق ،ولا يوجد من يشك في إن أمريكا احتلت العراق دمرت البلاد وأبادت العباد، وأعلنت ذلك صراحة،فهل يبقى الاعتقاد بصحة الزعم الأمريكي والحديث عن اتفاقية ؟ تفاوض بين ماسخ وممسوخ في غياب صاحب القضية... المقاومة العراقية ؟؟.
اعتقد ان القلق المتنامي حيال ما تعيشه السياسة الأمريكية وما وصلت اليه صورة الرئيس بوش من تشوه هو الذي دفع الساسة في واشنطن وعملاؤهم في العراق إلى التفكير في مثل هذا الإجراء،لتمكين المرتزقة من الهروب من المستنقع الذي صنعوه في العراق مع الحفاظ بغنائمهم وتبييض صورة بوش الذي اشتهر بصناعة الحروب وممارسة الإرهاب الدولي- دمار- تشويه وتجويع وقتل الأبرياء و..-
وقد يتجلى ذلك أكثر من دفاع الإدارة الأميركية عن الاتفاقية الأمنية مع العراق ،حين قدم كل من وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس ووزيرة الخارجية كوندوليزا يوم الأربعاء 11 نوفمبر2008 فحوى تلك الاتفاقية في جلسة مغلقة أمام أعضاء من مجلسي النواب والشيوخ لتبديد مخاوف البعض إزاء تلك الاتفاقية التي تنصص على انسحاب كلي للقوات الأميركية من العراق نهاية العام 2011م،وعدم توفر النسخة الإنجليزية النهائية لنص الاتفاقية والاكتفاء بمسودة غير رسمية طلب من النواب ألا يطلعوا الرأي العام عليها.
فبعد الانقسامات في البرلمان العراقي وإعلان المقاومة رفضها للاذعان،ارتدت الديباجة حلة جديدة بعنوان جديد" اتفاقية الانسحاب من العراق" وما يدريك لعلها تتخذ عنوانا جديدا غدا ؟... إن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قال عن الاتفاقية "إنها تحافظ على السيادة العراقية وإنها لا تحتوي على بنود سرية وإنه لن تكون هناك قواعد أمريكية دائمة في العراق ولا هجمات عبر الحدود على الدول المجاورة."
وخلال كلمة متلفزة قال:" أقول لكم بكل امانة إن لدينا تحفظات على الاتفاقية، ...لكننا في نفس الوقت ننظر إليها على أنها بداية قوية لاستعادة سيادة العراق الكاملة خلال ثلاث سنوات ، أليس هذا هذيان من المالكي ؟.
من المقدمة يتضح ما تحمله الاتفاقية من مخاطر وما تضمنته من تناقضات،فهي تنصص على "تعزيز الأمن المشترك والمساهمة في الاستقرار الدولي ومحاربة الإرهاب في العراق، والتعاون لردع العدوان الموجه ضد سيادة العراق ونظامه الديمقراطي،..؟".
اقرأ ما يلي على سبيل المثال لا الحصر: - تعريف المصطلحات "المنشآت والمساحات المتفق عليها" هي التي تمتلكها حكومة العراق وتستخدمها قوات الولاياتالمتحدة أثناء فترة سريان مفعول هذا الاتفاق.. "تطلب حكومة العراق المساعدة المؤقتة من قوات الولاياتالمتحدة لمساندتها في جهودها من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار في العراق، بما في ذلك التعاون في القيام بعمليات ضد تنظيم القاعدة والمجموعات الإرهابية الأخرى والجماعات الخارجة عن القانون وبقايا النظام السابق". -
وفي المادة 05 "تحتفظ قوات الولاياتالمتحدة والمتعاقدون مع الولاياتالمتحدة بملكية كل المعدات والمواد والإمدادات والإنشاءات المنقولة والممتلكات الأخرى المنقولة المستوردة إلى العراق أو التي تم الحصول عليها داخل أراضي العراق بصورة مشروعة وذات صلة بهذا الاتفاق".
وفي المادة 06. تتولى قوات الولاياتالمتحدة السيطرة على دخول المنشآت والمساحات المتفق عليها المخصصة لاستخدامها حصريا .
وفي المادة 12. "للولايات المتحدة الحق الأوّلي لممارسة الولاية القضائية على أفراد قوات الولاياتالمتحدة وأفراد العنصر المدني بشأن أمور تقع داخل المنشآت والمساحات المتفق عليها، و أثناء حالة الواجب خارج المنشآت والمساحات المتفق عليها،..." الا تعيد للذاكرة صورة معاهدة "بورتسموث" ، الموقعة في الخامس عشر من جانفي العام 1948م على متن البارجة البريطانية فكتوريا" ولكن هذه المرة بصياغة أمريكية ؟.
بزعم البعض إن الاتفاقية "تحمي العراق من أخطار خارجية" (!) و يعتقدون إنها تخرج العراق من وصاية البند السابع للأمم المتحدة ،الذي يضع العراق في خانة الدول التي تمثل خطرا على السلم أو الأمن العالمي. ولأنه يهدد هذا السلم وعليه يحتاج إلى ولاية منحها مجلس الأمن إلى الولاياتالمتحدة، والحق أنها اتفاقية تجعل العراق مستعمرة أمريكية إلى وقت طويل غير منتهي الآجال، فالقوات المزمع ترحيلها انتهت مهمتها، ونصبت أدواتها فمن الطبيعي ان ترحل.
وصيغة رحيلها زاد من اهتمام بعض العراقيين، من دوي المكاسب المادية أو الحزبية الطائفية التي يحرص عليها الكثير من سياسيي عراق ما بعد صدام.
وبين الموالين للأمريكان والرافضين للاتفاقية ضاعت القضية العراقية فأهداف الرافضين (الصدر- وإيران ، مثلا).تباينت ،إيران تسعى لإبعاد الولاياتالمتحدة والاستئثار بالعراق وإبعاد حرب تستهدفها لاحقا بينما التيار الصدري يريد إثبات الذات والتغطية على خطئه في مناهضة النظام البعثي لصالح جهات خارجية.
وكيفما كانت الأطروحات ومهما تباينت صورها ، فان الأمل في المقاومة وإلا فالانتداب الأمريكي قد رسمته الاتفاقية .. كاتب من الجزائر *