مع دخول فصل الصيف رسميا في الولاياتالمتحدة وارتفاع درجات الحرارة تدريجيا. ومع استمرار ارتفاع أسعار الوقود وكل شيء آخر تقريباً، باستثناء أسعار المنازل المنهارة، بدأت ترتفع أيضا حرارة الحملة الانتخابية الأمريكية على المستوى القومي. ويبدو أن هذه الحملة ستفوق الحملة التمهيدية إثارة، رغم أن تلك الحملة التي انتهت منذ فترة قريبة كانت من أغرب الحملات التي شهدتها هذه البلاد في تاريخها وأكثرها إثارة بجميع المقاييس. (الحرب الدينية) في الانتخابات الأمريكية ويبدو أن (حرارة الإيمان) ستكون عاملا أساسيا في هذه الحملة الانتخابية. فبعد أن استطاع الجمهوريون اللعب على وتر الدين من أجل السيطرة على البيت الأبيض والحياة السياسية بشكل عام في أمريكا خلال السنوات السبع الماضية، يطلع عليهم الآن مرشح الحزب الديمقراطي ذو الأصول الأفريقية المسلمة ليستعمل طريقتهم ويدخل إلى عقل وقلب الناخب الأمريكي من مدخل (الدين) الذي كان الجميع يعتقدون أنه حكرٌ على الجمهوريين. ومن الواضح أن الرجل خطط لهذه الاستراتيجية منذ مراحل مبكرة جدا. فقد ألقى أوباما منذ عامين كلمة أحدثت صدى كبيرا بعنوان (دعوة للتجديد) تحدث فيها عن وجود أكثر من رؤية وقراءة وتفسير للنص الديني بشكل عام وللإنجيل على وجه الخصوص، وذكر أن من الخطأ السماح لرؤية واحدة ولتفسير واحد بأن يتحكما بطريقة فهم وتطبيق عشرات الملايين من المسيحيين في الولاياتالمتحدة لدينهم. بل إن المرشح أكد على قناعته بأن أمريكا هي أصلاً بلد التنوع الديني، وأن من غير الممكن لدين من الأديان الموجودة فيه أن يحتكر منزلة أعلى من الأديان الأخرى فيما يتعلق بالتركيز على القيم والمبادىء والأخلاق. وضرب أوباما في الكلمة مثالين أحدهما معاصر والآخر قديم على الاختلاف الكبير الممكن في فهم الإنجيل قائلا: «هل يتبع أحدنا تفسير ورؤية القس جيمس دوبسون أم يتبع تفسير ورؤية القس آل شاربتون؟» وذلك في إشارة إلى رجلي دين مسيحيين أولهما (دوبسون) يعتبر من الإنجيليين اليمينيين المتطرفين، في حين يعتبر الآخر من كبار القساوسة الليبراليين الإصلاحيين. ثم تابع أوباما «أية نصوص من الكتاب المقدس هي الأصلح لتكون مرشد صناعة سياستنا العامة؟ هل نتبع نص Leviticus (كتاب اللاويين وهو الكتاب الثالث من كتب العهد القديم) الذي يقول لنا إن نظام الرق والعبودية مقبول في حين أن أكل سمك الصدف يعتبر من المكروهات الدينية؟ أم نتبع نص Sermon on the Mount (خطبة الجبل الواردة في إنجيل متّى) والتي لن تنجح وزارة الدفاع لدينا إذا أردنا اختبارها بمقياس التطبيقات الأخلاقية الواردة فيها؟». علما أن كثيرا من المسيحيين يعتبرون أن تلك الخطبة كانت تمثل الاستمرار الحقيقي للوصايا العشر التي أنزلت على موسى عليه السلام. كما أشار أوباما في الكلمة إلى تصريحات منافسه الجمهوري اليميني على مقعد مجلس الشيوخ عن ولاية إيلينوي (آلان كيز) والذي صرح علنا خلال الحملة للفوز بذلك المقعد بأنه «لو كان المسيح موجودا لما انتخب باراك أوباما، لأنه يقول بأنه مسيحي لكنه يشوه تعاليم الإنجيل بآرائه ومواقفه السياسية». ورغم أن زملاء أوباما طلبوا منه يومذاك ألا يلتفت إلى منافسه إلا أنه أصرّ على جعل الموضوع من قضايا الحملة الانتخابية لأن المرشح الجمهوري «كان يدعي أنه يتحدث باسم ديني ويتحدث باسم إلهي، وكان يدعي احتكار معرفة الحقيقة» حسب قول المرشح الديمقراطي. من هنا، كان طبيعيا أن يستعيد بعض اليمينيين هذه الخطبة حاليا في