أنابوليس.. خارطة طريق التطبيع!! هاني حبيب ربما تزور، وقد لا تزور مكوك مؤتمر الخريف وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس المنطقة، تحديداً السلطة الوطنية وإسرائيل، فالأنباء متضاربة حول هذا المؤتمر حتى بشأن زيارتها التي قد تكون الأخيرة، اذا ما تمت، قبيل انعقاد مؤتمر الخريف في انابوليس، رغم ذلك، بدأت ظواهر الدخان الابيض تخرج من مدخنة وسائل الاعلام حول انعقاد المؤتمر، اذ أنه من المقرر وفقاً لهذه الوسائل، الفلسطينية والاسرائيلية، ان يعقد مؤتمر انابوليس مساء السادس والعشرين، كافتتاح وعشاء عمل، وفي اليوم التالي، يعقد المؤتمر بمشاركة رؤساء الوفود المشاركة من وزراء خارجية وسفراء، في ظل انباء اميركية عن مشاركة السعودية وسورية، أما القنصلية الاميركية في القدس فقد دعت الصحافيين الى مراجعتها لمنح طالبي المشاركة في تغطية المؤتمر وثائق تفويض ممثلي وسائل الاعلام. المؤتمر سيعقد، لأن الولاياتالمتحدة تريد ذلك، وهو سينجح فقط لأن الهدف هو الانعقاد بحد ذاته، فالمؤتمر سيتحول، كما هو محدد سابقاً، الى عبارة عن "لقاء" يتم خلاله تلاوة وثيقة فلسطينية- اسرائيلية، غير ملزمة وتغيب عنها التفاصيل، على أمل أن تستأنف العملية التفاوضية على الملف الفلسطيني لمدة عام كامل، هي عملية تحريك للمشكلات وحوارات مستفيضة حولها الى أن يغادر بوش البيت الابيض، خلال هذه الفترة، قد تشهد المنطقة لفتات متبادلة من هنا وهناك، افراج عن سجناء فلسطينيين وقد يتم جزئياً قبيل انعقاد "اللقاء" تجميد مستوطنات وإزالة حواجز، مقابل زحف تطبيعي غربي مع اسرائيل، وإذا ما نفذت اسرائيل ما تسرب مؤخراً من انباء حول موافقة حكومة اولمرت على عودة 120 الف فلسطيني الى اسرائيل، اذا ما تم تنفيذ ذلك حقاً، فإن المنظومة العربية ستعتبر ذلك انجازاً هائلاً يبرر لبعض الدول العربية، التطبيع العلني، السياسي والاقتصادي والسياحي مع اسرائيل، باعتبارها خطوة اولى تعقبها خطوات، واعترافاً بحق العودة، مع تجاهل ان هذا الامر، مرتبط، كما تقول التسريبات، بالتوقيع على اتفاق نهائي اي لا تعقبه أية خطوات لاحقة. لكن خطوات ملموسة وجادة و"تنازلات" جريئة لن تحدث من قبل الجانب الاسرائيلي، فالتنفيذ بات مشروطاً بخارطة الطريق، وعلى الاخص المرحلة الاولى منها، التي ما وضعت الا لتبرير التسويف الاسرائيلي، الطويل الامد، لعدم تنفيذ الاستحقاقات الرئيسية التي كان ينبغي ان تنفذها اسرائيل، ويقال في حكومة اولمرت ان رئيس الوزراء كان قد "عدل" من صيغة الحوارات مع الجانب الفلسطيني، لتتوافق مع كل من افيغدور ليبرمان وايلي يشاي وباراك وليفني، بعدما شهدت المرحلة الاولى من الحوارات، تقدماً اسرائيلياً ملموساً، يحمل اسم اتفاق مبادئ، محددة مراحله زمنياً، وبتفاصيل يمكن ان تشكل قاعدة انطلاق لمفاوضات جدية، والعودة عن "اتفاق المبادئ" الى البيان المشترك او الوثيقة المشتركة، صياغة فعلية تتناسب مع اشتراطات الاربعة الكبار في حكومة اولمرت، وعندما كان الجانب