حملة ماكين والعنصرية فوزي الأسمر وصلت المواقف السلبية في الحملة الانتخابية للمرشح الجمهوري، جون ماكين ذروتها في محاولة تشويه شخصية المرشح الديمقراطي باراك أوباما. وعندما قررت حملة ماكين التوجه في هذا الطريق بدأت “التهم" تنهال على أوباما متهمة إياه بأنه: اشتراكي وشيوعي وإرهابي وغيرها من الصفات. ورغم أنه لم يشر إليه رسمياً بأنه أسود، وهذه تهمة تحقير لدى البعض، إلا أن حملة ماكين لم تدن تصرفات البعض في هذا المجال بما في ذلك حمل دمية قرد وعلى رأسه قبعة كتب عليها أوباما. وهذه الصفات تتعلق بشخصية أوباما ولا تتعداها لمدى أوسع. ويبدو أن الاعتقاد السائد لدى الاستراتيجيين الجمهوريين أن مثل هذه الصفات قد تؤثر على عقلية الناخب الأمريكي الذي غسل الإعلام دماغ أكثريته بالنسبة لهذه المواضيع خصوصا الاشتراكية والإرهاب. أما الشيوعية فلها تاريخ طويل كون الولاياتالمتحدة دخلت حربا خاسرة في فيتنام تحت شعار محاربة الشيوعية. ولسنا بصدد مناقشة هذه الاتهامات فهي بحاجة إلى دراسة خاصة ليس بالنسبة لتصرفات أوباما، بل بالنسبة للتفكير الذي يحمله شخص مثل ماكين، وهو يعلم كل العلم أن مثل هذه “الاتهامات" قد يفهمها البعض بأنها تحريض على القتل. وقد تبين حسب تقارير “مكتب التحقيقات الفدرالي" الأمريكي أنه كانت هناك عدة مؤامرات لقتل أوباما خلال الأسابيع القليلة الماضية، ولكن قضي عليها بالمهد. فالذي يهمنا في هذا الموضوع هو تطرق ماكين ومعه نائبته ساره بالين إلى مواضيع أوسع بكثير بدون الالتفات إلى حساسيتها مستقبليا. اتهم أوباما من جانبهما بأنه مسلم بسبب اسمه الثاني “حسين" وكون والده كان مسلماً. هذه المواقف نشّطت العنصرية ضدّ المسلمين الأمريكيين، وأُستغلت بعض الأوساط المسيحية الصهيونية المتطرفة هذا الوضع وزادت من تحريضها على الإسلام والمسلمين، وبالتالي على العرب بشكل عام. لقد أسعف الوضع،إلى حد ما، وزير خارجية أمريكا السابق الجنرال كولين باول الذي يتمتع بشعبية كبيرة لدى الجمهور الأمريكي، عندما قال في مقابلة تلفزيونية: “ومن قال إنه ممنوع على أمريكي مسلم أن يكون رئيسا للجمهورية؟". ثم جاء الاتهام الأخير وهو أن لأوباما علاقة مع منظمة إرهابية اسمها “منظمة التحرير الفلسطينية". وأول من تناول هذا الموضوع كانت بالين في خطاب جماهيري، عندما قالت إن لأوباما اتصالات مع بروفيسور متطرف اسمه رشيد الخالدي الذي كان متحدثا باسم منظمة التحرير الفلسطينية التي اعتبرتها الإدارة الأمريكية و"إسرائيل" في حينه منظمة إرهابية. وتبين أن هذا الأمر ليس صحيحاً. ولم تكتف حملة ماكين بذلك، بل وزعت صورة من حفلة أقيمت على شرف الخالدي عام 2003 عندما أنهى عمله مع جامعة شيكاغو ليتسلم مهام منصبه الجديد أستاذا في جامعة كولومبيا بمدينة نيويورك. ويظهر في الصورة أوباما وزوجته على مائدة طعام بجوار المفكر العربي الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد وزوجته، ويظهر أوباما مصغيا لسعيد. وقد كتب عن هذا الاحتفال في صحيفة “لوس أنجلوس تايمز" حيث قالت إنها تحتفظ بتسجيل لخطاب أوباما في تلك الليلة ولكنها لا تستطيع نشره بسبب تعهد سابق بعدم النشر. هذه النقطة أثارت حفيظة ماكين، وطالب في لقاء إذاعي اقتبسته شبكة التلفزيون “إم. إس. إن. بي. سي" ( يوم 29/10/2008 ) الصحيفة بنشر الخطاب. ولكنه أضاف:"تصور لو شاركنا أنا وبالين في عشاء لشخص “نيو نازي" فهل كان في الإمكان إبقاء ذلك سرا". هل معنى ذلك أن سعيد والخالدي نازيان؟ طبعا ليس من الصعب الحصول على مثل هذه المعلومات، فهناك رصد لكل أكاديمي وغير أكاديمي عربي أمريكي وغير عربي أمريكي يتخذ مواقف تنتقد سياسة “إسرائيل" ومواقفها، والسياسة الخارجية الأمريكية بكل ما يتعلق بالشرق الأوسط. وعلى سبيل المثال وليس الحصر المجهود الذي يقوم به الصهيوني دانيل بايب والذي لديه “قائمة سوداء" لمثل هؤلاء المثقفين. فإدوارد سعيد يعتبر من أفضل العقول المفكرة في القرن العشرين، ورشيد خالدي معروف بأنه مفكر وأصدر العديد من الكتب المتعلقة بالقضية الفلسطينية وهو من مواليد أمريكا. فهل انتقاد السياسة الخارجية الأمريكية بالنسبة للشرق الأوسط والقضية الفلسطينية يعتبر جريمة؟ وما معنى هذا الهجوم على حرية الفكر التي تتباهى بها أمريكا؟ إن هذه الحملة ترمي إلى أن يبتعد كل مرشح لمنصب حكومي عن العرب والمسلمين. ويجد مثل هؤلاء الأشخاص حرية في شن مثل هذه الحملات معتمدين على ضعف الرد العربي والإسلامي، ويشعرون أنهم مهما تمادوا في المواقف لن يكون هناك رد عربي وإسلامي حاسم. ولنتصور فقط ماذا كان سيحدث لو أن الهجوم كان على اليهودية و"إسرائيل". عن صحيفة الخليج الاماراتية 3/11/2008