إطار خشيتهم من نجاح المرشح الديمقراطي في اجتذاب أصوات المتدينين. وقد قام بهذا منذ أيام القس دوبسون نفسه، والذي أشار إليه أوباما في كلمته المذكورة. حيث شن القس حملة على أوباما قائلا إن الأخير «يقوم عامدا بتشويه الفهم الأصلي للإنجيل وذلك لكي يتناسب مع آرائه الخاصة، ولكي ينسجم مع رؤيته الدينية المشوهة». لكن حملة أوباما وجدت نفسها مضطرة في هذه (الحرب الدينية) للرد على تلك التصريحات بسرعة وقوة. خاصة وأن القس المذكور مشهورٌ في أوساط الإنجيليين اليمينيين، وأنه قام بذلك الهجوم من خلال برنامجه الإذاعي المسمى Focus on the Family (التركيز على العائلة)، والذي تقول أوساط إعلامية إنه يحظى بمتابعة قرابة 200 مليون إنسان في مختلف أنحاء العالم. وقد تصدّر عملية الرد (شون كيسي)، مستشار أوباما للشؤون الدينية، الذي أكد أن تصريحات القس دوبسون لا تأتي من منطلقات دينية وأخلاقية بقدر كونها تعبر عن درجة القلق والتشويش التي يعيشها. حيث إن القس المتطرف، حسب كيسي، ناقم ومستاء جدا من فوز المرشح الجمهوري جون ماكين بترشيح حزبه إلى درجة أنه صرح علنا بأنه لن يصوت له في الانتخابات العامة. ومن جانب آخر، يقول مستشار أوباما، من الواضح أن القس منزعج من قدرة المرشح الرئاسي الديمقراطي على اجتذاب شرائح من الإنجيليين نحوه، ليس فقط من الشباب المتدين الذين تقول استطلاعات الرأي إنه ينال رضى كثر منهم، وإنما أيضا في أوساط القادة الدينيين. وكان أوباما قد اجتمع في بداية الشهر مع مجموعة من أولئك القادة. ونقلت عنهم وسائل الأنباء بعد الاجتماع سرورهم من رؤيتهم لمدى رساخة الإيمان لدى أوباما ولتأثير رؤيته الدينية في آرائه ومواقفه. إضافة إلى هذا، ظهرت إلى الساحة منذ أسبوعين تقريبا مجموعة عمل سياسي جديدة تطلق على نفسها اسم (شبكة ماثيو 25)، وهي تقول إنها تضم مجموعة من النشطاء المسيحيين المتدينين المعتدلين، وإنها تهدف إلى جمع التبرعات والدعوة إلى انتخاب أوباما رئيسا لأمريكا، خاصة في صفوف المحافظين والمسيحيين الأمريكان. ومن أبرز المدعوين إلى حفل جمع التبرعات الأول لتلك المجموعة (مايك ماكوري) الناطق باسم البيت الأبيض في عهد الرئيس السابق (بيل كلينتون). وإن كانت المجموعة أكدت أنها ليست على علاقة رسمية من بعيد أو قريب بحملة أوباما، وهو الأمر الذي أكدته أيضا إدارة تلك الحملة. قد لا يحصل أوباما في نهاية المطاف على تأييد كاسح في صفوف المتدينين، وهذا متوقع كما يؤكد (مايكل كرومارتي) نائب رئيس مركز دراسات الأخلاقيات والسياسة العامة. لكن هذا الخبير يقول إن استيقاظ أحد قادة الإنجيليين الكبار من سباته وتصديه لأوباما بهذه الطريقة يجب أن يكون مؤشرا على ما يفعله هذا الأخير بساحتي السياسة والدين، ومؤشرا أيضا على أن المحافظين المسيحيين سيحشدون قواهم لمواجهته بجميع الطرق والأساليب. مسلمو أمريكا يعلنون غضبهم من أوباما! ورغم أن كثيرا من المسلمين في أمريكا يبدون ارتياحا لفوز السناتور أوباما بترشيح الحزب الديمقراطي ولإمكانية حصوله على منصب الرئاسة، إلا أن من الواضح أن حملة المرشح المولود لأب مسلم تبدي حذرا واضحا من إظهار أي صورة من صور التقارب بينها وبين أفراد الجالية المسلمة ومؤسساتها. يقول بعض المسلمين إنهم يتفهمون ذلك الحذر وأسبابه التي باتت معروفة، حيث إن جميع خصوم الرجل يحاولون بث الرعب في أوساط الشعب الأمريكي من خلال التأكيد، ليس فقط على أصوله الإسلامية، بل الادعاء بأنه مسلم. ويرى هؤلاء كما