في الأزمة التي ثارت بين الكيان الصهيونى والولاياتالمتحدة حول سياسات رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو من الاستيطان والسلام مع الفلسطينيين، جرت الاشارة من قبل اللوبي المؤيد للكيان عن الود المفقود بين اوباما وقادة الكيان الصهيونى، وظل الكتاب المؤيدون للكيان الصهيونى يلمحون الى ان الود المفقود يظهر فى عدم زيارة الرئيس الامريكي باراك اوباما للكيان الصهيونى وعدم مخاطبته "اليهود" اسوة بما فعل في القاهرة عندما خاطب من جامعتها العريقة اكثر من مليار مسلم في العالم. فاللوبي يريد من اوباما زيارة القدس التي يعتبرها الصهاينة عاصمة ابدية، والمراقب لمقالات اليهود والمؤيدين لهم والمدونات اليهودية على الانترنت يجدها مشغولة هذه الايام بالنقد والشجب لأوباما بسبب سياسته في كل ما يتعلق بالدولة الصهيونية، كل هذا على الرغم من تأكيد اوباما واركان ادارته ان الدعم الامريكي لها لم يتغير. لكن ومنذ ما بداية الازمة الشهر الماضي والتي بدأتها حكومة نتنياهو اثناء زيارة جوزيف بايدن، نائب الرئيس الامريكي لم تتوقف الاقلام "اليهودية" عن نقد اوباما خاصة عندما ترك نتنياهو في ركن من اركان البيت الابيض وذهب للعشاء مع عائلته. وتركز كل المدونات على اهمية ترك اوباما القدس، فبحسب ايلي ويزل، الحائز على جائزة نوبل، فإنه يتعين على اوباما ان يتوقف عن الحديث عن القدس ويتصرف كأنها لا تخصه وذلك في اعلان احتل صفحة كاملة في عدد من الصحف الامريكية الكبرى، من جهة اخرى كتب رونالد لاودر، رئيس المجلس اليهودي العالمي للرئيس معبرا عن قلقه من تداعيات الازمة. ويشمل النقاش حول اوباما والقلق من ادارته اوساط الداعمين والمتبرعين وقادة اليهود، ويشير الى اتهامات من ان اوباما متعاطف مع المسلمين ومعاد للسامية ولا يحب الدولة الصهيونية. وكتعبير عن هذه "المخاوف"، قامت فيدرالية المنظمات اليهودية لشمال امريكا بتنظيم وفد لنقل مشاعر القلق للبيت الابيض والخارجية، وسيزور واشنطن الشهر القادم. ومن القصص المتداولة ما قيل من ان اوباما طلب من نتنياهو تغيير العبارة المعروفة بين اليهود من العودة الى القدس، الى العودة إلى "اسرائيل". والقصة كاذبة كما يراها الكثيرون ومنهم ريتشارد كوهين الذي كتب في "واشنطن بوست" يوم الثلاثاء الماضى قائلا "انه على الرغم من الحديث الدائم حول لقاء اوباما ونتنياهو الاخير فالعلاقات الامريكية الاسرائيلية لم تتغير في جوهرها خاصة في المجالين العسكري والامني وكما اشارت صحيفة هاآرتس الاسرائيلية فصفقة طائرات هيركليز ستصل الى اسرائيل في وقتها المحدد". ويتساءل كوهين عن سبب غضب الصهاينة واليهود الامريكيين على اوباما، ويقول "ان الرئيس الامريكي مثل بيل كلينتون وجد في نتنياهو شخصا لا يوثق به. ويرى اننا لا نحتاج للتفكير كثيرا عندما نرى مراقبين للشرق الاوسط وهم يحيلوننا الى غلاف لمجلة ايكونوميست البريطانية فى العام 1997، وعليه صورة نتنياهو وتعليق يمكن ترجمته بانه (مخرب اسرائيل المعروف) اي نتنياهو. وبحذف التاريخ عن غلاف المجلة فموقف واشنطن من نتنياهو لم يتغير". ومع كل هذا يرى الكاتب ان رقصة التانجو تحتاج لراقصين واوباما لا يرقص هنا كنجم حسب تعبيره فهو يعطي الانطباع وراء الانطباع انه لا يعرف الدولة الصهيونية ولا يهتم بتاريخها. تظل الدولة الصهيونية غائبة عن المعادلة وهذه الانطباعات تجعل الكثير من الصهاينة يرون في اوباما معاديا لهم، فقد اظهر استطلاع لصحيفة "هاآرتس" الصهيونية ان نسبة 27 بالمئة من الصهاينة يرون ان اوباما معاد للسامية. غير أن هناك