الفلسطيني، يشير الى ان عملية التفاوض لن تستمر لأكثر من ستة أشهر، كان في الحسبان ان "وثيقة المبادئ" تشكل انطلاقة يمكن خلال نصف عام من ان تكتمل باتفاق نهائي، وما يشاع هذه الايام عن اجراءات اسرائيلية مثل اطلاق سراح عدد مهم من الاسرى والمعتقلين، وإعادة 20 الف لاجئ فلسطيني الى بيوتهم في اسرائيل، هي على الارجح مقابل "موضوعي" كي لا تتضمن الوثيقة او البيان المشترك اية التزامات جدية فيما يخص قضايا الحل النهائي التي تم ترحيلها منذ اتفاق اوسلو، وبهدف اقناع بعض الدول العربية، مقابل حضورها بأن هناك تنازلات اسرائيلية مهمة توفر للقادة العرب المبرر الكافي لحضور لقاء انابوليس. الموقف العربي، وهو ما زال غير موحد، بدأ يحاور نفسه مبرراً الاقتراب الحثيث من دعم المشاركة في لقاء انابوليس، اذ لم يسبق ان كان ثمن السلام بهذا الوضوح، اي إزالة الاحتلال على أساس حدود 1967 مع تبادل اراضٍ ربما من ضمنه وصل الضفة الغربية بقطاع غزة مع معالجة واقعية لحق العودة، وإقامة دولة فلسطينية، اوساط عربية، وفقاً لمصادر اعلامية تشير الى ان مجرد انعقاد لقاء انابوليس ينشل السلطة الفلسطينية من التهديد بتحجيمها وربما اسقاطها، كما ان مسألة اقامة دولة فلسطينية تصبح هماً ومسؤولية عالمية، وكأنها لم تكن كذلك كما يفترض، اذ ان قرار التقسيم العام 1947 يقضي بقيام دولتين وبالتالي فإن المشاركة في اللقاء، تصبح هدفاً عربياً اذا ما توفرت من قبل الاسرائيليين بعض "التسهيلات" التي يمكن التسلح بها لتبرير المشاركة العربية!! الموقف الاسرائيلي يزداد وضوحاً مع مضي الوقت، وثيقة مشتركة، عبارة عن رؤوس اقلام، بلا تفاصيل او التزامات، خارطة الطريق ستظل سداً منيعاً امام اية استجابة اسرائيلية للتعاطي الايجابي، ربط استمرار التفاوض مع الجانب الفلسطيني بقبوله رسمياً بيهودية دولة اسرائيل، وتمرير العملية التفاوضية لتستمر خلال عام، يتبلور خلالها حل الدولتين، لكن دون ان يكون لهذا الحل فرصة حقيقية للتنفيذ الفعلي، على الاقل، لأن السلطة الوطنية الفلسطينية لن تكون قادرة على الوفاء بالتزاماتها في ظل غياب "شريك فلسطيني" حقيقي يسيطر على الساحة الفلسطينية، ما قد يوفر لاسرائيل غطاء اقليمياً ودولياً لاجتياح قطاع غزة، بهدف توفير مثل هذا الشريك القادر على توحيد الساحة الفلسطينية والقادر على تنفيذ الالتزامات التي تم التوافق بشأنها خلال العملية التفاوضية، عنذ ذلك يكون الرئيس الاميركي على وشك مغادرة البيت الابيض الى غير رجعة، بعدما وفر لاسرائيل فرصة ذهبية في تنازلها عن مسائل اجرائية مقابل تطبيع على مختلف الاصعدة مع المنظومة العربية وإغراء دمشق بمفاوضات مرتقبة على الملف السوري- الاسرائيلي! الجانب الفلسطيني يلمح الى ان التجربة اثبتت ان الحديث عن تنازلات جوهرية ليس في محله، اذ ان تصلبه في مواجهة الاشتراطات الاسرائيلية في كامب ديفيد وواي بلانتيشن، بات امراً يمكن ان يتكرر اذا ظل الجانب الاسرائيلي على تصلبه وتشدده! عن صحيفة الايام الفلسطينية 18/11/2007