يرى جميع الناس هنا في أمريكا تلك الحملات الضخمة التي تصدر عن منظمات وأفراد كثير منها يبقى مجهول الهوية، خاصة على شبكة الانترنت التي بات تأثيرها كبيرا في تشكيل آراء الشعب الأمريكي وتوفير المعلومات له. رغم هذا، باتت أعداد متزايدة من المسلمين ترى أن الحملة تبالغ في تصرفاتها وقراراتها إلى حدٍ كبير في هذا المجال، إلى درجة أن إدارة الحملة أبعدت مثلا منذ أيام فتاتين مسلمتين من الظهور في خلفية المشهد التلفزيوني في مناسبة انتخابية للمرشح الديمقراطي. وكان من الجلي أن القرار المذكور اتخذ لأن الفتاتين ترتديان الزي الإسلامي. بناء على هذا، أصدرت مؤسسات الجالية المسلمة في أمريكا خلال الأسبوع الفائت بيانا تنتقد فيه أوباما والقائمين على حملته الانتخابية بشدة. وذكر البيان أن أوباما يسارع إلى زيارة كل كنيسة أو كنيس يهودي في طريقه، في حين أنه تجنب بشكل واضح زيارة أي مسجد أو مركز إسلامي حتى الآن منذ بداية حملته الانتخابية، كما أنه تجنب لقاء قيادات الجالية بكل شكل ممكن، وذلك رغم الدعوات الكثيرة التي وُجهت إليه للزيارة واللقاء. والحقيقة أن علاقة أوباما بالمسلمين وبالعرب ستظل هاجسا من أكبر هواجس حملته الانتخابية إلى يوم الانتخابات في فبراير القادم على الأقل. فالرجل يقدم نفسه من ناحية على أنه من دعاة العدل والمساواة وتجنّب أي تمييز بين البشر يقوم على أساس لونهم أو عرقهم أو ديانتهم، ويمارس عمليا ما يدعو إليه في تصرفاته وقراراته. لكنه يعلم من ناحية أخرى حساسية إظهاره على أنه قريبٌ (أكثر من اللزوم) من العرب والمسلمين في بلد مثل أمريكا. ويزيد من حساسية هذا الموضوع أصله العائلي واسمه، بل وشيء من تاريخه. فقد كان السيناتور على سبيل المثال مرتبطا بعلاقة صداقة مع الراحل إدوارد سعيد ومع المفكر الفلسطيني رشيد الخالدي. وهما من الشخصيات التي يعتبرها أنصار اليمين المتطرف وأنصار إسرائيل أقرب إلى الشياطين منها إلى البشر. بل إن الماكينة الإعلامية الضخمة لتلك الجهات قامت باستخراج صورة لأوباما تجمعه مع إدوارد سعيد على نفس المائدة في حفل جمع تبرعات من عام 1998 وأرسلت تلك الصورة إلى الملايين من اليهود الأمريكيين وخاصة منهم الديمقراطيين ومؤيدي أوباما، وذلك لإظهار (حقيقته) كعدو لإسرائيل. ثم قامت ضجة حول اكتشاف آخر يتمثل في أن رشيد الخالدي أقام بنفسه حفل جمع تبرعات لصالح المرشح عام 2003 عندما كان ينافس على مقعد مجلس الشيوخ آنذاك. وقامت القيامة مرة أخرى للتأكيد على استمرار أوباما على نفس النهج عندما حضرت زوجته ميشيل هذه المرة حفل زفاف ابنة الخالدي منذ بضعة شهور. ويبدو أن مشكلة المرشح الديمقراطي مع تأييد العرب والمسلمين له لا تنحصر داخل حدود أمريكا. فقد كتب الصحفي المشهور (توماس فريدمان) مقالا في صحيفة (النيويورك تايمز) بعنوان (أوباما على ضفاف نهر النيل) بدأه بالعبارة التالية: «ربما تسبب هذا المقال في إثارة مشكلة لباراك أوباما، إلا أنها تظل مشكلته هو ولا دخل لي بها. فأنا لا أستطيع ممارسة الكذب: إن الكثير من المصريين والمسلمين العرب يحبونه ويتمنون له حقاً الفوز بالمنصب الرئاسي». صحيح أن الكاتب أنهى المقال بعبارة أخرى توضح أهمية صعود أوباما السياسي على سمعة أمريكا الخارجية حين قال في خاتمة مقاله: « وعلى رغم أنه لا علم لي بما إذا كان الفوز سوف يكون من صالح أوباما أم لا. إلا أن الذي أعلمه علم اليقين هو أن مجرد ترشيحه للمنصب الرئاسي قد فعل مفعول السحر فينا أولاً ... وذلك لأننا فاجأنا أنفسنا قبل أن نفاجئ بقية الشعوب والأمم. وبذلك فها نحن نؤكد أن بلادنا هي أرض البدايات الجديدة حقاً»، إلا أن تأييد العرب والمسلمين لأوباما سيظل أحد التحديات الكبرى التي تواجهه في طريق صعوده السياسي، حتى أن البعض يخشى أن يصبح ذلك التأييد بمثابة (قبلة الموت) التي قد تفعل مفعولها القاتل في يوم من الأيام. ماكينة جمع المال الانتخابي بين ماكين وأوباما لكن المشكلة المذكورة لا تمثل التحدي الوحيد الذي يواجه المرشح الديمقراطي على وجه اليقين. فالرجل يسير كما هو واضح في حقل من الألغام. وقد كان آخر لغم انفجر في وجهه يتمثل في قراره بالانسحاب من برنامج الدعم الحكومي المالي للمرشحين. ورغم أن هذا الانسحاب جعله يستغني عن قرابة 85 مليون دولار كان سيحظى بها من ذلك الدعم، إلا أن المشكلة الأخرى التي تواجهه تتمثل في الحملة التي شنها عليه المرشح الجمهوري ماكين وفريقه الانتخابي من خلال اتهام أوباما بأنه متقلبٌ لا يمكن الوثوق بوعوده. ذلك أن أوباما كان قد وقّع بنفسه في بداية الحملة وثيقة تفيد بأنه سيلتزم ببرنامج التمويل العام بعد انتهاء الانتخابات التمهيدية من منطلق الانسجام مع دعوته الدائمة لإصلاح نظام تمويل الانتخابات. لكن الرجل وجد نفسه محاصرا بعد أن أصبح عمليا مرشح الحزب الديمقراطي. فمن جهة، يريد الرجل إظهار التزامه بعملية الإصلاح، وكان هذا ما دفعه لرفض أي تبرعات من لجان العمل السياسي (اللوبي) أو ممثلي المصالح الرأسمالية والاقتصادية الكبرى. ومن جهة أخرى، ظهر له من خلال الحملة التمهيدية أنه قادر على جمع ملايين من الدولارات اعتمادا على تبرعات خاصة صغيرة قام بها أكثر من 1,5 مليون متبرع عبر شبكة الانترنت، حتى أن حملته ضربت جميع الأرقام القياسية في جمع التبرعات بحيث وصل رصيدها إلى أكثر من 300 مليون دولار. ومن جهة ثالثة، يؤكد أوباما أن قبول ماكين بالالتزام ببرنامج التمويل العام هو بمثابة خدعة. لأن هناك ثغرات قانونية يستغلها الجمهوريون بمهارة لجمع عشرات الملايين من الدولارات من خلال لجان عمل سياسية تدّعي أنها مستقلة ولا ترتبط بحملة ماكين، لكنها في نهاية الأمر تساهم في الدعاية له ولبرنامجه الانتخابي بشكل كبير. ورغم أن حملة أوباما والديمقراطيين يستطيعون استعمال نفس التكتيكات واستغلال تلك الثغرات، إلا أن تعليمات أوباما كانت واضحة وحاسمة في ألا يتم اللجوء إليها من قبل مؤيديه، وهو ما يتم الالتزام به بشكل شبه كلي حتى الآن. لذلك، يقول المرشح الديمقراطي إنه لم يجد بداً من الاستمرار في جمع التبرعات الخاصة، ولكن عبر الانترنت ومن صغار المتبرعين، ولو اضطره ذلك لأن يكسر تعهده السابق. والواضح أن الرجل حريص على أن يدرك مؤيدوه سبب تصرفه، وأن يستمروا في دعمه بعد قيامه بتلك الخطوة، لأن توقف الدعم بعد استغنائه عن برنامج الدعم العام سيعني انقطاع الشريان المالي الوحيد لحملته الانتخابية. وهو ما دعا أوباما لأن يرسل عبر الانترنت رسالة فيديو خاصة، قبل إعلان القرار خارجيا، لجميع من تبرع له، يذكر لهم فيها أنه اتخذ ذلك القرار ويبين حيثياته، ويحضهم على الاستمرار في دعمه بحيث يكون هذا كما قال بمثابة (إعلان استقلال) جديد في المنظومة السياسية الأمريكية. غير أن القرار المذكور دفع بعض المراقبين لوصف المرشح الديمقراطي بأنه (مجرد سياسي آخر) يقوم بما يجب أن يقوم به للفوز في نهاية المطاف بغض النظر عن مبادئه وتصريحاته في الماضي. فقد قالت وكالة (الأسوشيتد برس) في