الكثير من الصهاينة ممن يحبون اوباما ويرغبون بحل قائم على أساس الدولتين، ونفس الامر يقال عن اليهود الامريكيين مع ان دعمهم لاوباما يتراجع. ويستبعد الكاتب ان يهجر اليهود الامريكيون اوباما. وبين اليمين المتطرف المعادي لاوباما واليسار الليبرالي المؤيد له هناك من يمكن تسميتهم الوسط الصهيوني الشاكين والخائفين، حسب تعبيره، من ان تقديم تنازلات للفلسطينيين قد لا يثمر، وهذا الخوف ليس نظريا بل هو حقيقي ويتعلق بالحياة والموت لانه يعني صواريخ حماس وحزب الله ويعني لهم انقلاب حماس على السلطة الوطنية وانشاء جمهورية اسلامية. وامام هذه المخاوف فما العمل؟ هل سيقوم اوباما بمواجهة هذه المخاوف وتخفيفها بالحديث الى اليهود تماما كما فعل مع العرب مشيرا الى ما كتبه فيلسوف اسمه كارلو ستينجر في "هاآرتس" ودعا فيه اوباما الى التعامل مع مخاوف اليهود. ولكن اوباما حسب كوهين عمل العكس، ذهب للقاهرة وخاطب العرب وتعاطف مع نكبة الفلسطينيين بدون ان يقدم اي تعاطف للدولة الصهيونية، حسب زعم كوهين. ومن هنا يرى ان برودة اوباما تجاه نتنياهو ادت الى برودة في العلاقات بين البلدين وشجعت الفلسطينيين على اتخاذ موقف متحد. ومع انه لا يعارض سياسة اوباما التي يراها صحيحة وتتعامل مع رئيس الوزراء الصهيونى ضعيف يقود ائتلافا غير مستقر لكنه يرى ان العنصر المفقود في سياسة اباما هو طريقة فهم الناس لها، ومن اجل تصحيح الوضع عليه ان يفعل كما فعل السادات فى العام 1977، وزار الكيان الصهيونى وختم قائلا لاوباما "سافر للقدس". ولكن القدس موضوع الدعوة هي أساس المشكلة وجوهرها ومن هنا يطالب باحث فلسطيني اوباما ببداية جديدة.
سياسات فاشلة وبداية جديدة فقد كتب رشيد الخالدي، استاذ كرسي ادوارد سعيد في جامعة كولومبيا الأمريكية "ان كل مبعوث امريكي زار المنطقة منذ العام 1967، لمناقشة وضع الضفة الغربية وغزة قامت اسرائيل وبشكل صارخ باظهار له ولغيره من السيد والمتحكم". واشار الى سياسات الاستيطان التي بدأت منذ سبعينات القرن الماضي في الضفة والقدس والتي ادت لتوطين ما يقرب من النصف مليون يهودي بشكل غير قانوني هناك اضافة الى الحواجز وبناء جدار اطول من جدار برلين على اراضي الفلسطينيين. وفي ضوء محاولات اوباما ومنذ عام تجميد النشاط الاستيطاني فان القرار الصهيونى ببناء وحدات استيطانية في القدس لا يمكن تفسيره سوى انه استفزاز والتفسير البديل هو ان نتنياهو لا يسيطر على حكومته. وفي الوقت الذي اصدرت فيه الغالبية المطيعة في الكونجرس بيانا لتجنب الحديث عن الخلافات (الامريكية الاسرائيلية)، الا ان هذا البيان لم يكن نهاية الامر. مشيرا الى ان الخلاف غير عادي في ضوء علاقات الادارات الامريكية مع جماعات الضغط مثل (ايباك) الا ان اقتراح عدد من المسئولين الكبار اقترح ان دعم امريكا غير المشروط للكيان الصهيونى يؤثر على الامن القومي الامريكي، حيث تحدث بايدن نفسه لنتنياهو عنه وكرره الأميرال مايك مولن، رئيس هيئة الاركان المشتركة والجنرال ديفيد بترايوس في شهادته امام الكونجرس. ويرى الخالدي ان هذه المواقف ليست جديدة فبنهاية الحرب الباردة وبداية حرب الخليج حيث انتهى اي تبرير لدعم الدولة الصهيونية الاستراتيجي غير المشروط فالوجود الامريكي في المنطقة منذ العام 1991، جعل من تحيز امريكا تجاه الدولة الصهيونية ادانة لها ومصدر تهديد على مصالحها. ويعتقد الخالدي ان الضجة الاعلامية حول العلاقات (الامريكية الاسرائيلية)، عتمت على ما يجري حقيقة في شرقي القدس، خاصة ان الاعلام الامريكي مهووس بحماية الكيان الصهيونى اضافة