أنابوليس .. "تطمينات جوفاء" عبدالله حموده رغم انتشار إحساس عام بعدم التفاؤل من احتمالات خروج مؤتمر أنابوليس للسلام في الشرق الأوسط بنتيجة حقيقية، من أجل تسوية جدية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، تبدو السلطة الوطنية الفلسطينية ماضية في الاستعداد للمشاركة فيه، ويواصل مسؤولو الدبلوماسية في الدول الغربية - والأوروبية على وجه الخصوص - زياراتهم لإسرائيل والسلطة الفلسطينية، وكأن الخطوات الجارية يمكن أن تقود إلى شيء ما. ويطرح البعض من العرب أفكارا بشأن ما يمكن أن يحدث في المؤتمر، في تجاهل كامل لما يجري على الساحة الفلسطينية، وكذلك لخطوات الإعاقة التي بدأت أطراف سياسية إسرائيلية تضعها على الطريق. ففي الكنيست الإسرائيلي مشروع قرار يقضي بإلزام حكومة إيهود أولمرت عدم التفاوض على تغيير الحدود التي فرضها الصهاينة في منطقة القدس ، حتى يتمكنوا من تكريس استيلائهم على المدينة المقدسة "عاصمة أبدية" لدولتهم الغاصبة غير الشرعية، إضافة إلى مشروعات قرارات أخرى ، تقيد أي احتمالات تحرك - حتى وإن كان للمناورة - من جانب أولمرت. وفي ضوء حقيقة أن بعض هذه المشروعات قدمتها أحزاب مشاركة في الحكومة الإسرائيلية، وتحظى بتأييد حزب الليكود المعارض وأحزاب يمينية متطرفة أخرى، كما هددت الأحزاب المشاركة في الحكومة بالانسحاب منها وإسقاطها، إذا لم يلتزم أولمرت بالمواقف التي حددتها. ويعني ذلك أن حكومة إيهود أولمرت أضعف من أن تدخل في مفاوضات سلام حقيقية ، وتستطيع أن تحصل على مصادقة برلمانية أوشعبية عليها. أما على الساحة الفلسطينية ، فإن السلطة الوطنية تعد للمشاركة في هذه المفاوضات وهي في أضعف حالاتها، فهناك انقسام فعلي بين القوى السياسية الفلسطينية الرئيسية، في ضوء تماشي مواقف هذه السلطة مع المواقف الإسرائيلية الأميركية الغربية في عزل حركة حماس - الحاكمة في قطاع غزة - إضافة إلى الانفصال الفعلي أيضا لقطاع غزة عن الضفة الغربية. وبدلا من أن تعتمد السلطة الوطنية مواقف حركة حماس والقوى المعارضة الأخرى ، كمحدد للحركة السياسية نحو المطالب الفلسطينية - على نفس النحو الذي تفعله القوى اليمينية الإسرائيلية المتطرفة - نجد الرئيس الفلسطيني محمود عباس يتصرف وكأنه يقطع ذراعه بنفسه ، قبل الدخول في جولة مصارعة سياسية مع الخصم الصهيوني، ويقدم لذلك الخصم هدية بلاثمن، بينما يريد ذلك الخصم الحصول على كل مايريد دون مقابل. وعلى الصعيد الدبلوماسي قررت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس البقاء في واشنطن حتى انعقاد المؤتمر، وتركت الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي يرتب أوراقه بطريقته. وتركت لهما أيضا الاتفاق على إطار المفاوضات فيما بينهما، مع العلم الكامل بأن التوازن المختل في القوى بينهما، لابد وأن ينتج إطارا غير مقبول فلسطينيا، لكنه في الوقت نفسه لن يكون كافيا لإشباع المطامع الإسرائيلية. وفي ضوء الرفض الفلسطيني للظلم واليأس، وغياب الإشباع للطمع الإسرائيلي، لاتبدو في الأفق فرصة للتوصل إلى اتفاق يمكن أن ينفذ ويبقى على الأرض. ويصبح الأمر مجرد استمرار في عملية سلام لاتصل إلى