لفت انتباه القليلين خطورة تصفح المشاهد العربي لوجوه قطعان القردة والخنازير من بني صهيون - ساستهم وعسكريهم- المحتلين للأراضي الفلسطينية المقدسة على شاشات الفضائيات الإخبارية العربية . ويعد ظهور شخصيات صهيونية على الفضائيات العربية كسرا للحاجز النفسي الذي أحاط بكيان الاحتلال الصهيوني أيام المقاطعة العربية - رحمها الله- كما يعد الظهور الإعلامي ركيزة أساسية لمشروع الاحتلال الصهيوني، ولذلك أصبح فناً سياسياً ونفسياً لمساندة هذا المشروع. ومن نافلة القول أن هذا الكسر يعد أخطر حلقات الصراع خاصة في ضوء ما هو معلوم من شعور اليهود تاريخياً بالاضطهاد وشعورهم في فلسطين بأنهم مغتصبون معتدون تهتز الأرض تحت أقدامهم رغم ادعاءاتهم العلنية بعكس ذلك. و تعود المحاولات الأولى للاختراق إلى قيام الكيان الصهيوني بتأسيس الخدمة العربية في (راديو إسرائيل) حيث عمدت المخابرات الصهيونية إلى توجيه برامج خاصة للعالم العربي شارك في إعدادها و تقديمها عملاء للمخابرات الصهيونية يتكلّمون لهجات بلدانهم العربية التي هاجروا منها. صدمة ظهور الصهاينة صنعتها قناة الجزيرة الفضائية، التي يتفق أكثرنا على أن ميلادها ساعد في كشفت زيف الإعلام الحكومي الممنهج بالكذب والمحترف للأباطيل، والذي استنزف الوعي العربي وبرمجه قسراً وفق مقولة "كل شئ على ما يرام ". كان لسان حال قناة الجزيرة أنه لا مانع من إتاحة الفرصة أمام شخصيات صهيونية على أساس أننا يهمنا أن نسمع منهم مباشرة وليس نقلاً عن وسيط ، كما أن ظهورهم يسمح بالرد عليهم أحياناً. ولا أحد ينكر أن قناة الجزيرة أتاحت للمشاهد العربي وهو قابع في صحن بيته التواصل مع كل بقعة في العالم عبر شبكة قوية من المراسلين، ونقلت إليه الحدث طازجاً بين يديه كرغيف الخبز الساخن، وذلك (لأن الوقت لا ينتظرك) كما تقول دعاية القناة..! إلا أن سياسة قناة الجزيرة الإخبارية دأبت على السماح لمسؤولين صهاينة بالظهور فيها على الرغم من تبنيهم جميعا خطابا صهيونيا متشددا ومعاديا للحقوق العربية. والخطورة تكمن في تعويد المشاهد العربي على تلقي وجهة النظر الصهيونية حتى وإن كانت مختلطة بوجهات نظر أخرى، ومن ثم قبول التعاطي مع خطاب الاحتلال الصهيوني والاستماع لوجهة نظر المغتصب. ولم يفوت الاحتلال الفرصة وهو يعلم أن المثقف والمتلقي العربي بات في حالة رتق مستمر لوعيه المهترئ منذ زمن، ويعنيه أكثر من أي وقت مضي سد ثقوب الذاكرة التي تتسرب منها محاولات فهم الواقع المأزوم من حوله. وبادرت وزارة خارجية كيان الاحتلال وأطلقت قناة تلفزيونية جديدة ناطقة باللغة العربية عبر موقع ( Youtube ) بهدف الوصول إلى شريحة واسعة من الجمهور العربي المتصفح للإنترنت، وترويج وجهة النظر الصهيونية حول ما يدبر للمنطقة العربية والعالم الإسلامي. ويأتي الإعلان الصهيوني عن القناة الجديدة، تتويجاً للاختراق الذي حقّقه كيان الاحتلال الصهيوني للإعلام العربي و الذي برز في السنوات الأخيرة، ويعد خطوة إختراقية جديدة عبر الانفراد بمخاطبة مستخدمي شبكة الإنترنت