لقلة الاصوات الفلسطينية التي يسمح لها بالتعبير والحديث. ويرى ان مشكلة الاعلام هي استخدامه الواسع لعبارات "متنازع" و"أحياء" لوصف النشاط الاستيطاني هناك، فلا شيء يتنازع عليه في شرقي القدس التي تعتبر في القانون الدولي، ويعترف بها المجتمع الدولي باستثناء الصهاينة ارضا محتلة. ويعتقد ان لا نقاش حول القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية، مشيرا الى ان الدولة الصهيونية تقوم بالتلاعب بالتراث الثقافي فيها حيث تقوم بجرف مقبرة "مأمن الله" التي تضم رفات 40 جيلا من الفلسطينيين والعرب والمسلمين من اجل بناء ما يسمى "متحف التسامح" على انقاضها والمدعوم من مركز امريكي يهودي في لوس انجلوس. ويعتقد ان تدمير المقبرة لن يمحو فقط جزءً من التراث الفلسطيني والاسلامي ولكن تراثا انسانيا. ويشير الى ان سياسات البناء والعزل وتركيز الاستيطان في داخل القدسالشرقية ادت الى تجزؤ وتفتت المدينة العربية ووضع سكانها تحت رحمة الصهاينة اضافة لقطع صلتها مع امتدادها الطبيعي مع الضفة الغربية. ويشير الى ان سياسة وضع اليد على الاراضي الفلسطينية هي محاولة لخلق حقائق على الارض حيث تدفع الدولة الصهيونية بالمستوطنين لقلب الاحياء العربية، الشيخ جراح وابو ديس مثلا ولم تؤد المفاوضات الفاشلة الا الى زيادة عمليات التهجير والمصادرة وبناء الوحدات الاستيطانية، ولا تفترق خطط الصهاينة اليوم عن الاساليب التي اتبعتها الصهيونية قبل قرن من الزمن. ويقول الخالدي ان موقف ادارة اوباما المتشدد من الاستيطان والاحتلال والقدس جعل الحكومة الصهيونية غير مرتاحة، واضاف ان الجماعات التي تدعم الكيان الصهيونى دعما غير مشروط لم تعد تتمتع بشعبية كما في السابق، مشيرا الى ان هناك اصواتا عديدة تتجرأ لمساءلة المواقف من الدولة الصهيونية وان 78 % من اليهود الامريكيين دعموا اوباما على الرغم من تفضيل الجماعات اليهودية لحملة جون ماكين الداعمة لليكود واجندته. واكد على اهمية تأكيد الحكومة الامريكية على عدم شرعية الخطوات التي تقوم بها قوة محتلة بتغيير شكل ووضع المدينة المقدسة. ويرى ان هناك الكثير من المعوقات التي تمنع الفلسطينيين والصهاينة من التوصل الى اتفاق منها تردد الحكومة الامريكية في السماح لكل من فتح وحماس بتحقيق مصالحة وانشاء حكومة وحدة وطنية، فمع انه من العبث ان يتوقع من شعب مقهور وتحت الاحتلال ان يحقق التسوية النهائية فعلى الفلسطينيين حل خلافاتهم الداخلية. ومن هنا على الولاياتالمتحدة تخفيف مطالبها القانونية والدبلوماسية التي وضعتها لتحقيق المصالحة الوطنية، وبدون المصالحة فلا امل للتسوية ولا امل بالقبول باي اتفاق من قبل الفلسطينيين. وبالنسبة للقدس الذي يرى ان وضعها يحل بالمفاوضات فقد ذكر برسالة التأكيدات التي قدمتها امريكا للوفد الفلسطيني المفاوض ومنعت ايا من الطرفين القيام بأي خطوة تؤثر على الحل مشيرا الى ان جورج بوش الاب والابن وبيل كلينتون فشلوا في منع التوسع الاستيطاني ومحاصرة القدس بالمستوطنات. والنتيجة.. لم يحل اي منهم المشكلة وترك خلفه ارثا يصعب حله مما كان عليه قبل توليه السلطة. ويعتقد ان العقبة الكبيرة امام ادارة اوباما هي التخلص او تجاوز عقدين من السياسات الفاشلة. واذا اراد اوباما تحقيق نجاح للمفاوضات القادمة فعليه رفض طرق اسلافه والبدء من جديد بناء على ما تقرره قرارات مجلس الامن الدولي والقوانين الدولية. ومع انه يرى ان ادارة الظهر للماضي ليست كافية لحل سريع لقضية القدس ولكنها ضرورية وخطوة على الطريق للتوصل لسلام عادل لسكان المدينة والمنطقة.