نتيجة، اللهم إلا ظهور إدارة بوش الأميركية - في عامها الأخير - وكأنها تعمل شيئا ما. في هذه الأيام الحرجة السابقة على انعقاد ذلك المؤتمر، لايبدو هناك دور واضح لمبعوث اللجنة الرباعية للسلام في الشرق الأوسط توني بلير، الذي يبدو تعيينه في هذا المنصب - برغبة من الرئيس بوش - مكافأة له على مواقفه الموالية لواشنطن عندما كان رئيسا للحكومة البريطانية ، بأكثر من تأهله كوسيط نزيه للاضطلاع بمهمة من هذا النوع. وتبدو زيارات مسؤولي الدبلوماسية الغربية لرئيس السلطة الفلسطينية في الوقت الحاضر، وكأنها لتقديم "تطمينات جوفاء" على أساس "التمني" بما يمكن أن يحدث، في إطار جهد منظم لاستدراج "أبومازن" نحو أنابوليس، على أمل أن يوافق هناك على مارفضه "أبوعمار" في جولة كامب ديفيد الأخيرة ، لكي تتحرك "الشرعية الدولية" لفرضه على الشعب الفلسطيني وقواه السياسية، ومن ثم يغادر بوش الابن البيت الأبيض بعد عام ، وهو يقول أنه حقق لإسرائيل ماطال انتظارها له. في هذه الأيام أيضا، يبدو أن هناك عملية متعمدة لاستبعاد أي مشاركة جدية لأي أطراف عربية في هذا المؤتمر ، وهذا ليس بالضرورة لأن الأطراف العربية يمكن أن تعزز الموقف الفلسطيني، لأن الدول العربية أصبحت على قناعة كاملة بأنها مستبعدة من أي مفاوضات جدية، والتوجه الأميركي الغربي - المتماشي مع المطالب الإسرائيلية - ينفذ هذا الابتعاد، لتحقيق انفراد الصهاينة بمسؤولي السلطة الفلسطينية، والاستفادة من توازن القوى المختل لصالح إسرائيل. ويسود الأوساط العربية حاليا إحساس بين التحفظ القلق والتسليم بالواقع الصعب. ويرجع ذلك إلى أنه بينما تستمر اللقاءات التمهيدية بين رئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس الفلسطيني، لم تتلق أي دولة عربية - حتى تلك التي يقال إنها صديقة للولايات المتحدة الأميركية - دعوة للمشاركة في المؤتمر. وتتردد في بعض عواصم هذه الدول تساؤلات حول ما إذا كان هذا التأخير راجعا إلى تشكك الولاياتالمتحدة في احتمالات انعقاد المؤتمر أصلا ، أم أن هذه الدعوات يمكن أن توجه للأطراف العربية في اللحظات الأخيرة، لكي تصادق على ماتم محاصرة السلطة الوطنية الفلسطينية للتسليم به، في تجاهل كامل لبنود مبادرة السلام العربية، التي أعلنتها المملكة العربية السعودية، وصادقت عليها قمة بيروت. وهنا يجب ألاينسى أحد استمرار عملية الاستيطان الإسرائيلية في الضفة الغربية، وتواصل الحفريات الصهيونية تحت المسجد الأقصى المبارك، ورفض إعادة القدسالشرقية لتكون عاصمة دولة فلسطين العربية، أوالإقرار من جانب إسرائيل بحق اللاجئين والنازحين في العودة إلى وطنهم أوالتعويض العادل - حسب رغبة كل منهم - وإذا كانت هذه هي محددات الموقف الإسرائيلي، وهذه هي الظروف الدولية والإقليمية والداخلية التي تجري فيها الاستعدادات لانعقاد مؤتمر أنابوليس، فهل المفروض الآن أن يوقع "أبومازن" هناك على مارفض "أبوعمار" التوقيع عليه في كامب ديفيد؟ وأن يكون ذلك بمباركة عربية لكي يكون التسليم كاملا؟ ولكي يسهل - كما يعتقد البعض فرض الاتفاق فلسطينيا؟ ويغسل الجميع أيديهم من القضية الفلسطينية؟! عن صحيفة الوطن العمانية 19/11/2007