وغالبيتهم من قطاع الشباب الذين قد يسهل التأثير عليهم وتزييف المفاهيم لديهم. والأدهى من ذلك أن متحدثاً باسم وزارة خارجية الاحتلال، زعم إن الهدف الأساسي من إطلاق القناة على الإنترنت هو التقليل من الاعتماد على القنوات العربية، شاكياً من أنها تعطي الضيوف الصهاينة حدا أدنى من الوقت للحديث (!). غير أن الهدف الواضح هو سعى الاحتلال للتواصل مع البحيرة العربية من حوله، ومعالجة حالة الانسداد التي ولدها الإرهاب المستمر ضد قطاع غزة المحاصر، وهو ما حمل المتحدث باسم خارجية الاحتلال للقول:"لدينا مشكلة كبيرة في الوصول إلى الجمهور العربي، لذا فعلينا وضع خطط جديدة لإيصال كلمتنا إليهم". ومن المنتظر وفق القائمين على القناة الصهيونية بث تقارير خادعة عن العمليات العسكرية تأتي من جيش الاحتلال الصهيوني مباشرة بالتعاون مع الوحدة الإعلامية لوزارة الإرهاب الصهيونية. وأشير إلى حقيقة نعلمها جميعاً وهى ان المجتمع الصهيوني بمؤسساته المختلفة مجتمع عسكري يعلم يقيناً أن وجوده مرهون بمدى قدرته على اختراق وعي الجهة المعادية لأنه لن يستطيع القضاء على العرب قاطبة. ومن هنا نفهم محاولات الإعلام الصهيوني لسدّ ثغرة مخاطبة الوعي العربي، وقد حقق نجاحاً نسبياً عندما وقع الكثير من السياسيين الفلسطينيين في فخ هذا الإعلام المخابراتي. أذكر هنا واقعة مقابلات مراسل التلفاز الصهيوني الشهير يوني بن مناحيم ، و هو ضابط احتياط في جيش الاحتلال ، شارك في عملية الليطاني في جنوب لبنان في آذار 1967 ، و يعمل محاضراً في إحدى المستوطنات في مدينة بيت جالا المحتلة . فقد أصبح يوني بن مناحيم مراسلاً للتلفزيون الصهيوني في تونس التي كانت مقراً لمنظمة التحرير و من هناك أعد تقارير هامة و لقاءات شملت العديد مثل ياسر عبد ربه و حسن عصفور و أبو مازن و جبريل الرجوب و محمد دحلان و الأسماء الكثيرة الأخرى التي كانت مغمورة و عرفها الشارع الفلسطيني عن طريق الاعلام الصهيوني، و أصبح لها فيما بعد دوراً في السياسة الفلسطينية .
فقد استطاع يوني بن مناحيم أن ينسج علاقات وثيقة مع معظم القيادات السياسية في الأراضي المحتلة و ساهم في تلميع و إظهار الكثير منهم، و المفارقة أن يوني كان يعلم بالأخبار الفلسطينية من أطرافها المختلفة قبل الصحافيين الفلسطينيين ، و كان مرحّباً به دائماً في مكاتب و منازل المسؤولين الفلسطينيين. ومن البديهي أن نعلم أن ظهور شخصيات صهيونية على الفضائيات العربية يضرب قبيلة كاملة من العصافير بحجر واحد، وأهمها أنه يحقق هدف كيان الاحتلال في أن يصبح وجوده مألوفاً في الوعي العربي، ما يقضى على حالة الرفض ويتيح اختراق هذا الوعي بكل مكوناته. كما يتيح هذا الظهور أن تدافع هذه الشخصيات عن المنطق الإجرامي الصهيوني حتى يخفف من احتقان المشاهد العربي، وأخطر هذه العصافير - صريعة الحجر الصهيوني- هو أن الظهور في حد ذاته يجعل هؤلاء يخرجون ألسنتهم ويقولون للمشاهد المحترق غيظاً "جئنا هنا لنبقى..وموعدنا وموعدكم الهيكل"..! *كاتب وصحفي مصري [email protected]