تركيا تطوي العملية العسكرية الواسعة محمد نورالدين هل تراجع التهديد التركي بالقيام بعملية عسكرية واسعة في شمال العراق ضد قواعد حزب العمال الكردستاني أو حتى طوي نهائيا؟ سؤال كان الجواب عنه منذ بداية الأزمة واضحا أو على الأقل ما كان يسعى إليه طرفان: رجب طيب أردوغان كرئيس للحكومة وكممثل للسلطة السياسية في تركيا والادارة الأمريكية. بعد لقاء اردوغان مع الرئيس الأمريكي جورج بوش في البيت الأبيض مطلع الأسبوع الحالي تعزز الاعتقاد بهذا الانطباع. حتى منذ الربيع الماضي كان حزب العدالة والتنمية في تركيا يقاوم ضغوط العسكر للقيام بعملية عسكرية في شمال العراق. والسبب واضح وهو أن حسابات العسكر لا تتصل فقط بعمليات حزب العمال الكردستاني أو بالوضع الكردي في شمال العراق بل كان يرى حزب العدالة والتنمية تأثيرات ذلك السلبية في الاستقرار الداخلي ومشروع حزب العدالة والتنمية في تغيير تركيبة النظام السياسي وآليات عمله. وفي الوقت نفسه لم تكن الولاياتالمتحدة مستعدة لتغيير الوضع القائم في شمال العراق الذي أثمر حتى الآن عن اقامة بنيان الدولة الكردية الحليف الأوثق لواشنطن في المنطقة وحيث يتمركز في زاويته الشمالية الشرقية أكثر من ثلاثة آلاف مقاتل من حزب العمال الكردستاني. كان يمكن لعمليات حزب العمال الكردستاني الأخيرة ولا سيما في السابع والحادي والعشرين من تشرين الأول/اكتوبر الماضي والتي اسفرت عن أكثر من ثلاثين قتيلاً وثمانية أسرى من الجيش التركي على يديه أن تطيح بكل جهود وحرص اردوغان وبوش على التهدئة وعدم انفجار الوضع. غير أن تقاطع المصالح بين حكومة حزب العدالة والتنمية وواشنطن حال دون الانفجار الكبير، وكان ان اطلق حزب العمال سراح الأسرى الأتراك الثمانية قبل يوم واحد من زيارة اردوغان إلى واشنطن. تعددت الإشارات من جانب اردوغان قبل زيارة واشنطن ومنها أن الصبر ضروري وأن الطريق لمكافحة الإرهاب ليست قصيرة. وكانت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس قد شددت على ضرورة ايجاد حل سلمي للأزمة الراهنة. في نتائج لقاء أردوغان- بوش ان الجانبين سيكثفان التنسيق الاستخباراتي وسيشكلان آلية تعاون بين رئاستي اركان الجيشين التركي والأمريكي. خرج أردوغان من اللقاء مرتاحا، وكذلك الرئيس بوش، لكن هذه النتيجة لم تقنع البعض داخل تركيا، فهذا “الفيلم الأمريكي الطويل" سبق أن رآه الأتراك. يقول زعيم حزب الحركة القومية المعارض دولت باهتشلي إن محادثات واشنطن لم تسفر عن شيء و"تمخض الجبل فولد فأراً". وكان الكاتب طه آقيول الأكثر وضوحاً بقوله ان المعادلة الأمريكية واضحة: انهاء حزب العمال الكردستاني مقابل وقوف تركيا إلى جانب أمريكا ضد ايران، كذلك تسعى أمريكا الى استخدام ورقة الكردستاني للضغط على أنقرة للاعتراف بسلطة إقليم كردستان. وتركيا ترفض بالطبع هذه المعادلة. مما جرى يبدو أن العملية العسكرية الواسعة لن تحدث في المدى المنظور. وقد أشارت صحيفة “راديكال" إلى احتمال القيام بعمليات محدودة خاطفة تستهدف نقاطاً محددة لخطف بعض كوادر حزب العمال أو القيام بغارات جوية متفرقة محدودة أيضاً. هل هذا ما كان يطمح إليه الجيش التركي منذ اثارته عمليات حزب العمال الكردستاني في الربيع الماضي؟ بالتأكيد لا. أكثر من ذلك إذا انتهى الوضع إلى ما هو عليه من “تسكين" لتوتر أنقرة، فإن الجيش التركي سيخرج الخاسر الأكبر لأنه لم ينفّذ هدفه في تفجير الوضع العسكري والانتقام لجنوده وأسراه وهو ما أصاب هيبة الجيش بضربة كبيرة. لكن النظرة الى الأمور من هذه الزاوية فقط ستكون خاطئة. فلو افترضنا أن صقور الجيش التركي ومعهم حتى حكومة العدالة والتنمية قاموا بعملية واسعة ووصلوا حتى إلى إنهاء حزب العمال الكردستاني عسكرياً فإن السؤال: وماذا بعد ذلك؟ والجواب أن تركيا كانت وستكون في غنى عن كل هذا الابتزاز الأمريكي لو أنها واجهت بشجاعة أصل المشكلة في الداخل. هنا الامتحان الحقيقي. وما عدا ذلك إضاعة للوقت واستنزاف للقدرات التركية المستمر منذ ثمانين عاماً، وهو ما تريده بالضبط واشنطن ومن خلفها “اسرائيل" في هذه المرحلة. عن صحيفة الخليج الاماراتية 13/11/2007