تقرير لها إنه بقراره المذكور «لوث سمعته التي قام ببنائها بعناية، والتي تمحورت حول كونه نوعا مختلفا من السياسيين الذين يعنون ما يقولون ويقولون ما يعنون». بل إن الصحافي ديفيد بروك في صحيفة (النيويورك تايمز) وصفه بأنه «أكثر سياسي مصاب بانفصام الشخصية في البلاد اليوم». ورغم أن مراقبين آخرين دافعوا عن قرار أوباما، إلا أن المسألة بأسرها تدل على حساسية دور المال في العملية السياسية بغض النظر عن مصدره. وإذا كان أوباما قد قرر أن (الغاية تبرر الوسيلة) في هذه الحالة فإن هذا القرار سيكون مصدر تحد كبير له في الأسابيع والأشهر القادمة بكل تأكيد. استقلالية ماكين: داء أم دواء؟ لكن المرشح الديمقراطي ليس الوحيد الذي يواجه الصعوبات في الساحة الانتخابية بطبيعة الحال. فبعد أن نعم المرشح الجمهوري جون ماكين بفترة من الراحة عندما كانت الحرب قائمة في صفوف الديمقراطيين بين فريقي أوباما وكلينتون، عاد السيناتور الجمهوري اليوم ليواجه الواقع بكل ما يحمله من عقبات ومتاعب. فالرجل ما برح يحاول حتى الآن لملمة الساحة الداخلية للحزب الجمهوري الذي لا يزال جناحه المحافظ اليميني مستاء من فوزه بالترشيح. والحصار الذي يجد ماكين نفسه فيه هو حصار من نوع آخر. فنقطة القوة الأساسية للرجل في أمريكا بشكل عام تتمثل في الانطباع الذي تشكّل حوله تاريخيا بأنه أكثر استقلالية من غيره من الساسة الجمهوريين، وخاصة فيما يتعلق ببعض آراء ومواقف ذلك الجناح المحافظ. والواضح أن ذلك الانطباع هو ما دفع غالبية الجمهوريين من عامة الناس للتصويت له في الانتخابات التمهيدية. حيث إن تلك الغالبية وصلت إلى مرحلة متقدمة من الانزعاج من اليمينيين وقراراتهم التي ظهرت سلبياتها وأخطاؤها على البلاد بشكل عام، وعلى سمعة الحزب الجمهوري تحديدا. من هنا، تبدو تلك الاستقلالية بمثابة الدواء الخاص الذي يمكن أن يساعد الرجل على الفوز بالبيت الأبيض في نهاية المطاف. لكنها الاستقلالية ذاتها التي تبدو في نفس الوقت داءً عضالا يحاول المرشح الجمهوري أن يتعامل معه بكل طريقة ممكنة. لأنه يعرف أن الجناح اليميني لا يزال يتحكم بكثير من مفاصل القوة السياسية والمالية، ليس فقط في أوساط الحزب، وإنما أيضاً في أوساط شرائح مقدرة من الناخبين الجمهوريين. وتلك الاستقلالية هي التي سببت ولا تزال حالة عدم الثقة بين ماكين وقادة ذلك الجناح تاريخيا. فعلى سبيل المثال، وصف ماكين خلال محاولته للفوز بترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة عام 2000 اثنين من أكثر القساوسة تطرفاً ونفوذا في نفس الوقت هما (جيري فالويل) و (بات روبرتسون) بأنهما «من أسباب ظهور الكراهية وعدم التسامح في أمريكا». لم ينس الرجلان هذا الوصف على سبيل التأكيد. وحين نعلم أنهما يملكان نفوذا كبيرا جدا بين ملايين الأتباع من المحافظين المتطرفين، يمكن لنا أن نرى حجم تأثيرهما في حملة ماكين وحياته السياسية داخل الحزب الجمهوري بعد ذلك. لهذا، نفهم كيف بدأ الرجل يحاول بناء الجسور مع هؤلاء وغيرهم من القادة المتشددين. لكن تلك المحاولة تحمل في طياتها أيضا احتمال هدم الجسور التي بناها مع المعتدلين أو المستقلين داخل الحزب الجمهوري وخارجه. علما أنه بحاجة ماسة إلى أصوات هؤلاء للفوز بالرئاسة في الانتخابات العامة. ويبدو أن مصير محاولة ماكين التي ستكون الأخيرة للحصول على ذلك المنصب، لأنه تجاوز السبعين، يعتمد إلى حد كبير على قدرته على الوصول إلى حل مناسب لتلك المعادلة المعقدة.